وسيلة لتسهيل حياة الإنسان ؟ أم آلهة للسيطرة عليها ؟
التكنولوجيا تتحكّم بالناس ... وتستعبدهم !!
أخاف من اليوم الذي تتفوق فيه التكنولوجيا على التفاعل البشري حينها سيمتلك العالم جيل من الحمقى!! لم يكن المتنبّي، بل كان « أينشتاين».
العالم الألماني الذي غاص في العلوم والمعرفة، ووجد أجوبة للفيزياء حتّى في الفضاء، كان يعلم كم أنّ بني جنسه ضُعفاء مسيّرون، وكم يمكن السيطرة عليهم بسهولة، كطفل صغير يُغرم بلعبته الجديدة، وماذا إن بقيت تتطوّر وتتجدّد بحيث لا يملّ منها أبداً، بل مع مرور الوقت يتعلّق بها أكثر فأكثر، بحيث لا يُمكنه الاستغناء عنها.
وكان خوف أينشتاين في محلّه، ولكنّ المفارقة أنّ ما كان يخشاه أتّى أسرع ممّا يتصوّر العالم، فقد شكّل التطوّر التكنولوجي إعصاراً جرف معه كلّ العالم، بحيث أصبح الجميع متعلّقين بآلاتهم. من هواتف وألواح ذكيّة وغيرها، وقد أخذت أدوار كلّ احتياجات الإنسان اليوميّة.
فلم يعد بحاجة لساعة يد، ولا لمنبّه، ولا لكاميرا، ولا لكمبيوتر محمول، ولا لخريطة، ولا لدليل أرقام الهواتف، ولا لآلة حاسبة، ولا لآلة تسجيل، ولا لكتاب قصّة، ولا لموسوعة معلومات، ولا لتلفاز، فكلّ هذه الاشياء اختزلها الهاتف.
وكلّ ذلك كان ليكون مناسباً لولا أنّ الانسان وكالعادة انجرف مع الموجة، وسمح للهاتف باستبدال عائلته والمقرّبين منه.
لقد بات البشر فعلاً مملوكين لأجهزتهم، لا مالكين لها، بل سيطر عليهم اعتقاد بأن وجودهم لن يكون له معنى بغير وجودها، تتجاذبهم من جهة العروض المغرية لشركات الاتصالات، ومن جهة أخرى الابتكارات والميزات الجديدة التي تضاف كل يوم إلى الهواتف الذكية.
والمضحك المبكي، أنّ الانسان حارب لمئات السنين للتحرّر من العبوديّة، وها هو اليوم يجري نحوها جرياً وبكامل إرادته، والأخطر أنّه لا يشعر أنّه مُستعبد، لا بل هو مقتنع أنّه المسيطر، في حين تسقط كلّ علاقاته الاجتماعيّة مع من هم حوله، ويُصبح بدوره آلة مُسيّرة، عليه أن يجلس دائماً قرب الشاحن وكأنّه مرتبط بالحائط، أو لا يُمكنه أن يترك الهاتف من يده خوف أن يُرسل أحد له رسالة ولا ينتبه لها.
إنّ ما كان من المفترض أن يُسهّل حياة الانسان، ها هو يُدمّرها ويُحطّم كلّ إبداعه وقدرته على الخلق تنتفي، فلا ضروة أن يخلق شيئاً، بل بات فقط متلقّ، لا نيّة له أن يزيد أيّ شيء، بل هو مكتفٍ بالقديم.
وما الذي يمكن إنتظاره من الجيل القادم؟
أيّ اختراع وأي اكتشاف، وأيّ مساهمة في زيادة قيم ومعانٍ على حياة أولاده وأحفاده؟
} فسحة أمل وايجابيات متعدّدة }
ليس الهدف اختصار الحديث عن التكنولوجيا في شقّها السلبي، فشقّها الإيجابي لايُخفى على أحد، وفي هذا الصدد جاء في تقرير متخصص بيان كيف ستكون العلاقة بين الحاسوب والإنسان بحلول العام، 2020 ومما تنبأ به التقرير تطور الحواسيب حيث ستصبح أكثر ذكاء وقدرة على التعلم وتلبية رغبات مستخدميها حتى قبل إصدار أوامرهم، فيكون هناك نوع من التفاعل بالكلمة والحركات والنظر وحتى التفكير، وهنا يكمن التطور الهائل حيث ستمكن المستخدم من التواصل مع تكنولوجيا المستقبل عبر الكلام والحركة، كما ستسهل التكنولوجيا إمكانية الوصول إلى المعلومة بسرعة وبسهولة عبر العالم الافتراضي .
