خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ
اللسان: قوله تعالى: خُلِقَ الإِنسانُ من عَجَل؛ قال الفراء: خُلِقَ
الإِنسانُ من عَجَلٍ وعلى عَجَلٍ كأَنك قلت رُكِّبَ على العَجَلة،
بِنْيَتُه العَجَلةُ وخِلْقَتُه العَجَلةُ وعلى العَجَلة ونحو ذلك؛ .. قال
ابن جني .. الأَحسن أَن يكون تقديره خُلِقَ الإِنسان من عَجَلٍ لكثرة فعله
إِياه واعتياده له،.. قال: إِن العَجَل ههنا الطِّين، قال: ولعمري إِنه في
اللغة لكَما ذَكَر، غير أَنه في هذا الموضع لا يراد به إِلاَّ نفس
العَجَلة والسرعة، أَلا تراه عَزَّ اسْمُه كيف قال عَقيبة: سأُرِيكم آياتي
فلا تسْتَعْجِلونِ؟ فنظيره قوله تعالى: وكان الإِنسان عَجُولاً وخُلِق
الإِنسان ضعيفاً؛ لأَن العَجَل ضَرْبٌ من الضعف لِمَا يؤذن به من الضرورة
والحاجة،فهذا وجه القول فيه، وقيل: العَجَل ههنا الطين والحَمْأَة، وهو
العَجَلة أَيضاً.تفسير الجلالين: (خلق الإنسان من عجل) أي أنه لكثرة عجله
في أحواله كأنه خلق منه.الجامع لأحكام القرآن: قوله تعالى: "خلق الإنسان
من عجل" أي ركب على العجلة فخلق عجولا.
كلمة (عَجَل) هنا قد تعني العجلة والسرعة أو الطين والحمأة [القاموس:
العَجَلُ، مُحرَّكَةً: الطينُ أو الحَمْأَةُ] وقد تحتمل معنى (الماء)
بعينه [القاموس: عُجُلٌ: بئْرٌ بمكةَ].
فالآية قد تشير إلى الأمر المعروف لدينا جيداً وهو أن الإنسان خُلق من
(ماء)، ولكن لعله لو استعملت الآية كلمة (ماء) بدلاً من كلمة (عَجَل) ثم
لحق ذلك أمر (عدم الاستعجال) لربما تعسّر أو التبس الفهم. فلعل القرآن
استعمل لفظة أخرى (للماء) وهي (عَجَل) لتبرز وتتضح عبرها خاصية من أهم
خواص الماء وهي الجريان والحركة (العجلة).
ولدى العرب ألفاظ قريبة ،بمعنى الماء أو متعلّقة به:
ـ العسل حباب الماء إذا جرى (اللسان) .
ـ العَزْلاء: مَصَبُّ الماء من الراوية والقِرْبةِ في أَسفلها حيث
يُسْتَفْرَغ ما فيها من الماء؛ سُميت عَزلاء لأَنها في أَحد خُصْمَي
المَزادة لا في وَسَطها ولا هي كفَمِها الذي منه يُسْتَقى فيها، والجمع
العَزالي، بكسر اللام. وفي الحديث: وأَرْسَلَت السَّماءُ عَزالِيَها ،
كثُر مطَرُها على المثل، .. يقال للسحابة إِذا انهَمَرَتْ بالمَطر
الجَوْد: قد حَلَّت عَوالِيَها وأَرسَلتْ عَزالِيَها ؛ العَزائل: أَصله
العَزالي .. جمع العَزْلاء، وهو فَمُ المَزادة الأَسفل، فشَبَّه اتِّساعَ
المطر واندفاقَه بالذي يخرج من فم المزادة. وفي حديث عائشة: كُنَّا
نَنْبِذ لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سِقاءٍ له عَزْلاء.
والأَعْزَل: سحابٌ لا مطر فيه.(اللسان).
ـ العاقولُ: مُعْظَمُ البَحْرِ، أو مَوْجُه، ومَعْطِفُ الوادي والنَّهْرِ
( القاموس).اللسان: عاقُولُ البحر: مُعْظَمُه، وقيل: مَوْجه.
ـ ببعض لهجات الجزيرة اليوم (العُقلة) هي محضر الماء وتجمعه.وباللسان:
مَعْقُلةُ. خَبْراء بالدَّهْناء تُمْسِكُ الماء؛ حكاه الفارسي عن أَبي
زيد؛ قال الأَزهري: وقد رأَيتها وفيها حَوَايا كثيرة تُمْسِك ماء السماء
دَهْراً طويلاً، وإِنما سُمِّيت مَعْقُلة لأَنها تُمْسِك الماء كما
يَعْقِل الدواءُ البَطْنَ.
ـ وأسمت اليمن القديمة أحواض (صهاريج) الماء مآجل (مأجل) :
[ك ثوبه جنأته وخُلُفه ومأجلته ..] ،( بافقيه 16،مختارات من النقوش
اليمنية القديمة، د.محمد عبدالقادر با فقيه). [ومحولهمو يجل ]، (إرياني
71،نقوش مسندية،مطهر علي الإرياني) ، [حال: بمعنى انْصَبَّ. وحال الماءُ
على الأَرض يَحُول عليها حوْلاً وأَحَلْتُه أَنا عليها أُحِيله إِحالة أَي
صَبَبْتُه. وأَحال الماءَ من الدلو أَي صَبَّه وقَلَبها؛ (اللسان)].
