نشأة الإمام الحفني
وُلِد الشيخ محمد الحفني عام (1101هـ=1690م) بقرية حفنا إحدى قرى مركز بلبيس بمحافظة الشرقيَّة بمصر، وانتسب الشيخ إلى تلك القرية التي وُلِد ونشأ بها، قال الجبرتي: "والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي، وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يُذْكَر إلَّا بها". وقد حفظ من القرآن الكريم حتى سورة الشعراء، وكان القائم بتحفيظه للقرآن هو الشيخ عبد الرءوف البشبيشي، الذي أشار على والده أن يُرسله إلى القاهرة ليلتحق بالجامع الأزهر كي يتمَّ دراسته، واقتنع أبوه بذلك، وأرسله إلى الأزهر وهو في سنِّ الرابعة عشرة.
الحياة العلمية والثقافية
حضر محمد الحفني إلى القاهرة، ودرس بالمدرسة السينائيَّة بالورَّاقين، ثم بالمدرسة الطيبرسيَّة بالجامع الأزهر، ثم التحق به فأتمَّ فيه حفظ القرآن الكريم، ثم اشتغل بحفظ المتون، وأقبل على تحصيل وحفظ دروسه واجتهد في ذلك، وأفاد من شيوخه، وتبحَّر في النحو، والفقه، والمنطق، والحديث، والأصول، وعلم الكلام، وبرع في العروض، وظهرت مواهبه الشعريَّة بالفصحى والعامِّيَّة، كما برع في كتابة النثر طبقًا لأسلوب عصره، ومهر في العلم، وحاز على ثقة شيوخه، فمنحوه إجازةً بالإفتاء والتدريس، فدرَّس بمدرسة السنانيَّة والورَّاقين، ثم بالمدرسة الطيبرسيَّة، فحفظ ألفيَّة ابن مالك في النحو، والسلم في المنطق، والجوهرة في التوحيد، والرحبية في الفرائض، ومتن أبي شجاع في فقه الشافعية، وغير ذلك من المتون.
شيوخ الإمام الحفني
وقد تتلمذ على يد العديد من كبار العلماء، ومنهم: محمد بن عبد الله السلجماسي، وعيد بن على النمرسي، ومصطفى بن أحمد العزيزي، ومحمد بن إبراهيم الزبادي الملقب بعبد العزيز، وعلى بن مصطفى السويسي الحنفي الضرير، والجمال عبد الله الشبراوي، والشهابين أحمد الملوي وأحمد الجوهري، وبرع في النحو والفقه والمنطق والحديث والأصول وعلم الكلام وكذلك العروض، فحاز على ثقة شيوخه، فمنحوه إجازة بالإفتاء والتدريس، وكان ممَّن منحه الإجازة في العلم: الشيخ محمد البديري الدمياطي، كما أخذ الطريقة الخلوتيَّة عن الشيخ مصطفى بن كمال الدين البكري في بيت المقدس (1149هـ= 1736م)، وتربَّى على يديه، وكان له الفضل في نشر تعاليم تلك الطريقة، وقد أخذ عهد الطريقة بعد سنِّ الثلاثين.
كان رحمه الله مصدر جاذبيَّةٍ عظمى في عدَّة زوايا من شخصيَّته؛ فكان حسن السَّمت أنيقًا، وفي حديثه بارعًا مالكًا لزمام التوجيه، وكان على علمٍ غزيرٍ في العلوم الشرعيَّة والعربيَّة والعقليَّة فهو محدِّثٌ مع المحدِّثين، ومنطقيٌّ مع علماء المنطق، وفقيهٌ مع الفقهاء! وهو إمامٌ على كلِّ حالٍ في العلوم التي تتَّصل بالدراسة في الأزهر.
وظائف تولاها الشيخ الحفني
- تولَّى الإفتاء والتدريس بالجامع الأزهر.
- تولَّى مشيخة الجامع الأزهر الشريف عام (1171هـ= 1757م).
- كان عضوًا في ديوان الحكومة.
حياة الإمام الحفني الاجتماعية والسياسية
كانت الجاذبيَّة الكبرى في الشيخ الحفني تتمثَّل في أنَّه شخصيَّةٌ تتَّجه بكلِّ ما تستطيع إلى الله؛ لم تفتنه الدنيا وقد كانت عند قدميه، ولم يفتنه المنصب وقد احتلَّ رأس المناصب الدينيَّة، عاش كريمًا وسَّع على الناس فقد كان أجود عصره، يتحدَّث عنه الإمام الدردير فيرسم له هذه الصورة المشرقة: "الإمام المهيب الذي كانت الملوك تخضع لهيبته، السخيُّ الذي شهدت الأعداء بهيبته وسخائه بحيث يقرُّ كلُّ إنسانٍ بأنَّ الملوك لا قدرة لهم على أن يجودوا كما يجود! حسن الخلق الذي كان كلُّ من جالسه لا يشبع، الجميل الذي كان وجهه كالشمس في رابعة النهار، حتى كل من رآه ذكر الله العزيز الغفَّار، الذي كان العامَّة والخاصَّة يتبرَّكون برؤيته، ويتسارعون لتقبيل راحته، الجامع بين تحقيق العلوم الظاهريَّة والأسرار الإلهيَّة".
