من هم المطففون؟ وما عذابهم في الدنيا والآخرة؟
أميرة شبل04/10/2018





يقصد بالمطفيفين الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس.. قال الزجاج: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان: مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف.

التطفيف خلق ذميم، ذمه الله تعالى في القرآن الكريم وتوعد أهله بالعذاب إن لم يتركوه، وخصلة سوء كانت في قوم أرسل الله إليهم رسولا ليدعوهم للإيمان به، وترك ما هم عليه من هذه الفعلة القبيحة فلما أبوا أهلكهم بسوء فعلهم وللكافرين أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد.

قال تعالى : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [1] الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [2] وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [3] أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [4] لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [5] يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [6]} (المطففون:1ـ6).

وسبب نزول السورة كما أخرج النسائي وابن ماجة عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل اللّه تعالى: {ويل للمطفِّفين} فحسنوا الكيل بعد ذلك". وقال القرطبي رحمه الله: وقال قوم: نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة، واسمه عمرو؛ كان له صاعان يأخذ بأحدهما، ويعطي بالآخر.

معنى التطفيف:
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: والمراد بالتطفيف ههنا البخس في المكيال والميزان، إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما النقصان إن قضاهم.

أي أنه إذا أخذ لنفسه أخذ أكثر من حقه، وإذا أعطى أعطى أقل من الواجب.. كما قال تعالى: {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} أي يأخذون حقهم بالوافي والزائد، {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} أي ينقصون.

والتطفيف الذي ذكر في الآيات إنما هو التطفيف في المكيالات والموزونات لأنه كان أكثر استعمالات القوم وقتئذ.. غير أن جماعة من العلماء ذهبوا إلى أن التطفيف يدخل في كل الحقوق بل وحتى في العبادات؛ قال الإمام القرطبي: "وقال آخرون: التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث.

وقال مالك: ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف.. وروى عن سالم ابن أبي الجعد قال: الصلاة بمكيال، فمن أوفى أوفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك {ويل للمطففين}". قال النابلسي: ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير التي يتعامل بها الناس.

وذهب البعض إلى أن كل تصرف يؤدي إلى أن يأخذ الإنسان أكثر من حقه أو أن يعطي لصاحب الحق أقل من حقه فهو تطفيف.. فمثلا رجل يبيع بضاعة رديئة ثم هو يطبع عليها مطبوعات على أنها صنعت في بلد كذا ليبيعها بسعر أكبر مما ينبغي هو من المطففين.. ورجل يحقن النباتات بهرمونات أو مكسبات طعم أو ألوان لتظهر على خلاف حقيقتها فهو غاش ومطفف، ورجل يحقن الدجاج المذبوح بالماء ليثقل وزنه وليبيعه بأكثر من ثمنه مطفف غشاش.

وإذا سلمنا بأن التطفيف هو استيفاء الحق من الناس عند الأخذ، والإنقاص والإخسار عند العطاء؛ فإن كثيرا منا يكون قد وقع في هذه المصيبة التي يعدها ابن حجر العسقلاني كبيرة من الكبائر.

فالزوج الذي يريد من زوجته أن توفيه حقوقه كاملة غير منقوصة، وهو في ذات الوقت مفرط في أداء واجباته نحوها، ومقصر في إعطائها كامل حقوقها هو في الحقيقة من المطففين، وكذلك هي إن انعكس الحال.

والأب الذي لا يقوم بحقوق أولاده في التربية والتعليم والنفقة ورعاية شئونهم ثم يريد منهم أن يقوموا هم بحق البر له كاملا غير منقوص هو من المطففين.

والموظف الذي يذهب في الصباح ليوقع للحضور ثم ينصرف ليأتي آخر النهار يوقع انصرافا، أو الموظف الذي ينام في العمل أو يتكاسل عن أداء ما طلب منه، ثم في آخر الشهر يريد أن يأخذ راتبه كاملا مكملا بل وينزعج إذا وجد نقصا.. هو في الحقيقة أيضا من المطففين.

وقد يجمع الإنسان بين أكثر من نوع من التطفيف في آن واحد فيكون زوجا مطففا، وأبا مطففا، وموظفا مطففا.. والمعصوم من عصمه الله.

الأمر بالعدل في الميزان:
وقد أمر الله تعالى عباده في العديد من الآيات بالوزن بالقسط والعدل، ونهاهم ضمنا ولفظا عن الظلم والحيف، والتطفيف في الكيل فقال سبحانه : {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها}..

وقال في سورة الإسراء: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا}، وقال في سورة الرحمن: {والسماء رفعاها ووضع الميزان . ألا تطغوا في الميزان . وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}، وقال في سورة الشعراء: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا بتخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.

عقوبة المطففين:
اعلم أن التطفيف كبيرة من الكبائر، وهو أكل لأموال الناس بالباطل، وهو كسب خبيث يدل على حقارة نفس فاعله ودناءتها، وهو مال حرام فإذا تصدق به صاحبه لم يتقبل منه وإذا خلفه وراءه كان زاده إلى النار.. وقد توعد الله أصحابه بعقوبات في الدنيا والآخرة نكتفي بذكر اثنتين لكل منهما:

أما في الدنيا
الأول: يعاقب الله عليه في الدنيا بالقحط والجدب وجور السلطان:
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:[يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَر الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ](ابن ماجه).

وأما الثاني: فهو تعرضهم لمقت الله وعذابه
كما فعل الله بمدين قوم شعيب حين أرسله إليهم، وكان التطفيف فاشيا فيهم، فدعاهم لعبادة الله وترك هذا العمل القبيح وقال: {وياقوم أفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (هود: 85)،

{فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}(العنكبوت:37 .. وقد ذكر الله قصتهم في القرآن ليعتبر أولوا الأبصار، وإلا .. فـ {ما هي من الظالمين ببعيد}.

وعقوبتان في الآخرة:
وكما عاقب الله المطففين بعقوبتين في الدنيا، كذلك عاقبهم في الآخرة بعقوبتين:

الأولى: ذكرها الله في أول سورة المطففين وهي قوله: {ويل للمطففين}.. والويل: هو العذاب الأليم، وقيل هو واد في قعر جهنم يسيل فيه صديد أهل النار. وقال بعض المفسرين: هو واد في جهنم، لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، نعوذ بالله منه.

والعقوبة الثانية: ذكرها ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة.. ثم قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة ـ وإن قتل في سبيل الله ـ فيقال له: أدِ أمانتك، فيقول: أي ربي، كيف قد ذهبت الدنيا؟ قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا نظر أنه خارج زلت عن منكبيه فهوي يهوي في أثرها أبد الآبدين.. ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عدها، وأشد ذلك الودائع".

قال الراوي عن ابن مسعود: فأتيت البراء بن عازب، فقلت: ألا ترى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا وكذا، قال: صدق، أما سمعت الله يقول: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.

إن دين الله عقيدة، وشريعة، وأخلاق، وعبادات، ومعاملات، وهو دين يشمل حياة الناس كلها. فالإسلام عقيدة في القلب، وعبادة في المسجد، ومعاملة في البيت وفي السوق.. الإسلام في المصنع، وفي المكتب، وفي المدرسة، وفي كل زاوية من زوايا الحياة..

هذا هو الإسلام الذي أرسل الله به رسله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.. فـ {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}.

المصدر: الإسلام ويب - تفسير البغوي