ـ وفي النهاية في غريب الحديث: الماجِل: الماء الكثير المُجْتَمِع.ويقول
القاموس: الماجِلُ: كلُّ (ماءٍ) في أصْلِ جَبلٍ أو وادٍ . وفي اللسان: قال
ابن الأَثير: هي لَبَنٌ يَحْمِله الراعي من المَرْعى إِلى أَصحاب الغنم
قبل أَن تَرُوحَ عليهم.والمَأْجَلُ، بفتح الجيم: مُسْتنقَع الماء، والجمع
المآجل. ابن سيده: والمأْجَل شبه حوض واسع يُؤَجَّل أَي يجمع فيه الماء
إِذا كان قليلاً ثم ويُفَجَّر إلى المَشارات والمَزْرَعة والآبار.
وأَجَّله فيه: جمعه، وتأَجَّلَ فيه: تَجَمَّع. والأَجِيل: الشَّرَبَةُ وهو
الطين يُجْمع حول النخلة؛ أَزْديَّة، وقيل: المآجل الجِبَأَةُ التي تجتمع
فيها مياه الأَمطار من الدور؛ قال أَبو منصور: وبعضهم لا يهمز المأْجل
ويكسر الجيم فيقول الماجِل ويجعله من المَجْل، وهو الماء يجتمع من
النَّفْطة تمتليء ماءً من عَمَل أَو حَرَق. وقد تَأَجَّلَ الماء، فهو
مُتَأَجِّل: يعني اسْتَنْقَع في موضع. وماء أَجيل أَي مجتمع. والوجيل
والموجل :حفرة يستنقع فيها الماء ، يمانية. (اللسان).
ـ الحُجَيْلاء: الماء الذي لا تصيبه الشمس.(القاموس)
ـ الحَقْلة والحِقْلة؛ الكسر عن اللحياني: ما يبقى من الماء الصافي في
الحوض ولا ترى أَرضه من ورائه. وقال رؤبة: في بطنه أَحْقاله وبَشَمُه وهو
أَن يشرب الماء مع التراب فيَبْشمَ. والحِقْل والحُقال والحَقِيلة: ماء
الرُّطْب في الأَمعاء، والجمع حقائل؛ .. وذلك الماء الذي تَجْزَأُ به
النَّعَم من البُقول يقال له الحَقْل والحَقِيلة،.. وحَقْل: واد بالحجاز.
ويقال: احْقلْ لي من الشراب، وذلك من الحِقْلة والحُقْلة، وهو ما دون
مِلْءِ القَدَح. وقال أَبو عبيد: الحِقْلة الماء القليل. وقال أَبو زيد:
الحِقْلة البَقِيَّة من اللبن وليست بالقَلِيلة. (اللسان). الحِقْلَةُ،
بالكسر: ما يَبْقَى في الحَوْضِ من الماءِ الصافي، ويُثَلَّثُ، وبَقِيَّةُ
اللَّبَنِ. (القاموس).
ـ المُعَجِّل والمُتَعَجِّل: الذي يأْتي أَهله بالإِعْجالةِ.
..والعُجَالةُ، وقيل الإِعْجالةُ: أَن يُعَجِّل الراعي بلبن إِبله إِذا
صَدَرَتْ عن الماء، قال: وجمعها الإِعْجالاتُ؛وفي حديث خزيمة: ويَحْمِل
الراعي العُجالة؛ قال ابن الأَثير: هي لَبَنٌ يَحْمِله الراعي من المَرْعى
إِلى أَصحاب الغنم قبل أَن تَرُوحَ عليهم.(اللسان).
وبذلك قد يتبين لنا حكمة استعمال القرآن لكلمة (عَجَل) التي في الأصل قد
تعني الماء وهو مادة خلق الإنسان ( يكوّن الماء حوالي 60 إلى 80 في المئة
من وزن الإنسان،ويشكّل عنصرا الماء ، الأوكسجين: 65 % من وزن الجسم،
والهيدروجين: 10% )، كما تُظهر صفة مهمة وخاصية خلقية للماء وهي الجريان
والحركة والاضطراب (العجلة). وهذا المعنى الثاني لعله هو الذي تريده الآية
الكريمة لتخبرنا (لماذا الإنسان عجول وغير صبور).
ربما لا تقصد الآية أن الإنسان خُلق من (سرعة واستعجال) كمعنى أساسي ،ولكن
خُلق من ماء (الذي قد تتضمنه كلمة عَجَل) . وفي نفس الوقت، لعله عبر كلمة
(عَجَل) تخبرنا الآية أن من أهم صفات الماء هو الجريان والاضطراب وعدم
الاستقرار بسبب تكوين الماء الخلقي، وبسبب هذه الخاصية المائية التي دخلت
في تركيبة الإنسان (المخلوق من ماء) فإن الإنسان (الماء) لابد أن يجري
ويضطرب (يستعجل) كما يجري ويضطرب الماء.
وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً {11} الإسراء
فطبع الاستعجال في الإنسان والملل والجزع وعدم الصبر والاضطراب والتذبذب والسأم والسرعة كل ذلك لعله بسبب دخول الماء في خلقه.