انتظرنا بفارغ الصبر انقضاء شهر سبتمبر لنرى ما بجعبة جوائز نوبل لهذا العام، وها نحن ذا أمام إعلان جائزة نوبل في الطب والفسيولوجيا 2018، والتي كانت من نصيب اكتشاف “مبدأ جديد تمامًا لعلاج السرطان”، كما وصفته لجنة نوبل في معهد كارولينسكا.
لقد استحق كلّ من (جيمس بي أوليسون) من الولايات المتحدة و(تاسوكو هونجو) من اليابان الجائزة بجدارة لنجاحهما في تحرير أو إطلاق قدرة الجهاز المناعي على مهاجمة الخلايا السرطانية من خلال فك المكابح عن الخلايا المناعية (T-Cells)، وهكذا جاءت نوبل للطب 2018 بمثابة تتويج للانتصار في حربنا ضد السرطان.
لكن كيف ؟
في التسعينات، تمكن أوليسون وهونجو – اللذان عملا بشكلٍ منفصل – من إظهار كيفية عمل بعض البروتينات كفرامل لتثبيط خلايا T المناعية، مما يحد من قدرتها على مهاجمة الخلايا السرطانية، وبالتالي فإنَّ كبح تلك البروتينات من شأنه تحرير وتحفيز قدرة الجسم على مكافحة السرطان، ومن ثم أظهرا كيف يمكن استخدام استراتيجيات مختلفة لتثبيط المكابح على الجهاز المناعي في علاج السرطان.
حسنًا، لإيضاح أهمية ما قام به الفائزون يمكننا القول بأنَّه قبل ظهور هذا الاكتشاف، كان علاج السرطان محصورًا ما بين الجراحة والإشعاع والعلاج الكيماوي، أمَّا الآن فقد أدى عملهم إلى الحصول على فئة رابعة من العلاج بتسخير نظام المناعة!
بشكلٍ أكثر تفصيلًا
فقد درس أوليسون في بادئ الأمر بروتينًا معروفًا يُسمى (CTLA-4)، ولاحظ كعديد من العلماء أنَّه يعمل كفرامل كابحة على جهاز المناعة (تحديدًا الخلايا التائية)، وفي حين استغلت فرق بحثية الأمر في علاج أمراض مناعية أُخرى، إلَّا أنَّ أوليسون أدرك إمكانية إطلاق الفرامل وبالتالي تحرير خلايا المناعة (T-Cells) لدينا لمهاجمة الأورام السرطانية، فحاول تطبيق هذا المفهوم وتحويله إلى منهج جديد لعلاج المرضى، وقام فعليًا بتطوير جسم مضاد يمكنه الارتباط بالبروتين (CTLA-4) وحجب وظيفته، ومن ثم بدأ بالتحقق ما إذا كان حصار هذا البروتين CTLA-4 يمكن أن يوقف كبح الخلايا التائية، ويطلق العنان لنظام المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية. لذا، أجرى أوليسون وزملاؤه تجربةً أوليةً بنهاية 1994، وقد كانت النتائجُ مذهلةً، حيثُ تمّ علاج الفئران المصابة بالفعل.
على الرغم من أنَّ أوليسون لم يلقَ الاهتمام الذي يستحقه، إلَّا أنَّه واصل جهوده المكثفة لتطوير الاستراتيجية في علاج للبشر، وسرعان ما ظهرت نتائج واعدة، وفي 2010 أظهرت دراسة سريرية مهمة آثارًا مذهلةً في المرضى المصابين بالورم الميلانيني المتقدم (نوع من سرطان الجلد)؛ إذ اختفى السرطان تمامًا في عدّة مرضى.
#مثل هذه النتائج الرائعة لم يسبق رؤيتها من قبل في هذه المجموعة من المرضى.
في 1992 قبل اكتشاف أوليسون، كان هونجو قد عمل في نفس الطريق حتى قام باكتشاف بروتين آخر في الخلايا المناعية، ألا وهو (PD-1)، وبعد تتبع دقيق لوظائفه عرف في النهاية أنَّه يعمل أيضًا كمكبح، ولكن باستخدام آلية مختلفة. في 2012 وبعد تأكيد فعّالية العلاجات القائمة على اكتشافه في مكافحة أنواع مختلفة من السرطان بشكلٍ لافت للنظر، تمَّ تقليص وعلاج العديد من الحالات المصابة بسرطان النقيلي، وهي حالة كانت تُعتبر غير قابلة للعلاج قبل ذلك.
وأخيرًا،
لأكثر من 100عام حاول العلماء إشراك جهاز المناعة وتسخيره في مكافحة السرطان، وطالما كان التقدم السريري متواضعًا. إلى أن جاءت اكتشافات أوليسون وهونجو الحاسمة لتحدث ثورةً في علاج أكبر التحديات الصحية لعصرنا (مرض السرطان)، وتغيّر بشكلٍ أساسي الطريقة التي نتعامل بها معه، وكيفية السيطرة عليه.
من أوليسون وهونجو ؟
جيمس بي أوليسون البالغ من العمر 70 عامًا، هو رئيس قسم المناعة بجامعة تكساس مركز أندرسون للسرطان، إلَّا أنَّه قام بالأبحاث الحاصلة على جائزة نوبل أثناء عمله في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان بنيويورك، أمَّا تاسوكو هونجو البالغ من العمر 76 عامًا، فهو أستاذ جامعي قديم بجامعة كيوتو، حيثُ قام فيها بأبحاثه الحاصلة على جائزة نوبل، كما أنَّه كان قد أجرى في السابق أبحاثًا بجامعة أوساكا، وجامعة طوكيو والمعاهد الوطنية للصحة في واشنطن.
سارة محمد - أراجيك