بعد أيام سيغادر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي سدة الحكم بعد أن قضى أربع سنوات عجاف في ادارة شؤون العراق التي تسلمها وقد وصلت فيها الأمور إلى حافة المجهول . ولكن استطاع ان يعود بسفينته الى شاطىء الامان ,فحين دخل الخضراء ريئساً مكلفاً بتفويض من البرلمان كان نصف العراق قد سقط بيد داعش وجيشٌ منهار وخزينة كانت شبه خاوية ومما صَعْب عليه الامور اكثر هو تهاوي أسعار النفط إلى أدنى مستوى, لكنه رغم كل هذه الصعاب والمعوقات استطاع ان يتماسك امامها ويظهر بمظهر القائد القوي وقد أعاد للجيش شيئ من رباطة جأشة والثقة في النفس من خلال إقصاء وتغيير بعض القيادات الفاسدة بوجوه جديدة تمتلك روح الشجاعة والوطنية العالية ,فكانت أول معركة حقيقة يخوضها الجيش والقوى الامنية الاخرى ضد داعش بعد سقوط الموصل هي معركة تحرير الفلوجة فكان علم الانتصار يرفع عاليا في سماء تلك المدينة بيد العبادي مع أن هيئته كانت لا تلقي على مشاهديه ظلال الهيبة والقوة , ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ,ومن هنا بدأت داعش الشعور بالهزيمة , والخوف قد دب في الصدور في حين بدأ الشعب العراقي يطمئن الى قائده الجديد فأخذ شبح الطائفية يتورى خلف كلماته التي كانت تشعر المتلقي انه لايفرق بين مختلف طوائفه ويطمئن الجميع انهم متساوون أمام القانون ,
ومن هنا بدأ نجم العبادي يسطع ,و الشعب اخذ يدرك انه قائد يستطيع تذليل العقبات ويحقق الانتصارات من انصاف الفرص التي كانت متاحة له .
فكان انتصار الموصل بمثابة فتح الفتوح الذي جعل كأسه معلى بين أقرانه السياسيين.
وفي أوج النجاح العسكري الذي تحقق بقيادته ظهرت أميركا على خط نجاحه ومن أجل الاستثمار المستقبلي لها في حصول العبادي على ولايةٍ ثانية كونه من الموالين لسياساتها في المنطقة أعطته الضوء في دخول المناطق المتنازع عليها لتكون عنصر إضافي في قوة رصيده الانتخابي .
وقد نجح في هذا الامر , ولكنهم اميركا والعبادي لم يضعوا للدهاء الفارسي حساب حين تواجد سليماني على خط الازمة الذي استطاع شق الصف الكردي مما ادى الى حفظ الدماء وعدم تصادم الجيش العراقي والبيشمركة مما جعلها معركة بيضاء ,كان يجب ان تلتفت اميركا الى الرسالة الايرانية المبطنة والتي تقول نحن لنا نفوذ وعلاقات مع جميع الطوائف العراقية ,وانها تستطيع ان تربك الحسابات الاميركية .
ومع مرور الزمن بدأ بريق النصر يخفت وبدأت اخطاء العبادي تتزايد ونتائج الانتخابات لم تكن كما يريد العبادي التي توقعها تكون كاسحة للأصوات التي تؤهله لتشكيل الحكومة و يكون هو على سدتها ,فأضطر الى التحالف مع حلفاء اميركا (علاوي وبعض الكتل السنية) ومع حلفاء السعودية( الصدر ).ولكن لم ترجح كفته بسبب اخطاء سياسية قد ارتكبها .
في هندسة السياسة يجب أن تمسك بكل خيوط اللعبة , ولكن خطأ العبادي انه راهن على الموقف الأميركي فقط مثلما هي راهنت عليه من دون باقي الكتل والشخصيات الاخرى .وهنا خطأ العبادي الفادح الذي افقده الولاية الثانية هو انه راح يناغم الموقف الأميركي التي فرضت حصاراً اقتصادياً على إيران ,بتطبيق هذه العقوبات .
فلم يكن من ايران الا ان تستغل نفوذها وعلاقاتها مع حلفائها الشيعة التقليديين واصدقائها الجدد من السنة فكان تتويج الحلبوسي رئيساً للبرلمان( رسالة تحدي الاميركا وهي تقول نحن اللاعبين الاقوياء )
هنا اود ان اضع هذا التحليل البسيط لقوة النفوذ الإيراني في العراق, المعروف ان محافظة نينوى هي أكبر المحافظات العراقية من حيث عدد السكان والمقاعد في البرلمان ولكن لدورتين انتخابيتين متتاليتين لم تستطع هذه المحافظة الحصول على مقعد رئيس البرلمان, والسبب أن تأثير تركيا قوي على سياسي اهل نينوى لقربها منها وبعد فشل تجربة النجيفي الذي لم يستطع أن يوفق العلاقات مع كل الأطراف ,شاهدنا بعد ذلك المتنفذ الإقليمي الايراني يعمد الى منح منصب رئيس البرلمان لعضو من محافظة ديالى التي هي قريبة من حدوده وهذه المرة منح لعضو من الانبار .
وحتى انتخاب برهم صالح لم يكن خارج الرغبات الايرانية وهذه العملية توجت هزيمة حلفاء أميركا الشيعة والسنة والأكراد.
اما اختيار عادل عبد المهدي جاء بتوافق أميركي إيراني اضف الى توافق الداخل عليه .حيث ان ايران لم تكن راغبة بأن تقطع شعرة معاوية بل ترغب ان تمسك بخيوط اللعبة من كل اطرافها وتترك هامش مناورة لخصومها في الداخل والخارج..
وفي خضم الصراع الذي جرى بين إرادات دولية واقليمية ومحلية لابد ان نشكر السيد العبادي وهو يودع كرسي الرئاسة على كل ما قدمه من إنجازات التي لم تخلو من هفوات بعضها قاتلة ,فهو بحق بطل منجز القضاء على الطائفية الذي يراه الكثيرين حتى اعظم من انجاز تحرير العراق من داعش .