هناك الكثيرُ من المهن التي نحتاجها في حياتنا اليومية، ولكن مهنة الطبيب من أكثر المهن التي تتعامل مع آلية العقل والعاطفة والجسد البشري بشكلٍ يومي، ومن أكثر المهن أيضًا التي تتحمل الضغوط والمسؤوليات التي تجعلهم في بعض الأوقات يهربون من واقعهم، ويخلقون أكوانًا لنفسهم محاولين فيها الهروب من الضغط، وإعطاء مواهبهم المختلفة مساحةً لكي تظهر.
في الآونة الأخيرة وَضعت ظاهرة التفات الكثير من الأطباء إلى مجال الأدب والكتابة أقدامها على الساحة في ظاهرة يمكن تسميتها “بمتلازمة الطب والأدب”. لذلك، قمنا بجمع نماذج لأطباء لمعوا في مجال الأدب، وأكّدوا للعالم أنَّه يمكن للطبيب أن يفعل أيّ شيء، وأنَّه مهما كانت الضغوط تحاوطهم من كلِّ جانب فإنَّ الإبداع سيبقى موجودًا بداخلهم.
1- أنطون تشيخوف
صاحب مقولة “الطب زوجتي والأدب عشيقتي”
يُعدُّ أنطون تشيخوف من أشهر الأطباء الروسيين وسيد القصة القصيرة، ومن أفضل كُتَّاب القصص القصيرة على مرِّ العصور، وأحد أهم الكُتّاب المسرحيين الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. كتب المئات من القصص القصيرة التي اُعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية أضافت الكثير من التأثيرات والتطورات إلى الأدب الحديث.
على الرغم من شغفه بالمسرح وهو في عمر الثالثة عشر من عمره، إلَّا أنَّه لم يبدأ بالكتابة والتأليف إلَّا أثناء دراسته في كلية الطب بموسكو، لم تتوقف مسيرة تشيخوف في مجال الطب حتى بعد تحقيقه الكثير من الإنجازات في مجال الأدب، وحتى بعد أن أصبح من أشهر أدباء عصره، لم ينسَ الطب وكان يعالج الفقراء بدون مقابل.
لم يترك تشيخوف الكتابة حتى أصبح من أعظم أدباء عصره، وتُرجمت العديد من أعماله إلى اللغة العربية، وتحولت العديد من مسرحياته وقصصه إلى عروض مسرحية وأعمال سينمائية وتلفزيونية.
أهم أعماله :
مسرحية إيفانوف “أولى أعماله المسرحية”
مسرحية العم فانيا
مسرحية الأخوات الثلاث
مسرحية بستان الكرز
مسرحية النورس
عنبر رقم 6 “قصة قصيرة”
السيدة صاحبة الكلب “مجموعة قصص قصيرة”
الرهان “قصة قصيرة”
توفي أنطون تشيخوف مريضًا بالسل عام 1904 وهو في الـ 44 من عمره في ألمانيا، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا يخلد اسمه على مرِّ التاريخ.
2- آرثر كونان دويل
صاحب مقولة “انتبه! فالكلمات نوعان… نوع كالورود الجميلة التي تنعش الآخرين بعطرها، ونوع كالقنابل التي تنفجر في وجوه الحاضرين”.
يُعدُّ الطبيب الإسكتلندي آرثر كونان دويل أشهر من كتب في الأدب البوليسي، وبدأ في كتابة القصص الخيالية والبوليسية منذ التحق بكلية الطب في جامعة أدنبرة الإسكتلندية، وهو مبتكر شخصية (شارلوك هولمز) التي أصبحت أشهر منه هو شخصيًا فيما بعد.
كتب كونان دويل لأول مرة عن شخصيتي شيرلوك هولمز والدكتور واطسون عام 1886، وقيل أنَّه وصلت عدد القصص التي كان شيرلوك هولمز بطلًا لها 56 قصة قصيرة و4 روايات نشر آخرها نشر عام 1927، وابتكر شخصية البروفيسور شالنجز أيضًا.
