أصبح طبق الرامن، الذي نشأ في الصين، واحداً من الأطباق الأكثر شعبية في اليابان وذلك على مدى العقود القليلة الماضية، مما أثار منافسة شديدة بين محلات الرامن في البلاد. وهذه المقالة تُلقي نظرة في التاريخ للتعرف على ما يقف وراء وله اليابان بطبق الرامن.”عندما أعود إلى اليابان، فإن أول شيء أريد أن أتناوله هو الرامن“، هي عبارة كثيرا ما نسمعها من اليابانيين الذين يعيشون في الخارج. فقد أصبح طبق الشعرية/الشعيرية جزءا أساسيا من الثقافة الغذائية في البلاد. كما أضحى طهاة الرامن في منافسةٍ مستمرة لرفع الطبق إلى مستوى جديد من خلال تجربة المكونات والنكهات الجديدة.
ووفقاً لموقع إحصائيات اليابان، كان هناك أكثر من ٣٥ ألف محل تجاري للرامن على الصعيد الوطني عام ٢٠١٣، أي بمعدل حوالي ٢٨محل لكل ١٠٠ ألف نسمة. ووصل الرقم تقريبا إلى نحو ٧١ في محافظة ”ياماغاتا“، التي تفتخر بوجود العدد الأكبر من محلات الرامن فيها بالنسبة للفرد، تليها كل من محافظة ”توتشيغي“، ”نيغاتا“، ”أكيتا“، و”كاغوشيما“. وربما يكون هناك المزيد من المحلات التجارية، لأن الأرقام تشمل فقط تلك المدرجة في دليل الهاتف الصادر عن NTT.
وفي كل الأحوال، لن تضطر للبحث بعيداً للعثور على محل للرامن في أي مكان في اليابان، وخاصة في المدن الكبرى. أغلبية هذه المحلات تبيع الشعرية بأسعار معقولة، كما أنك لن تضطر إلى الانتظار طويلاً لتناولها. وينظر للرامن في اليابان كنوع من الوجبات السريعة التي يمكن أن تؤكل إما وقت الغداء أو عندما تشعر بالجوع قليلاً. ولكن هناك أيضاً فرق كبيرة من رامن أوتاكو (مهووسو الرامن)والذين يتذوقون الشعرية على محمل الجد، وهم محظوظون حقاً حيث مَنعت المنافسة الشرسة في الرامن من وجود أي نقص في النكهات المميزة والإضافات التي تستحوذ على اهتمامهم.
طبق ياباني مفضل وبسيط
ويقال إن أول شخص ياباني تناول الرامن هو ”توكوغاوا ميتسوكوني“ (١٦٢٨-١٧٠١) الوالي الثاني لإقطاعية ”ميتو“ (الآن محافظة ايباراكي). ووفقاً لهذه القصة، أصبح الباحث في الكونفوشية المنفي من ”مينغ“ الصينية والذي يدعى ”تشو تسيو“ (١٦٠٠-١٦٨٢) مدرسا لـ ”توكوغاوا“ وقد عرفه على ”الشعرية الصينية“، وهو الطبق الذي بشر بالرامن اليوم. وتشير السجلات أن الشعرية كانت مصنوعة من مزيج من القمح ودقيق اللوتس، وكانت تُقدم في حساء. وتُباع نسخة محدثة من هذا الطبق الأصلي في ”إيباراكي“ تحت اسم ”رامن إقطاع ميتو“.
ومع ذلك، فإن هذه ”الشعرية الصينية“ لم تشتهر على الفور. ولم يكن ذلك حتى عصر ميجي (١٨٦٨-١٩١٢) حتى بدأ هذا الطبق أخيرا بإقناع اليابانيين. في المطاعم الصينية في الحي الصيني في ”يوكوهاما“ وغيرها، وقد استُكملت الشعرية والحساء مع لحم الخنزير المطهو ببطء ”chāshū“، وبراعم الخيزران ”menma“، والبيض المسلوق المقسوم إلى نصفين. ولعل أصل هذا الطبق هو السبب وراء تسمية الرامن أحيانا بالسوبا الصينية (تشوكا سوبا) في اليابان.
طبق الرامن من ”كومورا ساكي“ في ”كوماموتو“، محافظة ”كوماموتو“
وعَقِب الحرب العالمية الثانية، بعد أن بدأ العائدون من الصين – وهم من المواطنين اليابانيين الذين كانوا يعيشون في مستعمرات إمبراطورية اليابان، – بِبَيع ذلك الطعام اللذيذ في جميع أنحاء البلاد، ليصبح الرامن الطبق المفضل البسيط ولينافس في شعبيته الكاري الياباني. وفي ذلك الوقت الذي كانت تسوده الفوضى، عندما كان الغذاء شحيحا، تم احتضان الرامن كطبق لذيذ ورخيص يباع في الأكشاك في الشوارع. هذه الأكشاك المتواضعة تطورت لمحلات تجارية وسرعان ما انتشرت في كل مكان في اليابان.
