نتواصل بصفة مستمرة مع الآخرين في حياتنا العامة، ونحتك بهم بصفة ضرورية سواءً خلال العمل أو الدراسة أو حتى في البيت وغيرها من الأماكن. هذه العلاقة – مهما كان نوعها أو صفتها – تخول لنا النظر بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تصرفات الغير أو حتى مواقفه، لتتولد بذلك مواقف النقد أو توجيه النصح، والذي إن لم يتم بطريقة سليمة، موضوعية وبنّاءة انقلب إلى صراع وهدم.
من خلال هذا الموضوع سنحاول أن نوضح أهم القواعد والنصائح لتقديم نقد موضوعي بنّاء لأيِّ شخص في أيِّ موضوع، وذلك دون أيّ تجريح أو هدم للشخص الذي أمامك.
1- حدد الهدف من النقد
إنَّ أول ما يمكنك القيام به من أجل ضمان مصداقية نقدك وموضوعيته هي تحديدك بينك وبين نفسك للهدف من توجيه النقد من الأساس، حيثُ يجب أن يكون هذا الأخير بعيدًا كلّ البعد عن الأهداف الشخصية كتفريغ غضب أو الإطاحة بالآخر، كما لا يجب أن يكون سلبيًّا كتوجيه لومٍ أو توبيخٍ دون أيّ سبب أو مكانة تخول لك فعل ذلك.
لهذا، لا بدَّ لك في البداية أن تسأل نفسك عن السبب وراء ما أنت مقدم عليه، إن وجدت الأمر منطقيًّا، ويحق لك بأيِّ وجه كان أن تقدم على عملية النقد فافعل ذلك، وإلَّا فالأصح أن تعيد حساباتك أو تترك الأمر لوقت آخر إن أنت وجدت أنَّ حالتك النفسية (غضب، قلق… ) لا تسمح بذلك.
2- “من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجر”
هو مثل متداول يلخص هذه النقطة، حيثُ أنَّه وقبل توجيه النقد يجب أن تحدد مدى إمكانيتك لفعل ذلك، فلا يمكن أن تقدّم نصيحةً أنت بدورك بحاجتها، ولا يمكن أن تقنع الشخص أمامك بفكرة أنت تحديدًا ترفضها. لهذا، وقبل أن تبدأ موضوع النقد، حاول أن تحدد موقفك السليم منه، وانقده بينك وبين نفسك، واقنع نفسك به قبل أن تتوجه للآخر.
أيضًا، وفي حال كنت تريد نقد الشخص أمامك على نقطة أنت أيضًا لا تلتزم بها، فقد يلاحظ هو الأمر ويواجهك بنقد مضاد سيزيد نقاشكما حدّة، وقد يقلب الأمور إلى صراع كلامي أو شدة أنتما في غنى عنها. وبالتالي، لا بدَّ – كما أخبرك – أن تضبط جيدًا ما أنت تنوي قوله، ولا تناقضه مع شخصيتك ومواقفك الخاصة.
3- اختر الوقت المناسب
لا بدَّ وأن تختار وقت توجيه النقد بعناية، فقد تكون الحالة العصبية مثلًا للطرف الآخر لا تسمح بأيِّ إصغاء موضوعي منه، في هذه الحالة ستلاقي ردة فعل عنيفة مهما التزم نقدك بقواعد بنّاءة. لهذا، وما دام النقد يتطلب تواجد طرفين، فلا بد لك أن تهتم بالطرف المستقبل للنقد، وتفكّر في الوقت المناسب لتوجيه نقدك بحيث لا يتمّ تجاهلك أو تعنيفك.