لم تتوقف مسيرة آرثر كونان دويل الطبية، فقد تطوع عام 1900 كطبيب أثناء حرب البوير في جنوب أفريقيا، توفي دويل عام 1930 بالسكتة القلبية تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا من الفنتازيا وقصص الخيال العلمي، والمسرحيات، شخصية شارلوك هولمز التي عشقناها من خلال الأفلام والمسلسلات، وجسدها لنا العديد من الممثلين من حول العالم ليظل اسم شيرلوك هولمز ودكتور آرثر كونان دويل مرتبطين مع بعضهما إلى الأبد.
3- وليام سومرست موم
صاحب مقولة “لعل من عجائب الحياة أنَّك إذا رفضت كلّ ما هو دون مستوى القمة، فإنَّك دائمًا تصل إليها”.
من أشهر كُتَّاب القرن العشرين الذي لاقت أعماله شهرةً واسعةً في فترة ثلاثينات القرن العشرين، وأكثر الأدباء إنتاجًا في الفترة من 1902 إلى 1927. بدأ الكاتب الفرنسي الإنجليزي الجنسية بالكتابة عندما كان طبيبًا مقيمًا في إحدى مستشفيات لندن، ولكنَّه لم يجد في الطب شغفه وفضل الأدب والكتابة على الطب، ولكنَّه لم ينقطع تمامًا بل عاد إلى الطب عام 1914 أثناء الحرب العالمية الأولى.
استمد موم شخصيات قصصه ورواياته من الواقع، فتميزت أعماله بالواقعية وساعده على ذلك سفره الدائم بين الدول، اشتهر موم مع أول رواية له “ليزا أوف لامبث”، وقد لاقت نجاحًا كبيرًا.
أهم أعماله
القمر وستة بنسات
حد الموس
القناع الملون
الريالة
الساحر
شجرة الجازورينا
4- فردريك شيلر
صاحب مقولة “أن يؤمن الأغلبية بأنَّ شيئًا ما صحيح، ليس دليلًا على صحته”.
يُعدَّ فريدريك شيلر من مؤسسي الحركة الكلاسيكية في الأدب الألماني وجمع أيضًا بين الطب والأدب، حيثُ تخرّج من الطب عام 1759 وعمل به لمدّة قصيرة، وأحب أن يكون جنديًا في المعارك ثم تحول للأدب والكتابة.
أصدر شيلر مسرحيته الأولي “اللصوص” في عام 1777، ثم تتابع في كتابة المسرحيات، وخلال فترات كتابته كان يصارع مرضه، ولكنَّه لم يتوقف عن الإبداع والتعبير عما حوله حتى توفى عام 1805.
أهم أعماله
اللصوص (1781)
دسيسة وحب (1783)
فيسكو (1784)
دون كارلوس (1788)
فالنشتاين (ثلاثية مسرحية 1799)
ماريا ستيوارت (1800)
عذراء أورليان (1801)
توراندوت (1801)
عروس مسينا (1803)
ڤلهلم تل (1805)
5- رجاء بنت عبد الله الصانع
صاحبة مقولة “قلوب تخشى الانكسار بعد الانكسار الأول، فتبقى في خيامها حتى تأتي يدا غريب لتصلح أوتادها”.
من أشهر أطباء الأسنان في المملكة العربية السعودية، والتي تمّ اختيارها لتكون في المرتبة 37 ضمن قائمة أقوى 100 عربي تحت سنِّ الأربعين، كما حصلت على جائزة جامعة إلينوي السنوية للإنجازات العظيمة، وأدرجت ضمن القائمة الطويلة لجائزة دوبلين للأدب في عام 2009.