وهكذا يتَّضح أنَّ الشيخ ابتعد عن مجالسة الولاة والأمراء ومحاباتهم، ولكن بحكم عضويَّته في ديوان الحكومة فقد كان قويًّا في قول الحق، ويعمل ما في وُسْعه للدِّفاع عن مصالح الشعب المصري، وقال عنه راغب باشا -أحد ولاة مصر-: إنَّ الشيخ الحفني سقفٌ على أهل مصر يمنع عنهم نزول البلاء. كما قال عنه الجبرتي: "إنَّه كان قطب رحى الديار المصريَّة لا يتمُّ أمرٌ من أمور الدولة إلا باطِّلاعه ومشورته". وكان لا يتردَّد في إبداء نصحه صريحًا قويًّا وإن كره أهل الحكم رأيه وصراحته، وعندما كان عضوًا في ديوان الحكومة لم يكن يتردَّد أثناء مناقشاته في الديوان أن يُهدِّد باسم الشعب، ويُعارض ما يراه ظلمًا على الشعب المصري.
عاش الشيخ الحفني حياته عالمـًا قرآنيًّا محمديًّا، لم يكن عنده شهوة الحكم أو المنصب على الرغم من المناصب التي تولَّاها، عزيز النفس يخجل من القدوم أو الوقوف على أبواب الأمراء أو الولاة، فهابته الدنيا كلُّها، حدثت له ضائقةٌ ماليَّةٌ حتى إنَّه عزم على أن يعمل ناسخًا للكتب ويستفيد من نسخها علمًا ومن بيعها مالًا، وكان هذا بالنسبة إليه خيرٌ من أن يتقبَّل عطايا الولاة والأمراء؛ ففي هذه الأيَّام وهو في بعض دروسه جاءه رجلٌ وانتظر حتى فرغ من درسه ثم قال له: "يا سيدي أُريد أن أُكلِّمك كلمتين"، وأشار إلى مكانٍ قريبٍ فسار معه حتى انتهيا إلى المدرسة العينيَّة، ثم أخرج له سرَّةً من الدراهم وقال له: يا سيِّدي فلانٌ يُسلِّم عليك وقد بعث لك بهذه الدراهم ويُريد أن تحظى بها، فأعطاها إيَّاها ثم تركه وانصرف.
أمَّا عن أهمِّ الشهادات التي حصل عليها الشيخ فهي:
- إجازة بالإفتاء والتدريس من الشيخ محمد البديري الدمياطي بالجامع الأزهر.
- إجازة من الشيخ أحمد الشاذلي المغربي بنشر الطريقة الخلوتيَّة.
أهم إنجازات الإمام الحفني
كانت حياة الشيخ طويلةً حافلةً بالإنجازات والعطاء، ويكفيه أنَّه تولَّى مشيخة الجامع الأزهر بعد الشيخ الشبراوي عام (1171هـ= 1757م).
بالإضافة إلى ذلك فقد ترك الإمام الحفني مجموعةً كبيرةً من المصنَّفات العلميَّة والأدبيَّة التي استفاد منها أجيال عديدة من طلبة العلم.
قالوا عن الإمام الحفني
- قال الجبرتي: "الشيخ الإمام العلَّامة الهمام، أوحد أهل زمانه علمًا وعملًا، ومن أدرك ما لم تُدركه الأول، المشهـود لـه بالكمـال والتحقيـق، والمـُجْمَـع علـى تقدُّمه في كلِّ فريق شمس الملَّة والدين محمد بن سالم الحفناوي الشافعي الخلوتي".
- وتسابق العلماء في عصره إلى استجازته وإلى الكتابة عنه؛ فقد ألَّف العلامة الشيخ حسن المكي -المعروف بشمة- كتابًا في نسبه ومناقبه، كما ألَّف الشيخ محمد الدمنهوري -المعروف بالهلباوي- كتابًا في مناقب الشيخ ومدائحه.
- مدحه الشاعر شمس الدين الحفني بقصيدةٍ مسهبةٍ قال فيها:
الْعَالِمُ الَّلَسِنُ الَّذِي أَوْصَافُهُ *** بِعَبِيرِهَا تُغْنِي عَنِ الرَّوْضِ النَّدِي
وَمَنِ ارْتَدَى بُرُدَ الْمَحَامِدِ يَافِعًا *** وَتَلَفَّعَ الْحُسْنَى بِأَزْكَى مُحْتَدِ
وَسَمَا عَلَى الْأَعْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْهُدَى *** بِمَآثِرٍ غُرٍّ وَحُسْنِ تَوَدُّدِ
- قال المرادي:" الشيخ العالم المحقِّق المدقِّق العارف بالله تعالى قطب وقته".
مؤلفات الشيخ الحفني
- التقريرات على شرح حكم العطائيَّة.
- حاشية على شرح الأشموني على ألفيَّة ابن مالك في النحو.
- حاشية على شرح رسالة الوضع.
- حاشية على شرح التلخيص في الفرائض.
- حاشية على شرح الرحبيَّة للشنشوري.
- رسالة تتعلَّق ببطلان المسألة الملفقَّة وبطلان العقد الأوَّل بعد وقوع الطلاق الثلاث بقصد إسقاط المحلل.
- أنفس نفائس الدُّرر على شرح الهمزيَّة لابن حجر.
- الثمرة البهيَّة في أسماء الصحابة البدريَّة.
- رسالة في فضل التسبيح والتحميد في الفضائل والآداب.
- رسالة في التقليد في فروع أصول الفقه.
- درر التنوير برؤيَّة البشير النذير.
- ثبت الحفناوى في الحديث.
- مختصر شرح منظومة المنيني في مصطلح الحديث.
موقع ذاكرة الأزهر