وقد أثار الانتشار المستمر من المحلات التجارية المنافسة الشديدة، مما أدى إلى ظهور العديد من الأنواع الجديدة، بما في ذلك الأنواع الراقية التي أضافت سرطان البحر وجراد البحر والتي يمكن أن يكلف الطبق الواحد منها ١٠٠٠٠ ين (حوالي ١٠٠ دولار). في حين يبيع الجانب الثاني من هذه السلاسل طبق الرامن مقابل ٣٠٠ ين (حوالي ٣ دولارات) أو أقل وعلى الرغم من ارتفاع كلفة الطبق أحياناً، يبقى الرامن أساسا وجبة طعام رخيص، لذيذ وسريع، وبحيث يسعى معظم الطهاة لإنتاج مجموعات متنوعة من هذا الطبق ضمن هذه الحدود.
عشاق الرامن يتوجهون ليوكوهاما
وتجدر الاشارة إلى أن متحف الرامن في ”شين يوكوهاما“ يركز على موضوع الغذاء ويقع على مسافة قصيرة من محطة ”شين يوكوهاما“. داخل المتحف، الذي افتتح في عام ١٩٩٤، والذي هو مجرّد شارع نموذجي من أواخر الخمسينات أو أوائل الستينات في اليابان. وإضافة إلى التمتع بالمعروضات حول المقاهي والمحلات لتناول الحلوى الشعبية ”الداغاشي dagashi“، والرامن بالطبع، يمكن للزوارأيضاً تذوق الشعرية والتي تُقدمها سلاسل المحلات التجارية الشهيرة من جميع أنحاء اليابان. ووفقاً لأحد موظفي المتحف، يتم استهلاك ما مجموعه ٣٠٠٠ طبق رامن من جميع المحلات التجارية في أيام الأسبوع و٦٥٠٠ في عطلة نهاية الأسبوع والأعياد.
متحف الرامن في شين يوكوهاما
وقد رَحّب المتحف منذ فتح أبوابه بأكثر من ٢٢ مليون زائر، وسجل نحو ١٠١٨٥ زائر في يوم واحد. كان هناك الكثير من الناس عندما قمنا بالزيارة أيضا، بما في ذلك بعض السياح من برشلونة. وقال لنا واحد منهم، وهو رجل في الثلاثينات من عمره،: ”أنا أحب الرامن وقد تناولته كل يوم منذ جئت الى هنا. حتى في إسبانيا، أتناوله مرة واحدة في الشهر“.
ولم ينتشر الرامن إلى الولايات المتحدة وأوروبا فحسب، بل عاد إلى الصين أيضا في شكله الياباني الجديد. حيث تشير المعلومات من المتحف إلى أنه اعتبارا من شهر فبراير/شباط عام ٢٠١٣، كان هناك أكثر من ١٠٠٠ محل تجاري خارج اليابان، وخاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا. ففي نيويورك وحدها، هناك حوالي ٥٠ الى ٦٠ محل رامن.
كما وكان المشروع المتعلق بالرامن أيضا جزءا من برنامج Cool Japan الترويجي لعام ٢٠١٣ تحت رعاية وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة. وقد فازت شركة Chikaranomoto، التي تمتلك سلسلة الرامن الشهيرة Hakata Ippūdō، بالقرعة لإدارة المشروع، والذي يهدف إلى تشجيع فتح المزيد من محلات الرامن في باريس ومواقع أوروبية أخرى. بهذه الطريقة، وتأمل وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في جذب المزيد من السياح الأجانب إلى اليابان وتعزيز الاقتصاد.
أيضاً وجدير بالذكر أنّ ”أندو موموفوكو“، مؤسس شركة ”نيسين“ للمنتجات الغذائية ومبتكر الرامن سريع التحضير هو من رفع لأول مَرّة شعار ”Jinrui wa menrui“ حيث يتم التلاعب بالألفاظ على نطق الكلمة اليابانية للشعرية ”men“، وهذا الشعار يمكن ترجمته إلى الإنكليزية ” Mankind is menkind“، وإلى العربية ”البشرية هي الشعرية“. على الرغم من هذا التلاعب بالكلمات فقد لا يكون له نفس التأثير تماماً في اللغتين الإنكليزية والعربية، ولكن في اللغة العالمية للطعام، فانَّ طبق الرامن يوفر نكهة يمكن أن تتمتع بها البشرية جمعاء!
(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٢٧ أغسطس/آب ٢٠١٤، الترجمة من اللغة الإنكليزية. تصوير ”كاتو تاكيمي“، بالتعاون مع متحف الرامن في ”شين يوكوهاما“. صورة اللافتة: طبق من الرامن من محل ”كامومي“ في ”كيسينوما“، محافظة ”مياجي“.)