شرح
منهج الصالحين
فتاوى
آية الله العظمى
السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره
الجزء الأول
بقلم
ميثم العقيلي
كتاب
الإجتهاد والتقليد
قوله : [ مسألة 1] يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد، أن يكون في جميع عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه مقلداً، إلا أن يحصل له علم بالحكم لضرورة وغيرها. كما في بعض الواجبات، وكثير من المستحبات والمباحات.
الشرح : إن المكلف وهو الشخص العامي الذي ليس له علم أو قدرة على استخراج أو استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية – الكتاب, السنة, العقل, الإجماع – يجب عليه أن يسلك طريق التقليد, وذلك بأن يرجع في أعماله أفعالاً كانت أو تروكاً إلى الشخص العالم وهو المجتهد الذي له تلك القدرة على الاستخراج. وموضوع هذه الأعمال هو الأحكام الشرعية الصادرة من الشارع المقدس, سواء كانت تلك الأحكام تتوقف صحتها على نية التقرب إلى الله تعالى كالصلاة والصوم وغيرهما فتسمى بـ(العبادات), أم كانت تلك الأحكام معاملات لا تتوقف صحتها على نية التقرب إلى الله تعالى كالتجارة والأجارة وغيرهما فتسمى بـ(المعاملات).
نعم يستثنى من حكم وجوب التقليد على المكلف العامي أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية كما لو كانت تلك الأحكام الشرعية ضرورية الثبوت أو غير ضرورية كاليقينيات والمسلمات بحسب المستفاد من الأدلة الشرعية التي يكفي فيها الحجية اليقينية وليست التقليدية, ومثاله:
الواجبات: كما في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والجهاد, وغيرهما.
المستحبات: كما في استحباب صلاة النوافل اليومية, وغسل يوم الجمعة, وغيرهما.
المباحات: كما في إباحة القيام, والجلوس, وغيرهما.
قوله : [مسألة 2] عمل العامي بلا تقليد باطل، لا يجوز له الاجتزاء به، إلا أن يعلم بمطابقته للواقع، أو لفتوى المجتهد الذي كان حجة عليه حال العمل، مع حصول نية القربة منه في ما كان العمل عبادياً.
الشرح : قد تبين من المسالة السابقة أن الشخص العامي يجب عليه التقليد ليحقق بذلك إحراز امتثال الأحكام الشرعية, ويترتب عليه في هذه المسألة أنه مَن ترك طريق التقليد فإننا نحكم على عمله بالبطلان, وذلك لمخالفة المكلف للحكم الشرعي وهو وجوب التقليد. إلا أنه يستثنى من هذا البطلان - أي يكون عمله صحيحاً وإن لم يكن مقلداً – موارد, ومنها موردان:
المورد الأول: أن يعلم بمطابقة عمل المكلف للواقع الذي عليه حكم ذلك العمل عند الله سبحانه وتعالى, سواء كان ذلك العمل الصادر من المكلف عبادياً أم غير عبادي.
المورد الثاني: أن يعلم بمطابقة عمل المكلف لفتوى المجتهد الذي كان حجة على المكلف تقليده حال عمل المكلف مع حصول نية القربة من المكلف فيما إذا كان العمل عبادياً كالطهارة والصلاة والصوم وغيرها.
قوله : [مسألة 3] الاحوط ترك طريق الاحتياط في عموم المسائل، والاختصاص بطريقي الاجتهاد والتقليد. لكن الاحتياط في بعض المسائل جائز، سواء اقتضى التكرار أم لا، لكن يلزم المكلف معرفة ما هو الاحوط شرعا.
الشرح : إن طرق إحراز امتثال الأحكام الشرعية ثلاثة:
الأول: الاجتهاد.
الثاني: التقليد.
الثالث: الاحتياط.