نشرت رجاء الصانع أول رواية لها بعنوان “بنات الرياض” عام 2005، والتي تصف بها تفاصيل الحياة اليومية للفتيات السعوديات، وأثارت جدلًا واسعًا في المجتمع السعودي، وبعد نجاح روايتها الأولى أَعْلَنَتْ توقفها عن الكتابة لإعطاء الفرصة لأبحاثها ونجاحها في مجال الطب، ولكنها عادت لتكتب روايتها الثانية التي تعمل عليها الآن.
6- هيفاء بيطار
صاحبة مقولة “لا شيء أكثر رداءةً من تسليع الثقافة والفن”.
أصدرت طبيبة العيون السورية هيفاء بيطار أولى مجموعاتها القصصية بعنوان “ورود لن تموت”، وحصلت من خلال مجموعتها القصصية “الساقطة” على جائزة أبي القاسم الشابي الأدبية عام 2002. لم تتوقف عن ممارسة مهنة الطب، ولم تتوقف أيضًا عن إنتاجها الأدبي.
7- يوسف إدريس
“مجرد سؤالنا لأنفسنا: تُرى هل نستطيع؟ مجرد السؤال بداية شك في قدرتنا وثقتنا بأنفسنا”
يُعدُّ الطبيب النفسي يوسف إدريس أحد رواد فن القصة القصيرة بالعالم العربي، لقب إدريس بأمير وملك القصة القصيرة، وحصل على عدّة جوائز وأوسمة مصرية وعربية منها وسام الجمهورية، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ووسام الجزائر، بدأ في التأثر بالأدب والكتابة، وحاول نشر أعماله في سنواته الدراسة الجامعية، ولكن لم يستطع ذلك.
أهم أعماله
أرخص الليالي
جمهورية فرحات
حادثة شرف
بيت من لحم
قاع المدينة
وهناك الكثيرُ من الروايات التي تحولت فيما بعد لأفلام سينمائية مثل: الحرام، العيب، القاهرة 30، نيويورك 80، والبيضاء، وتوفي يوسف إدريس عام 1991 عن عمر 64 عامًا تاركًا ورائه إرثًا كبيرًا من الأعمال الأدبية الروائية، والقصص القصيرة، والمسرحيات والمقالات التي نُشرت في جريدتي الأهرام وروز اليوسف.
8- أحمد خالد توفيق
صاحب مقولة “هناك عبارةٌ يقولها (ر. ل. شتاين): أريد أن أكتب على قبري “جعل الأطفال يقرأون”… أمَّا أنا فأريد أن يُكتب على قبري “جعل الشباب يقرأون”.
ارتبطت أعمال أحمد خالد توفيق دائمًا بالطب، حتى أنَّ أشهر أبطال قصصه الدكتور رفعت إسماعيل هو بطل سلسلة ما وراء الطبيعة، وأُسطورة مصاص الدماء، سلسلة فانتازيا، سلسلة سافاري، سلسلة روايات عالمية للجيب، سلسلة رجفة الخوف، وأخيرًا سلسلة WWW التي انتهت عام 2006، حتى أنَّه يُعدُّ أول كاتب عربي يشتهر في مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلمي، ولقبه الكثير من الشباب الذين ترعرعوا على كتاباته بـ”العراب”.
بجانب سلاسل الفانتازيا قام العراب بتأليف العديد من الروايات التي حققت نجاحًا كبيرًا لعل أشهرها رواية “يوتوبيا”، ثم رواية “السنجة” الصادرة عام 2012، ورواية “مثل إيكاروس” الصادرة 2015، و”رواية في ممر الفئران” الصادرة عام 2016، بالإضافة إلى العديد من المجموعات القصصية منها قوس قزح، ولست وحدك، والهول، وأكواريل.
رحل عنا الدكتور أحمد خالد توفيق في 2 إبريل عام 2018 محققًا حلمه ووصيته بترك جيل كامل من الشباب الذي جعلهم يقرأون.
بقلم : رقية سمير - أراجيك