ويذكر التقرير التسهيلات التي ستوفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والإمكانات الهائلة التي سيشهدها عالم الطب بفضل العمليات الجراحية عن بُعد . كما ركز التقرير على التغيرات التي ستطرأ على تفاعل الإنسان مع الحاسوب أو ما يسمى «التفاعل الإنساني - الحاسوبي» الذي يعتبر من العلوم التي تعنى بتصميم وتمحيص وتحرير وصناعة الأنظمة للاستخدام الإنساني ودراسة كل المسائل المتعلقة بكل ما يتداخل مع تلك الأمور .
} التكنولوجيا تختصر الوقت
وتسرقه في نفس الوقت }
أصبحت حياة الانسان أسهل مع كلّ هذا التطوّر، فالطريق الذي كان يأخد ساعة مشياً بات يأخذ 10 دقائق، والغسلة التي كانت تأخذ ساعتين، باتت تأخذ نصف الساعة، ناهيك عن التعب الجسدي الذي لا حاجة له أصلاً مع وجود الآلات الحديثة.
وتسهيل الحياة هذا لم يوفّر وقتاً إضافيّاً، للعائلة أو للأصحاب أو لأيّ شيء اجتماعيّ، فالتطوّر هذا أدّى الى تشتت انتباه البشر، و التهام جزء كبير من وقتهم، والتحكم حتى في مزاجهم وأحاسيسهم، بالإضافة أيضاً الى تأثيراته السلبية على الصحة، بما أنه يؤدي بهم إلى السهر، وإلى عدم الاهتمام بغَدائهم بسبب السرعة وعدم التركيز، كما جعل دائرة التواصل الإنساني المباشر تضيق أكثر فأكثر، لدرجة العزلة أحياناً والقطيعة أحياناً أخرى، هذا ناهيك عن تغلغل نماذج من السلوكيات الغريبة عن القيم الاجتماعية و الدينية، سببت الشعور بالاغتراب بين عالم واقعي وآخر افتراضي.
} حياة مكشوفة أمام الجميع }
بعد أن شغلت التكنولوجيا الحديثة والإنترنت حياة الناس بشكل متفاقم بمرور الوقت، تحولت من وسيلة لمساعدة الناس في تسهيل حياتهم إلى الحياة ذاتها.
وبات الجميع يُسارع الى مشاركة حياته من خلالها وتكوين التصورات والقرارات وفق الحياة عبر العالم الافتراضي، الصداقات وعلاقات الحب والزواج كلها تتم من خلال هذا العالم الافتراضي. وبتنا نعلم متّى تزوّج فلان ومتى وَلدت فلانة، ومتّى ظهر أوّل سنّ لإبن فلان، وأين سهرت فلانة وماذا أكلوا أو شربوا، وبم يشعرون وبم يُفكّرون! وكلّها على قاعدة ابتسم... نحن نصوّر، فما عاد شيء يهمّ إلّا هذه الصورة التي هي أبعد ما يكون عن الحقيقة، إنّها بالاحرى الحلم أو النيّة ولكنّها ليست الحقيقة أبداً.
وتحوّل العالم الواقعي إلى مرحلة مؤقتة لا يهتم الفرد باكتشافها أو تحليلها وتعميق نظرته لها. كما ردود الأفعال التي تتسم بالبلاهة واللامبالاة والانعزال هي السمة الأبرز.
يوميًا تزداد الحياة سرعة وتصبح القدرة على التأني والانتظار أمرًا عصيًا، أو بمثابة الرجوع للخلف. أعباء الحياة اليومية ومتطلبات العمل والانشغال بالبحث عن حلول لكل العوارض اليومية تفقد الإنسان لحظات التأمل والتفكر في حياته بشكل عميق، مستبدلًا ذلك بالحلول السريعة الجاهزة والتصورات المنتشرة بغض النظر عن قيمة المصلحة المضافة. فنجد بعض الدراسات التي تنظر إلى الوجبات السريعة باعتبارها أحد مسببات الغباء ليس لما تحتويه من عناصر غذائية ضارة ولكن لما تحتويه من قيمة الحلول الجاهزة البعيدة عن التكفير والإبداع. فيتحول الإنسان بمرور الوقت إلى مستهلكٍ عاجزٍ عن الإنتاج والإضافة.
} علام الخوف؟ }
كلّ تطوّر يتمّ يجب أن يصبّ في مصلحة الانسان... ولكنّ الخوف على هذا الإنسان في أن يتحول من منتجع ومبدع للتكنولوجيا الى عبد لها ومخلوق منها ولها ..
هذا هو الخوف على مستقبل البشرية ، أن تنشأ الاجيال لتستعمل التكنولوجيا المخترعة والتي جعلت الانسان كائناً خمولاً، حتى بات في احد البلدان يمكنه أن يدخل الى السوبرماركت في سيارته ويطلب شفهياً من الآلة أن تحضر له حاجيّاته، فماذا بعد؟
هل سنصل الى يوم نطلب من التكنولوجيا ان تُفكّر عنّا؟ أو ربّما أسوأ ، أن تشعر بدلاً منّا؟