شرح أدعية أيام شهر رمضان المبارك
دعاء اليوم : السادس عشر
(اَللّـهُمَّ !.. وَفِّقْني فيهِ لِمُوافَقَةِ الأبْرارِ ، وَجَنِّبْني فيهِ مُرافَقَةَ الأشْرارِ ، وَآوِني فيهِ بِرَحْمَتِكَ إلى دارِ الْقَـرارِ ، بِإِلهِيَّتِكَ يا إِلـهَ الْعالَمينَ).
الجميل في أدعية أيام شهر رمضان هو التنوع في المضامين ، ومضمون هذا اليوم مضمون جديد من بين الأيام الماضية..
- (اَللّـهُمَّ !.. وَفِّقْني فيهِ لِمُوافَقَةِ الأبْرارِ...) :
نلاحظ أنه لم يقل : (اللهم !.. وفقني لمرافقة الأبرار) .. (المرافقة) و (الموافقة) الفرق بينهما حرف واحد ، ولكن بينهما بون شاسع في المعنى !.. (المرافقة) بمعنى الصحبة الخارجية المجردة.. كما هو الملاحظ في بعض الناس أنه يأنس بمرافقة المؤمنين ، ويعيش شيء من الارتياح من أنه يعيش في ضمن المجموعة المؤمنة ، سواء كانوا من ذوي الإيمان بالمعنى العام ، أو من ذوي الإيمان بالمعنى الخاص.. ولكن الأهم ليس هو (المرافقة) وإنما (الموافقة) !.. فإن الرفقة والاجتماع الإيماني إذا لم تثمر ثماراً خارجية تكاملية ، وتبقى على مستوى المرافقة المجردة ، فإنه لا خير كثيراً في مثل هذه المرافقة ، فإن المهم هو موافقة الأبرار لا مرافقتهم فحسب !..
أي ينبغي للإنسان عندما يكون ضمن مجموعة مؤمنة ، أن يستفيد من هذه المجموعة.. ومن المعلوم أن لكلٍ سمة متميزة ، فالمؤمنون كأنواع الورود ، لكل مؤمن رائحة متميزة ، نرى مؤمن متميز في الإنفاق ، ونرى مؤمن متميز في حسن الخلق ، ونرى مؤمن متميز في علاقته مع الله عزوجل... وكم من الجميل للإنسان عندما يرافق المؤمنين ، أن يحاول أن يأخذ من كل مؤمن خير ما فيه من الصفات ، وأن يوافقه في هذه الصفة !..
ولا شك أن تأثر الإنسان بالخصال الأخلاقية عندما يراها متجسدة في إنسان لصيق به ، ليس هو كتأثره لو قرأ عن هذه الصفة الأخلاقية في بطون كتب الأخلاق ، أو سمعها من سيرة العلماء السلف.. مثل : إنسان يسمع بأن المال يزكو بالإنفاق ، ورأى صديقه كيف كان مضيقاً عليه في الرزق ، فنما ماله بالإنفاق ، بدفع ما عليه من حقوق واجبة.. فهذا نعم الوازع ، لأن يكون مندفعاً في أداء حقوقه.. ولعل في بعض الحالات ، هذه الحالة تكون أدعى للتحرك من قوله تعالى : {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} ، عندما يرى أثر الخمس وأثر الصدقة في حياة صديقه.. ولو أن المفروض أن الإنسان عليه أن يتحرك من خلال الآيات -لقول الرحمن- ، ولكن طبيعة النفس أنها تألف المادة والحركات الحسية ، فمرافقة الأبرار وموافقتهم ، بلا شك يكون عنصر قدوة في هذا المجال.
أضف إلى ما سمعناه -قديماً وجديداً- أن الإنسان مدني بالطبع.. فالإنسان لا يمكنه أن يعيش في الفراغ ، ولا يستطيع أن يعيش مع نفسه.. إلا الذي يأنس بالله عزوجل ، ويكون كعلي (ع) الذي يقول : (والله !.. لا تزيدني كثرة الناس حولي أنسا ، ولا تفرقهم عني وحشة).. ولكن هذا المعنى قد من الصعب أن نعيشه في حياتنا اليومية.. الإنسان مدني بالطبع يأنس ، ولعله سمي الإنسان إنسانا ، لأنه يأنس ببني جنسه.. ومن هنا فالإنسان إذا لم يلجأ إلى المجموعة الإيمانية المهذبة -على الأقل التي لا ترتكب الفواحش- ، فمن الطبيعي أنه إما أن يعيش بعقد نفسية ، وبأزمات الانفراد عن الخلق ؛ أو أنه يبحث عمن يؤنسه ، وقد يكون البديل بديل غير صالح ، ولهذا رأينا أن بعض المؤمنين بمجرد مرافقتهم لغير الأبرار ، انحرفوا عن الطريق.
فإذن، أن يدعي البعض أنه عصامي في فكره وعمله ، فهذه دعوى لا تقبل.. العصاميون أشخاص نادرون ، بل حتى النادرين منهم ، نحن نعتقد أنهم شخصيات -في كثير من الحالات- غير سوية.
- (وَجَنِّبْني فيهِ مُرافَقَةَ الأشْرارِ...) :
في حياة الإنسان هناك صور من المعاشرة القهرية شاء أم أبى.. مثل أن يكون إنسان في مجال العمل محشور مع زمرة من الخلق ، قد لا يرتضيهم لحظة واحدة ، لو ترك الأمر بيده ، ولكنه محكوم.. وهذه طبيعة الدنيا.. قال تعالى : {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا}.. الله عزوجل خلق الكون ، ليستثمر أحدنا الآخر.. ولهذا من المناسب أن يدعو الإنسان ربه ويقول : يا رب !.. إن كان ولابد من أن أعيش مع الخلق ، فاجعل رزقي على أيدي خيار خلقك.. اللهم !.. ارزقني على أيدي خيار خلقك.. ولهذا نقرأ في الدعاء : (اللهم !.. لا تحوجني إلى لئام خلقك).. فإنه من صور العذاب النفسي للمؤمن ، أن يعيش حالة المعاشرة الإجبارية مع من لا ينسجم معهم أبداً..
ولو ابتلى الإنسان بمعاشرة من لابد من معاشرته ، فإن المعاشرة الخارجية أمر إجباري ، أما الأنس القلبي فهو أمر مرفوض.. المؤمن وإن اضطر في يوم من الأيام أن يعيش مع الآخرين في مجال العمل ، أو في مجال الجيرة ، أو في مجال التجارة ، فإنه عليه أن لا يركن بقلبه إلى أي مخلوق ، لا يمت إلى الله بصلة.. فهو مجبور خارجياً ، ولكن من أجبره بالباطن ؟.. الأنس بغير الله وبغير أولياء الله عزوجل ، أمر مرفوض.. ولهذا ورد عن الإمام الصادق (ع) : (من شكا إلى مؤمن فقد شكا إلى الله عزّوجلّ ، ومن شكا إلى مخالف فقد شكا الله عزّوجلّ).
أعاذنا الله عزوجل من سيئات أعمالنا ، وشرور أنفسنا !.. إنه سميع مجيب.