جلستُ وحدي ارشف شايي الساخن ببطء..متناسيةً كل الساعات التي تجري عقاربها كأنها في سباقٍ من حولي ...ملتُ برأسي للوراء واغمضتُ عينيَّ في محاولةٍ يائسة ..للتخلص من قيود الجاذبية التي تشدني الى مقعدي المريح...
وتذكرتُ رغماً عني سطري غادة السمان اللذين رافقاني سنواتٍ طويلة وكأنهما تعويذة سحرية تتلفعُ بها كل العلاقات البشرية (لم يعد الفراق مخيفاً..يومَ صار اللقاءُ موجِعاً هكذا)...رددتهما بهمسٍ بطيء..متلذذةً بعبقريتهما اكثر مما اتلذذ بطعم الشاي المهيّل الذي كنتُ ارتشفه...ومرت كل الوجوه التي لأجلها حفظتهما عن ظهر قلب امام عيني خيالي...وتبسمت ...ببساطة وبدون الم ولا ندم ...فأنا ادركتُ في نهاية المطاف انها سنة الصداقة والحب والعمل واشياء اخرى قد لا نجيد تعريفها ...يصير البشر محض محطات في مسيرتنا ...لابد ان نغادرها مهما حرصنا ...وكأن الناس لا يجيدون فن ائتلاف الارواح الى ما لانهاية ...
قلبتُ جيدا ً في وجوههم ...فلم اشعر بشيءٍ ابداً..لا حبا ولا حزنا ولا شوق...
وشعرتُ بنشوةِ انتصارٍ على آلام ٍربما كانت لتكون من نصيبي لو انني تلمستُ في داخلي اي ضربٍ من تلكم المشاعر ...
(لم يعد الفراق مخيفا..يوم صار اللقاءُ موجعا هكذا)...
فتحتُ عيني ونظرتُ الى فنجاني الذي اوشك ان يصير فارغا ً..
ثم ادرتُ عيني نحو ساعة الجدار المتكتكة باستمرار...في اعلانِ انتهاء نوبة الاتحاد الممتع بالذات ..
وراجعتُ في ذاكرتي ما علي القيام به ...ثمّ نهضت.