كذب المنجّمون ولو صدقوا۔۔۔ الأحلام رؤى أم حقيقة!
من المتعارف عليه، أنه ما أن يأوي الإنسان إلى فراشه ويغمض عينيه ويسيطر عليه النوم، حتى يجد نفسه في عالم آخر يختلف تماماً عن عالم اليقظة من حيث المقاييس والحدود والأوصاف۔
البعض من الأطباء النفسيين فسّر الأحلام أنها من عالم البرزخ، والبعض الآخر قال أنها من عالم الواقع الذي يعيشه الحالم، كلٌ حسب حالته النفسية والاجتماعية، حيث تبقى في عقله الباطن وتؤثر عليه أثناء نومه، فتارة يجد نفسه يحل المشكلة التي يعانيها، وطورا إن كان يعتقد أنه مظلوما في أمر ما، قد اخذ حقه في حلمه واستطاع أن يقتصّ ممن كان السبب في ظلمه، لهذا كثيرا ما تكون الأحلام مرآة تعكس الواقع الذي يعيشه في الحياة الحقيقية۔
أحلام الماضي ورؤى المستقبل!!
النائم غالباً ما يجول في عالم الأحلام والرؤى فيشاهد الماضي والحاضر والمستقبل، وإذا به أحيانا يرجع إلى صباه، وتارة يرى نفسه شيخاً طاعناً في السن، وقد يدخل في حرب مدمِّرة مع عدو واقعي أو افتراضي، أو يرى نفسه وهو يعالج سكرات الموت، أو يرى أن لديه ثروة عظيمة ومكانة مرموقة ينعم بكل خير ويعيش بين الورود والرياحين، أو يرى بعض الأحباء الذين يشتاق إليهم من الأحياء، أو الأموات، إلى غير ذلك من المشاهدات العجيبة التي يرتاح الإنسان لرؤية بعضها ويتمنى لو أنها طالت واستمرت من دون انقطاع، كما أنه ينزعج أحياناً من مشاهدة الكثير من الأحلام المهولة والمفزعة والتي من الممكن أن تؤرق نومه وتجعله يستيقظ مذعوراً۔
أحياناً كثيرة بعد أن يستيقظ الانسان من نومه وينقطع شريط الأحلام التي كان يراها، يسأل نفسه عن حقيقة هذه المشاهدات ومدى انطباقها على الواقع الذي يعيشه، فيحب أن يعرف هل لهذه المشاهدات من تأثيرات سلبية او ايجابية على معيشته وحياته أم أنها مجرد حلم تمنى لو أنه كان فعلا واقع يعيشه۔
لا زالت الى الآن وباعتراف الكثير من العلماء ذوي الاختصاص يجهلون حقيقة الرؤى والأحلام، لذا فإنك ترى ان نظراتهم العلمية مختلفة في تفسير مشاهدات الانسان أثناء نومه۔
ومن أهم المفسرين للأحلام، ابن سيرين، وهو الامام محمد بن سيرين، عاش في القرن الثامن الميلادي وألّف أول كتاب له باللغة العربية سماه "تعبير الرؤيا" ظلّ حجّة في مجال تفسير الأحلام .
وأيضا هناك العالم سيغموند فرويد، وهو عالم نمساوي شهير ولد في 6-5 -1856 بمدينة فرايبورغ موارفيا، وفي عام 1900 أصدر كتابه "تفسير الأحلام" إلا أنه سلك فيه مسلكا غريباً وشاذاً يهدم الاخلاق والفضائل... حيث نظر للاحلام على انها غرائز جنسية مكبوتة... ولا غرو في ذلك، فتلك سياسة اليهود، وهو أحدهم!! ومن أقواله: "إن الأحلام تلجأ إلى الرموز لتخفي الأغراض التي يحظّرها المجتمع"۔
و كان بعض المنجمين والمتنبؤن بالأمس يقولون: "أخبرنا بأحلامك نخبرك بمستقبلك"، واليوم يقول أطباء النفس: "أخبرنا بأحلامك نشخِّص مشكلاتك"۔
كذب المنجمون ولو صدقوا!
