القفز على المراحل
الركض المتواصل هو اغتيال للحظة وفقدان للأمان. شعور قاس. كأننا عابرون في مسار لا يعرف الاستقرار. نحتاج أن نتروى، نحتضن اللحظات بدلاً من طردها. نتأمل ما هو بين أيدينا. نهتم بمن حولنا، ونعطي مشاعرنا وأحاسيسنا لمن يستحق.
الحياة ليست بالوصول للأهداف، بل في الاستمتاع بالرحلة. لماذا نرغب أن نقفز على الأشياء. نهوى حرق المراحل ومحاولة الوصول. نعيش اللحظة بأجسادنا وذهننا مع الآتي؟ القفز على المحطات هو تشويه لمسار الحياة الطبيعي. التسلسل المنطقي يجعلنا ندرك قيمة الأشياء، ونقدر ما لدينا. بل والاقتناع بما لدينا.
تركيبة الحياة مبنية على التوافق الزمني. فلن يستطيع الليل أن يلتهم النهار، ومن الصعب على الصيف أن يبسط نفوذه على مدار العام، بل يترك مكانه لأجواء الربيع. كما أن الطيور تنتظر نور الفجر لتبدأ رحلتها. والثمار تتحين موسمها لتبدأ العطاء. هي الحياة، التي أبدعها الخالق، فغير أنها إبهار بصري، هي إتقان زمني.
الواقعية تعلمنا كيف نتعامل بروح المنطق، وليس بانفعال العاطفة. نكتشف مثلاً كم ظلمنا أنفسنا حينما لم نعط كل مرحلة في حياتنا حقها. فلماذا ننتظر من الأطفال أن يتصرفوا كالكبار، ونطالبهم بذلك. ولماذا نمنع المراهقين من أن يعيشوا مرحلتهم، وكأنهم كائنات مختلفة؟ جمال الحياة في أن تعيش كل مراحلها، وأن تستمتع بكل مرحلة عمرية. القفز على مراحل العمر مخاطرة غير مضمونة، فربما عادت لتفرض نفسها كحقيقة في الوقت الخطأ.
الأشخاص الناضجون هم الذين يتفهمون عامل الزمن، ويتصالحون مع أنفسهم. هؤلاء الذين يتركون بصمتهم الهادئة على كل من يقابلهم. يعلموننا كيف أن الحياة أخذ وعطاء، قناعة وتفاؤل. وأن الركض المتسارع ليس دائما دليلاً للنجاح. يشرحون لنا ببساطة أن السعادة نستحقها فقط حينما نمنحها للآخرين.
اليوم الثامن:
الحياة رحلة في حديقة جميلة
لماذا نفكر فقط في الوصول؟
وننسى أن نستمتع بمنظر الزهور
بقلم / محمد فهد الحارثي