أيضًا، إن كان بإمكانك تحديد المكان أيضًا، فهذا أمر في غاية الأهمية، حاول أن تجد مكانًا هادئًا يسمح لكليكما بتبادل الحوار دون أيّ انشغال آخر، أو وجود أمر دخيل مزعج كالموسيقى أو ضجيج المقاهي…
ومن أهم ما يمكن النصح به هنا هو أنَّه يفضل أن
تكونا بمفردكما حتى لا يُفهم نقدك بطريقة خاطِئة، ويعتبر الشخص أمامك كإحراجٍ له أو تدخل فيما لا يعنيك.
4- توجّه إلى المستقبل
إنَّ لغة الحوار هي المحدد الأساسي لمدى سلامة نقدك وطريقة توجيهه، وإنَّ أهم النقاط التي ينصح بها هي تجنب الحديث عن الماضي والتوجه إلى المستقبل، حيثُ أنَّ فعل ذلك سيزيحك عن الوقوع في نقطة اللوم والتوبيخ التي لا تعتبر – بأيِّ شكلٍ من الأشكال – نقدًا بنّاءً. لهذا، فالأصح أن تستخدم عبارات مثل: “يفضل أن تتوقف عن فعل كذا… “، “ما رأيك أن تغيّر كذا، وتخطط مستقبلًا لفعل…”.
بهذه الطريقة ستتمكّن من توجيه الشخص أمامك نحو المستقبل، ومحاولة إلقاء نظرة على ما يفضل فعله أو تغييره. هكذا، لن يشعر بأيِّ أفكار سلبية أو حدّة فيما أنت تقوله.
5- اختر عباراتك بعناية
كما أشرنا في النقطة السابقة، فطريقة الحديث أهم ما يجب على الناقد أن يهتم به، حيثُ أنَّها الوسيلةُ التي يعتمدها لتمرير أفكاره. هنا يجب الإشارة إلى أنَّ مجموع العبارات التي توجهها للشخص أمامك لا بدَّ وأن تُمرر على شكل اقتراحات أو توجيهات وليس أوامر وإلزامات؛ حتى لا يفرّ الطرف الآخر مما تقوله، فأحيانًا قد يعارضك لمجرد أنَّ طريقة حديثك لا تروقه حتى لو كان يعلم يقينًا أنَّ فحوى كلامك سليمٌ ومنطقي.
أيضًا، لا بدَّ وألَّا يخلو حديثك من عبارات الاحترام والأدب، حيثُ أنَّها تساهم بطريقة غير مباشرة في تلطيف الجو، وخلق أجواء من النقاش المتحضر والحوار البنّاء، وتحث الشخص أمامك على الإصغاء لك بتمعن والانتباه لما تقوله.
6- ارفع من الشخص أمامك
كي يتقبل الشخص المقابل أيّ نقد موضوعي تقدمه، يجب أن تجعل معنويات الشخص أمامك مرفوعةً، ولا تطح أبدًا بما يفعله أو يقوم به، مهما كنت تجده خاطئًا فلا بدَّ له من وجهة نظر وأسباب خاصة مهما كان فهمها عسيرًا بالنسبة لك. لهذا، حاول أن تجعل مقدمة عباراتك رفعًا منه ومن مكانته، وأتبعها بتعبير واضح وصريح عن رأيك.
كأن تقول مثلًا: “أعلم أنَّك المسؤول الأساسي عن… وهي مسؤولية أُحييك عليها، فلا أحد غيرك قد يقوم بها… لكن، ما رأيك أن تغيّر طريقة عملك إلى… فقد وجدتها في مقالٍ ما، وأظن أنَّها فعّالةٌ قد تساعدك… لأنَّني أرى… ما رأيك؟”.
هكذا، يمكن أن تختم عباراتك بطلب ردة فعله، والتي لا بدَّ له ها هنا أن يقدمها لك بكلِّ موضوعية، فهو يرى أنَّك تهتم لأمره ولست هنا للإطاحة به وبمجهوده.
بالتزامك بهذه النصائح والتوجيهات، ستتمكّن بسهولة من تقديم نقد موضوعي بنّاءً وليس هدّامًا…
للامانة منقول