رسالة جعفر من عالم البرزخ الى أُمه .. لنقرأها معاً
أمي.. أمي هل تسمعينني يا أُمي؟
لماذا شاهدتك وانا في طريقي الى السماء تسقطين؟
بعدها اخبرني احد الملائكة بان امك تبكي عليك!
لا تبكين يا امي .. فعندما وصل عزرائيل رأيتهُ حنوناً جداً معي ووضع يداه على رأسي وابتسم، ثم قال لي هيا يا صغيري فإن رقية بنت الحُسين واقفة بانتظارك على باب الجنة افلا ترغب بالرحيل؟
طلبت منه ان أجلب معي الكرة التي أحبُها لكن أمر السماء لا يقبل التأخير فما كان لعزرائيل الا ان يعجل برحيلي معه ولم اصطحبها يا امي وإنك تعلمين كم أُحبها
عند وصولنا الى السماء وجدتُ جميع الملائكة بانتظاري وحملني احدهم على ظهره ليطير بي الى ما لا اعلم لكني كنتُ سعيداً جداً، فسألتهُ الى اين الرحيل؟
قال لي الى ما وعدك ربك به انها الجنة يا صغيري، وما هي الا لحظات بعدها رأيتُ نوراً يشع من وجه مجهول وهو يرتدي ثياباً بيضاء، سلب عقلي ذاك الضياء فسألته ما هذا الذي امامي!
فأجابني الملك: انها بنت الحُسين بن علي بن ابي طالب
فقلت هي رقية؟
فاجابني نعم، من اين عرفت؟ فقلتُ اخبرني عزرائيل عندما كنت في حياة الدنيا بأن رقية بنت الحُسين سوف تكون بانتظارك على باب الجنة .
ضرب جناحيه الملك ونزل بي الى باب الجنة حيث بنت الحُسين كانت في إستقبالي
عند دخولي إليها ابتسمتُ لجمالها وجمال من فيها حتى جاؤوا اولئك الاطفال من عمري يركضون ليصطحبوني معهم ونلعب سوية، لكنني رفضت إذ رغم سعادتي كُنتُ خائفاً يا امي لأنني لم ارى الى الان ابي، أبي الذي سبقني في رحيله الى هذا العالم وحزنتُ كثيراً هنا
وما بين سعادتي برؤية جمال الجنة والخوف الذي ملأ كياني لبُعدكِ عني وشعور الغربة، ما بين كل هذا الضجيج الذي يثور بداخلي سعادتي وخوفي حيرتي وقلقي وجدتُ رجلاً قد مد يده لي وطلب مني ان يحملني على كتفيه والابتسامة تشرق من وجهه فوافقت وأحسست بالامان والطمأنينة، وبينما يسير بي سألته من تكون؟ فأجابني انا والد رقية لا تخف يا صغيري فإنك بين أحضان سبط رسول ربك
يا الله انهُ الحُسين يا أمي هو الحُسين الحُسين الذي اختارني الله ان اكون بجواره في شهر رحيله
وبينما يسير بي سمعتُ صوتاً أعرفهُ جيداً كان هذا الصوت كلما يخرج اراكِ تبتسمين لكنهُ مُتعب قليلاً، ذهبت أركض أركض أركض فوجدتُ شخصاً من بعيد رافعاً يده لإحتضاني وصوته ملأ السماء وهو يصرخ يا جعفر يا جعفر يا الهي انهُ أبي يا أُمي ابي ابي ابي فاحتضنته واحتضني بقوة بقوة وبكينا
أخبرني قائلاً: جئت حتى لا تكون وحدك وهذه كُرتك يا حبيبي قد جلبتها معي وجلبتُ لك الالعاب التي تحبها يا بُني، فرحتُ كثيراً ورحتُ مُسرعاً الى اطفال جنتي أخبرهم بأن أبي قد وصل لكي لا ابقى وحدي وجلبَ معه كُرتي وألعابي خذوها فالنلعب معاً
فلا تخافي يا أُمي فأنا لم أشعر بالغربة والجميع يعاملونني بلطف وحنان وأبي قد جاء بقربي فكوني بخير ولا تحزني فقد تركتُ لكِ بقايا العابي وملابسي وعليها شيء من رائحتي فكلما إشتقتي الي إحمليها وأنظري اليها وتنفسي بتلك الرائحة ولكن لا تبكي فانا شهيد لم امت وأبي معي
عُذراً يا أمي، قد حملتيني تسعة اشهر حتى أشرقت حياتكِ بولادتي لكن قاتلي شاء أن يكون بقائي معكِ قصيراً جداً، فعليه لعنة الله
لو كُنتُ أعلم بقصر عمري هذا لما سمحتُ لنفسي بان تتحملي كُل تلك الاوجاع بسببي فألم فراق أبي ما زال يؤذيكِ حتى جاءت مصيبتي
سامحيني، لم يكن هذا حلمكِ أعلم، فحلم كل أم ان ترى إبنها يكبٌر ويكبُر ليكون لها عوناً في الحياة وكم كانت أُمنيتي كما هي أُمنيتك بان تريني ذات يوم أحمل قبعتي وأرتدي ثياب التخرج لأعوض عنكِ فقدان ابي ولترفعي راسك بي امام قبره وتخبريه إنكِ كنتِ على قدر المسؤولية وإن العبء كان ثقيلاً عليكِ
أعلم إن "اليتيم" كانت تؤلمكِ عند سماعها وهم ينظرون لنا نظرة عطف، فأنا واخوتي ما زلنا صغاراً
اعلم ان موتي لم يكُن عادياً أبداً واقشعرت لهُ الابدان لكن لا بأس، الكفن كان اقرب لي بكثير من حياة الطفولة والمدرسة وقبعة التخرج والزواج، لم اتمنى ذلك حقاً ولكن هذا قدري، خذي من الحوراء زينب صبركِ ولعل العظيم يجعلكِ بعد مماتك بجواري وأطمئني فقد منحوني هنا لقب "ملاك السماء" واحببتُ هذا الاسم كثيراً يا أمي
أمي أحبكِ جداً، صغيركِ جعفر