من كتاب: الكتابة ضد الكتابة
عبدالله الغذامي
الكتابة عمل تحريضي، يحرض الذات ضد الآخر، وهي في الوقت ذاته تحريض للآخر ضد الذات. ولشيء صحيح قال العرب (من ألف فقد استهدف). إنها الكتابة الهدف والمنطلق: منها وإليها. وليست الذات ولا الآخر إلا نصالا تتكسر على نصال، والمنتصر الوحيد هو الكتابة، فهي كالباقي بعد أن يفنى الكاتب الفاعل، ويتغير القارئ المنفعل.
والكتابة عمل مضادّ من خلال مسعاها إلى تجاوز كل الآخرين ومحاولة نفيهم، بواسطة اختلافها عنهم وتميزها عما لديهم. كما أنها عمل يتضاد مع الذات الكاتبة من حيث إن الكتابة -كإبداع- هي ادّعاء كونيّ يفوق الذات الفاعلة ويتمدد فوقها متجاوزاً إياها وكاسراً ظروفها وحدودها. ويكون النصّ من فرد عادي إلى نموذج ثقافيّ يستم بصفات وجودية وصور ذهنية وهيئات تخيلية تتجدد فيه وتتولد له مع تقلب حيوات النصّ. ولسوف يدّعي الكاتب لذاته هذه ما يشاء، والنص كفيل بعرض الصورة المضادة للواقع وللظرف وتخليدها.
كما أن الكتابة تتضاد مع الذات من خلال كونها عملاً انتقائياً يصطفي من الفعل والذاكرة ، أي من الذات، أجمل ما فيها أو أقبحُ ما فيها المهم أن ينتقي منها أشياء، وهو انتقاء لا يتم إلا بإلغاء أشياء أخرى. وربما تكون الملغاة أهم من المصطفى أو أدل منه على الذات. ولكن لماذا تدل على الذات نفسها، أو لماذا نفترض ونتصور فعلاً أن الذات من الممكن أن تكشف نفسها أو تدل عليها؟
إن الذات وهي تكتب إنما تفعل ذلك لكي تدل على كل ما هو مفقود منها، وبذا فهي لا تدل إلا على ما هو سواها وما هو غيرها، وكأنما الذات هنا تنفي نفسها من خلال الكتابة مثلما أنها تنفي الآخر بتجاوزها له، وفي كلتا الحالتين فإن الكتابة تقدم الاختلاف وتعرض الضدّ: الذات المختلفة في النص المختلف. ومن هنا ينشأ العمل المضادّ بما هو اختلاف عن الأصل وعن الشبيه، فالمؤلف ليس هو الشخص ذاته، والنص كتابه جديدة لا تشبه ما عداها، ولذا في الضدّ.
ومن هنا يكون الدخول للنص هو مسعى لقلب السحر على الساحر لأنه كشف للمخبوء وتعتيم للمكشوف. وهذه هي إشكالبية النقد الحديث الذي لا يكشف فقط ولكنه يغطي أيضاً