من رواية الرابط المقدس
توفيق الحكيم
صديقتي ..
أجلس هذا المساء في شرفتي لأن البدر الليلة من التمام وفي السماء
بعض غمام يوهمنا في سيرة أن القمر هو الذي يسير ..
ما لهذا القرص من النور يركض هكذا في الفضاء ! ترينه على موعد مع حبيب !
إن القاهرة الساعة هادئة نائمة ، أشرف عليها من مكتبي القصي ، بيوتها متساندة ..
متعانقة في حضن " المقطم " كأنها فراخ طير في وكر أمها ، بعض قد أغلق عينيه أو نوافذه
واستسلم للنعاس والبعض ساهر قد فتحتها تلمع مضيئة في ظلام الليل ..
ترى وماذا أنت الساعة تصنعين .؟
صديقتي .. لا أنتهي من تعنيف نفسي على مسلكي معك ..
كيف عميت ..؟ فلم أرى في مجرد مجيئك مغزى رائعاً !
إن الرغبة في الدنو من رجل يعيش مع الكتب هي في ذاتها فكرة جديرة بامرأة رقيقة ..
ليس من السهل دائماً على كل امرأة أن تأنس إلى رجل يعيش كما أعيش ..
ومن عجب أنه لم يبد عليك لحظة واحدة أنك ضقت ذرعاً بي ..
بل أنا الذي كان خالياً من الرزانة والتؤدة ..
بعجل يقطع تلك الصلة الجميلة التي لم يكن بها خليقاً ...
وها أنا ذا قد حرمت نفسي - كما ترين – ذلك الحسن الوحيد
الذي كان له الشجاعة أن ينفذ إلى حجرتي المغبرة بتراب المجلدات ..
ها أنا ذا .. قد أغلقت بنفسي نافذة حياتي عن شعاعك ..
فلو دريت أي خلال أحيا فيه الآن .. !
تصوري القمر .. قد انفصل عن الأرض فجأة في يوم من الأيام
وسبح في الفضاء حتى وجد كوكب آخر جذبه إليه وتركنا إلى الأبد بدون نوره ؟..
كيف تكون الحياة على سطح أرضنا .. ؟
إن استطعنا أن نحيا بعد ذلك ، ثقي أنها ستكون حياة بلا جمال ولا حتى شعر ..
وما قيمتها إذن مثل هذه الحياة !
أدركت الآن ... ما ذا خسرت بفقدك ..