أدنى ما يراه المؤمن بعد موته
*
عن عبد الله بن سنان (رحمه الله) وهو من أصحاب إمامنا جعفر الصادق (عليه السلام) قال :
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنِ الْحَوْضِ ؟
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هُوَ حَوْضٌ مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ ، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ ؟
فَقُلْتُ لَهُ : نَعَمْ .
فَأَخَذَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِيَدِي وَأَخْرَجَنِي إِلَى‏ ظَهْرِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى نَهَرٍ يَجْرِي مِنْ جَانِبِهِ هَذَا مَاءٌ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَمِنْ جَانِبِهِ هَذَا لَبَنٌ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ ، وَفِي وَسَطِهِ خَمْرٌ أَحْسَنُ مِنَ الْيَاقُوتِ ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْ تِلْكَ الْخَمْرِ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ . . .
فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ هَذَا وَمِنْ أَيْنَ مَجْرَاهُ ؟!؟!
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هَذِهِ الْعُيُونُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، أَنْهَارٌ فِي الْجَنَّةِ عَيْنٌ مِنْ مَاءٍ وَعَيْنٌ مِنْ لَبَنٍ وَعَيْنٌ مِنْ خَمْرٍ يَجْرِي فِي هَذَا النَّهَرِ .
وَرَأَيْتُ حَافَتَيْهِ عَلَيْهِمَا شَجَرٌ فِيهِنَّ جَوَارٍ مُعَلَّقَاتٌ بِرُءُوسِهِنَّ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُنَّ .. وَبِأَيْدِيهِنَّ آنِيَةٌ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا .. لَيْسَتْ مِنْ آنِيَةِ الدُّنْيَا .
فَدَنَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ إِحْدَاهُنَّ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهَا بِيَدِهِ لِتَسْقِيَهُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ مَالَتْ لِتَغْرِفَ مِنَ النَّهَرِ ، فَمَالَ الشَّجَرُ فَاغْتَرَفَتْ ثُمَّ نَاوَلَتْهُ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا وَأَوْمَأَ إِلَيْهَا فَمَالَتِ الشَّجَرَةُ مَعَهَا فَاغْتَرَفَتْ ، ثُمَّ نَاوَلَتْهُ فَنَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ فَمَا رَأَيْتُ شَرَاباً كَانَ أَلْيَنَ مِنْهُ وَلَا أَلَذَّ ، وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ . وَنَظَرَتْ فِي الْكَأْسِ فَإِذَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَلْوَانٍ مِنَ الشَّرَابِ . فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ وَمَا كُنْتُ أَرَى الْأَمْرَ هَكَذَا !!!
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هَذَا مِنْ أَقَلِّ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِشِيعَتِنَا ... إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تُوُفِّيَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَى هَذَا النَّهَرِ وَرَعَتْ فِي رِيَاضِهِ وَشَرِبَتْ مِنْ شَرَابِهِ . وَإِنَّ عَدُوَّنَا إِذَا تُوُفِّيَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَى وَادِي بَرَهُوتَ فَأُخْلِدَتْ فِي عَذَابِهِ وَأُطْعِمَتْ مِنْ زَقُّومِهِ وَسُقِيَتْ مِنْ حَمِيمِهِ ، فَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي .

*
المصادر :
الاختصاص : ص321.
بصائر الدرجات : ص119.
بحار الأنوار : ج25، ص382.