فضل سورة الرعد
سورة الرعد
حملتْ هذه السورة المكية اسم واحدةٍ من الظواهر الكونيّة الطبيعية وهي ظاهرة الرعد، ونزلت آياتها الثلاث وأربعون بعد سورة محمد وقبل سورة الرحمن، وترتيبها السابعة والتسعون من حيث النزول، أمّا ترتيبها في المصحف العثمانيّ فالثالثة عشرة، وتقع في الأرباع من ثلاثة إلى ستّة في الحزبيْن الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الجزء الثالث عشر، وقد افتتحت السورة آياتها بالحروف المقطعة “المر”، كما أنها تشتمل على سجدةٍ في الآية الخامسة عشرة من السورة، وهذا المقال يسلط الضوء على فضل سورة الرعد.
مضامين سورة الرعد
يتمحور مضمون سورة الرعد حول فكرةٍ رئيسةٍ، ألا وهي وضوحُ الحقّ ورسوخ مبادئه وتعاليمه مقابل ضَعْف الباطل وهشاشة مبادئه وتعاليمه، كما تضمن السورة مضامين أخرى، منها: 1) 2)
- التنبيه إلى عدم الانخداع ببريق الباطل وأنّه إلى زوال، في حين أن الحق ثابتٌ لا يزوغ مُطلقًا.
- تقرير وحدانية الله ووجوب الإيمان بوجوده بالصفة التي تليق به.
- لفت الأنظار إلى عظيم قدرة الله في الكون من خلال بسط الأرض، وتعاقب الليل والنهار والإشارة إلى ظاهرة الرعد.
- المتناقضات الكونية ومن أبرزها الرعد فهو في حينٍ مدمرٌ وفي الوقت ذاته يحمل المطر المتسبّب في نموّ الزرع والخير.
- تأثير القرآن الكريم على الكون والطبيعة يدلّل على أثره الأبرز في النفس البشرية.
- توضيح أثر قوّة الحق وضعف الباطل وأنّ على الدعاة عدم استعجال النتائج والصبر في سبيل الدعوة.
- الشهادة الإلهية للنبي -عليه الصلاة والسلام- بالنبوة والرسالة وأنه مُرسلٌ من الله وأن مَهمته البلاغ إلى الثقليْن.
- الإشارة إلى قاعدةٍ مَهمّةٍ في الحياة وهي ضرورة التغيير وأنّها من سنن الله في خلقه.
فضل سورة الرعد
جاءت آيات هذه السورة للتدليل على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خلال المتناقضات الكونية إضافةً إلى بَدْء السورة بالحروف المقطعة الدالة على معجزة القرآن وأنّها من عند الله، ومن فضل سورة الرعد ورود أحاديث صحيحة تُشير إلى ظاهرة الرعد الطبيعية وسؤال الناس الرسول عنها كونها من الظواهر المدهشة للعقول والأبصار، ومن هؤلاء الأقوام اليهود فقد جاء في الحديث: “أقبلتْ يهودُ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقالوا: يا أبا القاسمِ نسألُك عن أشياءَ إن أجَبْتنا فيها اتَّبعناك وصدَّقناك وآمنَّا بك، قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيلُ على نفسِه قالوا: اللهُ على ما نقولُ وكيلٌ، قالوا: أخبِرْنا عن علامةِ النبيِّ، قال: تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبُه، قالوا: فأخبِرْنا كيف تُؤَنَّثُ المرأةُ وكيف تُذكَّرُ، قال: يلتقي الماء انِ فإن علا ماءُ المرأةِ ماءَ الرجلِ أُنِّثتْ وإن علا ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ أُذكِرَتْ، قالوا: صدقتَ فأخبِرْنا عن الرَّعدِ ما هو؟ قال: الرعدُ ملَكٌ من الملائكةِ مُوكَّلٌ بالسَّحابِ بيدَيه أو في يدِه مِخراقٌ من نارٍ يزجرُ به السحابَ والصوتُ الذي يُسمعُ منه زَجْرُهُ السَّحابَ إذا زجَرَه حتى ينتهيَ إلى حيث أمرَه” 3)، كما أرشد النبي أمته إلى الدعاء المستحب قوله عند سماع صوت الرعد: “عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ أنَّه كان إذا سمِعَ الرَّعدَ تركَ الحديثَ وقال: سبحان الَّذي “يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ”4) ثمَّ يقولُ: إنَّ هذا لوعيدٌ شديدٌ لأهلِ الأرضِ” 5)، وتجدرُ الإشارة إلى وجود العديد من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل سورة الرعد، لذا يجب على المسلم الاحتياط والتأكد قبل تناقل مثل تلك الأحاديث. 6) 7)
الإعجاز في آية ننقصها من أطرافها
قال تعالى: “أَوَلَم يَرَوا أَنّا نَأتِي الأَرضَ نَنقُصُها مِن أَطرافِها وَاللَّـهُ يَحكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ وَهُوَ سَريعُ الحِسابِ”8) اختلف المفسّرون في معنى كلمة ننقصها الواردة في الآية على عدة أقوالٍ منها: تناقص الأرض الكافرة بفتحها واحدةً تلو الأخرى أمام محمدٍ ورسالته، وقيل: هو تناقص البركة وعدد سكانها بالموت وتناقص الثمرات، وأيضًا: التناقص برأي الشعبي وعكرمة هو الموت، وقال ابن عباس هو موت العلماء لكن الرأي الأول هو الأولى عند أهل العلم، ومن الناحية العلمية في هذه الآية دليلٌ على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، إذ يُدلّل التناقص في أطراف الأرض بحسب العلماء على كرويتها نتيجة عوامل طبيعية وجيولوجية.
على أرجح الأقوال نزلت هذه الآية في المدينة لتحمل البِشارة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- باتساع رقعة الدولة الإسلامية وتناقص أراضي وبلدان الكفر والشرك، ولم يرد حديثٌ ثابتٌ في فضل هذه الآية على وجه التحديد.