ومعنى الطريق الثالث في اللغة من حوط حاطه يحوطه حوطاً, واحتاط الرجل أي أخذ بأوثق الوجوه, ومنه في الاصطلاح الشرعي فالاحتياط يعني إيجاد العمل أو التطبيق الذي ينتج اليقين بفراغ الذمة والخروج عن عهدة التكليف. إلا أن المصنف قدس قد استشكل في جعل الاحتياط كطريق لإحراز امتثال الأحكام الشرعية كبديل عن طريقي الاجتهاد والتقليد, والمقصود منه ذلك الاحتياط الكلي الذي يصدر من المكلف في جميع الأحكام الشرعية بمعنى انه كلما عرض تكليف للمكلف أخذ بأحوط الاحتمالات فيه, وهذا كما ترى يبدو مستحيلاً أو متعذراً وفيه عسر وحرج على المكلف. إلا أن هناك احتياطاً يجوز سلوكه من قبل المكلف فيما إذا كان جزئياً مرتبطاً ببعض المسائل الشرعية, سواء كان ذلك الاحتياط موجباً للتكرار أم لا, فهنا نحوان من الاحتياط:
الأول: الاحتياط الموجب للتكرار: وهو ما كان فراغ الذمة متوقفاً على تعدد العمل, ومثاله:
الجمع بين القصر والتمام.
الصلاة إلى الجهات الربعة فيما لو جهل القبلة.
الثاني: الاحتياط غير الموجب للتكرار: وهو ما كان فراغ الذمة لا يتوقف على تعدد العمل, ومثاله:
لو احتمل المكلف وجوب شيء فأتى به.
لو احتمل المكلف حرمة شيء فتركه.
قوله : [مسألة 4] التقليد هو العمل اعتماداً على فتوى المجتهد، سواء التزم المقلد بذلك في نفسه أم لم يلتزم.
الشرح : التقليد وهو الطريق الثاني مضافاً لطريقي الاجتهاد والاحتياط لإحراز امتثال الأحكام الشرعية, حيث أن التقليد في اللغة يأتي بمعنيين:
الأول: المشابهة في الصوت أو الفعل.
والثاني: المسؤولية في العمل.
والمعنى الأول نظري يكفي فيه مجرد النية أو العزم على الرجوع إلى المجتهد من دون عمل بينما المعنى الثاني عملي يشترط فيه مضافاً لهذه النية والعزم تطبيق فتوى المجتهد, وقد اختار المصنف قدس المعنى الثاني على عكس الاجتهاد الذي رجح فيه المعنى النظري على المعنى العملي بتفصيل آت. ثم إن معنى الاعتماد في التقليد أو التقليد العملي أو الاعتمادي هو معنى عرفي وهو الاستناد, أي أن يكون عمل المكلف مستنداً على رأي المجتهد, وهذا يعتمد على أن يحرز المكلف رأي المجتهد وأنه صادر منه ثم يستند في مقام العمل على ذلك الرأي.
قوله : [مسألة 5] الاجتهاد، هو ملكة الاستنباط. أو القدرة الراسخة على معرفة جميع الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، سواء مارس ذلك أم لا. والأعلمية، هي صفة من كان أقوى في الملكة، وأدق في النظر والاستدلال، ولا دخل لسعة الاطلاع على المصادر في ذلك.
الشرح : الاجتهاد وهو الطريق الأول مضافاً لطريقي التقليد والاحتياط لإحراز امتثال الحكام الشرعية, حيث أن الاجتهاد في اللغة له عدة معان منها معنيان:
الأول: الطاقة والوسع.
والثاني: الغاية.
والمعنى الأول عملي متوقف على العمل على استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية كتاباً أو سنةً أو إجماعاً أو عقلاً بينما المعنى الثاني نظري متوقف على الملكة العقلية غير القابلة للزوال بحيث تكون سبباً لإعمال النظر في الأدلة التفصيلية لتحصيل الفتاوى في الأحكام الشرعية, وقد اختار المصنف قدس وفاقاً لمشهور الفقهاء المعنى الثاني سواء مارس المجتهد اجتهاده في المسائل أم لم يمارس.
ثم إن من شرائط الاجتهاد الأعلمية وهي أن يكون المجتهد متصفاً بعمق وقوة الملكة العقلية ودقة في النظر وسداد في الرأي من دون أن يكون لكثرة وسعة الإطلاع على المصادر البحثية في المناهج الدراسية الحوزوية دور في تشخيص الأعلم من المجتهدين على تفصيل آت في شرائط مرجع التقليد وكيفية ثبوت الاجتهاد والأعلمية.