من الحادية عشر صباحًا، ونحن نحبس أنفاسنا ونحصي الدقائق بل الثواني التي تفصلنا عن إعلان جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2018، وها هي ذا تفاجِئنا مجددًا بعد سنوات من الغياب النسائي بثلاثة أسماء لامعة ضمنهما سيدة؛ وتتويجهم لابتكاراتهم الرائدة، ووضع حجر الأساس للاختراعات المعتمدة على فيزياء الليزر.
حيثُ حصل آرثر آشكين على نصف الجائزة عن “الملاقيط البصرية وتطبيقها على النظم البيولوجية”، بينما تشارك كلّ من جيرار مورو ودونا ستريكلاند النصف الآخر عن ابتكار “طريقة توليد نبضات بصرية عالية الكثافة بالغة القصر” لتمثل بذلك ستريكلاند أول ظهور لسيدة على ساحة نوبل منذ ما يتجاوز نصف قرن!
“إنَّه لمن الصادم معرفة أنَّها ليست سوى ثالث امرأة تفوز بجائزة نوبل في الفيزياء! وهي أيضًا أول امرأة تحقق الفوز منذ 55 عامًا” الفيزيائي والإذاعي جيم الخليلي
ما المميز بنوبل الفيزياء 2018 ؟
في الواقع فوز ستريكلاند لم يكن الشيء الأكثر إثارةً في نوبل الفيزياء 2018، فجدير بالذكر أنَّ آشكين يبلغ من العمر 96 عامًا، ليُسجل بذلك كأكبر حاصل على جائزة نوبل حتى الآن. أي أنَّ نوبل للفيزياء 2018 بمثابة إثبات صريح بأنَّ العلم لا سنّ ولا جنس له!
ما أهمية هذه الابتكارات ؟
بعد فترة وجيزة من اختراع الليزر لأول مرة، شرع آشكين في العمل بمختبرات بيل في نيوجيرسي حتى توصل أخيرًا إلى ابتكار (الملاقيط البصرية)، والتي على الرغم من كونها دربًا من دروب الخيال العلمي بالنسبة للبعض، إلَّا أنَّها جعلت أمر التقاط أو الإمساك بالكائنات الحية الدقيقة (بكتيريا – فطريات – فيروسات) واحتجازها ومراقبتها وحتى تحريكها (باستخدام الضغط الناتج من شعاع ليزر شديد التركيز) ممكنًا! فيما معناه أنَّ المختبرات والمعامل يمكنها فحص الميكروبات، وغيرها من الخلايا الحية دون إلحاق الضرر بها!
بينما قام كلّ من مورو وستريكلاند بتطوير نبضات ليزر قصيرة جدًا وفائقة الكثافة، تُعرف باسم “chirped pulse amplification”، مما أتاح إمكانية قطع أو حفر ثقوب في المواد والخلايا الحية بدقة فائقة؛ كأن تُستخدم كمدفع يمكن توجيهه لفيروس بعينه دون إصابة أو إلحاق أيّ ضرر بخلايا الجسم من حوله، أو حتى كمشرط جراحي دقيق يتمّ استخدامه في عمليات الليزك، وبالفعل كانت هذه التكنولوجيا الرائدة سببًا في نجاح عمليات العين التصحيحية لملايين الأشخاص.
كما نعلم يُستخدم الليزر بشكلٍ متزايد كأدوات في البحث العلمي، ولا شك أنَّ الابتكارات الحاصلة على جائزة اليوم ذات أهمية خاصة تحديدًا في الأبحاث البيولوجية على الفيروسات والميكروبات وغيرها من خلايا حية.
وأخيرًا،
في رأيي، إنَّ أهمَّ الدروس المستفادة التي تذكرها إيانا جوائز نوبل كلّ عام هي أنَّ النتائج العظيمة والأهداف الكبيرة لا تتحقق بين يوم وليلة، بل هي نتاج عمل جاد وجهد مضني وإصرار وصبر، ولعل العلماء مثل آشكين الذي ظل يعمل من الستينات حتى الثمانينات خير مثال على هذا.
من آشكين، ومورو، وستريكلاند ؟
د. آشكين، البالغ من العمر 96 عامًا، ظل يعمل على “الملاقيط البصرية” في مختبرات بيل في نيو جيرسي من الستينيات (بعد فترة وجيزة من اختراع الليزر لأول مرة) حتى ثمانينيات القرن العشرين.
أمَّا د. مورو، البالغ من العمر 74 سنة، فهو أستاذ في كلية الفنون التطبيقية بفرنسا، بينما دونا ستريكلاند البالغة من العمر 59 عامًا، فهي أستاذ مشارك في جامعة واترلو بكندا، وقد قاما سويًا بعملهم الرائد بينما كانوا بجامعة روشستر في الثمانينات.
سارة محمد - أراجيك