من منّا لا يستأنس في الكثير من الأحيان بسماع أقوال منجم وما سيحصل معه مستقبلا، من منّا لا تستهويه أحيانا سماع بصّارة تقرأ له "الطالع" في فنجان قهوة۔
ومن هنا نجد أن البعض من المنجّمين والمبصّرين، يستغلّون الكثير من الناس الذين يريدون تفسير الحلم الذي رأوه أثناء نومهم، ولطالما أراد الكثير من الأشخاص والذين يحبون هذه الحالات ويستهوونها ويريدون معرفة المستقبل، تراهم يلجأون الى هؤلاء المنجمين والمبصرين لكشف المستور والمستقبل والماضي ولو بفنجان قهوة، وخاصة النساء في مجتمعنا العربي، حيث يجتمعون حول فنجان قهوة وتبدأ إحداهن بالتبصير بالفنجان ورؤية المستقبل، والغريب في الأمر أن الكثير من النساء وبعض الرجال احيانا، يصدقون هذه الرؤية من خلال قليل من البن وخطوط ترسم بعد شرب القهوة، وتبدأ "البصّارة" بقراءة هذه الخطوط وتفسيرها ليصدقها المستمع ويطابق ما يسمعه على ما مرّ به أو سيمرّ به۔
بعض الاحيان تكون بعض القراءات مطابقة، ويعتقد المستمع أن ما يقوله له المنجم او قارئ الفنجان عارف بالماضي والحاضر، مع العلم أن المستقبل لا يقرأ إلا من خلال عمل الانسان وحقيقته، ولهذا يقال "كذب المنجّمون ولو صدقوا"۔
الأبراج وعلم الفلك
لعقود من الزمن أُخذ التنجيم أو ما يسمى "الأبراج"، على محمل الجد، وأثّر ذلك على سلوك وشخصيات البشر من مختلف الحضارات والديانات حول الأرض، وما زالت الى يومنا هذا تُصرف الملايين من الدولارات على برامج التنجيم والتنبوء بالغيب وتحليل الشخصية ومعرفة المستقبل من خلال الأبراج، لكن ما حقيقة هذه التوقعات علمياً، وهل هي واقعية فعلاً وتتنبأ بمستقبل الفرد؟
كثيرا ما ترتبط حركة الفرد ببرجه، والكثير من الناس يتأثرون بشكل كبير بيومات قراءة برجهم، ومن المعلوم أن علم الفلك هو عالم خاص وموجود ويتأثر به الناس بشكل عام، ووحدها كتب التنجيم تمد البعض بالأمل، وذلك استناداً إلى حركة الكواكب والنجوم. وعلى الرغم من تأكّدنا من مقولة "كذب المنجمون ولو صدقوا"، تبقى مجموعة ممّن يسمّون أنفسهم بعلماء الفلك، وتباريهم في إنتاج الكتب الخاصة بالتوقعات والأبراج، لهدف تجاري، هي الميزة التي تجمعهم بالقراء والمتابعين.
وتشمل بعض التطورات الغربية الحديثة الزودياك الفلكي والاستوائي، والكوزموبيولوجي، والتنجيم النفسي، وتنجيم العلامات الشمسية، والتنجيم اليوراني، كما درجت هذه العادة في لبنان، الذي يعتبر البلد العربي الأول الذي يعاني من تخمة الإصدارات الخاصة بالأبراج التي يقول كتّابها إنّها تستند إلى علم الفلك، ومنها يأتون بتوقعاتهم السنوية على كافة الأصعدة السياسية والفنية والاجتماعية.
وقد انتشرت في الآونة الاخيرة في لبنان، ظاهرة المنجمين، وفك السحر والمربوط وانتشارهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أنهم يضعون الاعلانات في الصحف والمجلات والتلفزيونات، على أنهم يعرفون الماضي ويكشوف المستقبل والمستور، ويزوجون الشباب والفتيات ويقربون الرزق ويكشفون عن الكنوز المدفونة، حسب قولهم، وقد امتهنها الكثير من الدجالين كمهنة، مقابل المال والنصب والاحتيال على الناس، مع العلم أن كل الديانات السماوية رفضت السحر السحرة خاصة في عالمنا هذا۔
ولا يخفى القول، أن علم الفك، هو علم بحد ذاته، يدّرس في الجامعات العالمية، لكنه علم فلكي خاص بالكواكب وحركتها المدارية والشمسية والقمرية وحركة النجوم ودوران الكواكب حول الشمس، والأجرام السماوية بالتجربة والمشاهدة فهو مطلوب بل ويعده العلماء فرض كفاية على الأمة، لكن على أن يكون علم خالص فقط وليس على قاعدة استغلاله للمصالح الشخصية والمادية۔
أما من ناحية القناعة الشخصية، فإنه من الصعب أن يربط إنسان مصيره بتنجيم او تبصير او قراءة فنجان قهوة او قراءة كف وحتى بقراءة برجه اليومي، فان من خلق الكون والانسان هو أدرى بعباده وبحياته ومستقبله، ولو عرف الانسان موعد موته مثلا، لقضى حياته في النحيب ولما عمل وبنى واشتغل لتأمين حياته وحياة عائلته ولما كان هذا الكون ليَعمَر۔