جرائم الحاسوب..ضيف جديد على القانون الجنائي
د. معتز محيي عبد الحميد*
من سمات القرن الذي نحياه الثورة المعلوماتية التي سببتها أنظمة وبرمجيات الحواسيب والأجهزة والتقنيات والبرامج التي تخدمه ثورة قلبت الموازين من مستقرة في الميادين الحياتية مما يستدعي ضرورة مواجهة هذا التطور بنفس الحجم وبنفس التأثير ،
وايجاد القواعد والأحكام القادرة على حماية الحقوق والمصالح فالحماية الجنائية التي وفرتها القوانين القديمة والحالية لم تعد قادرة على تحقيق اهدافها كاملة لأنها وضعت وشرعت في ظل وضع علمي وتقني محدود التطور قياسا لما يلاحقنا في الوقت الحاضر ، وما قد يستجد مستقبلا مع ان ما تفرزه التطورات العلمية والتقنية جرائم الحاسوب مثلا وهي من الجرائم المستجدة على القانون الجنائي التقليدي تضعنا امام تساؤل صعب ان نسلم بتخلف القانون عن مواكبة العملية المتطورة لهذه النوعية من الجرائم ومرتكبيها من المجرمين المحترفين بل وأحيانا من الهواة ؟ بالطبع لا وما من شك في ضرورة ان نعي مع من نتعامل في الميادين الأمنية المختلفة ، نتعامل مع مجرمين لهم مهارات فنية عالية تميزهم عن غيرهم من المجرمين بما يستدعي تغيير وسائل ملاحقتهم ومن ثم تجريمهم بما لا يدع مجالا للافلات من العدالة ونحن هنا مع نوعية من الجرائم نجد فيها صعوبة لاثباتها واذا كان تعريف الجريمة في القانون هي ( بأنها فعل او امتناع عن فعل جرمه القانون وحدد له عقوبة اذا صدر عن انسان مسؤول ) هذا التعريف كان الى فترة قريبة جامعاً ومانعاً ، ولكن هل يكفي هذا التعريف الآن لتجريم الاحتيال والتزوير باستخدام الحواسيـــب الآلية ؟ وهـل ينطبق القـول فيـه على جريمة قصدت تدمير بيانات او ( فيرسة ) برامج حواسيب آلية او تخريبها ؟ وهل يمكن ان نجرم حسب النص من يتوصل آليا الى معلومات او بيانات من دون تصريح ؟ وهل النص كاف لمواجهة من يتعرض لمسارات بيانات منقولة بغير تصريح ؟ او من يتعمد إنتاج برامج محمية او يتجسس على انشطة حاسوبية ؟ والأمثلة كثيرة لهذا فانه لابد من تجريم الافعال غير المشروعة التي تمثل أي اعتداء على أية انظمة معلوماتية وتحديد اجزاء الحاسوب لها وهذا ما يطلق عليه الحماية الجنائية للمعلومات حماية تتطلب استحداث نصوص جديدة محددة في القانون العراقي لمواجهة هذه الجرائم وما قد يستجد منها او على شاكلتها فقط لمبدأ الشرعية الجنائية فنحن محكومون بمبدأ ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ) لذا نريد نصوصاً ملتزمين فيها بمبدأ الشرعية الجنائية الذي يعد من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي فهو احد الدعامات التي يقوم عليها قانون العقوبات في التشريعات الجنائية لأنه مبدأ يكفل تحقيق العدالة و صيانة حقوق الأفراد الأساسية وتحقيق المساواة وضمان الحرية الفردية ويكفي ان نجد في الشرعية الجنائية ما يلزم القضاء بالا يعد الفعل جريمة الا اذا سبق الى تجريمه قانون ان مبدأ الشرعية الجنائية بانسجامها مع الفطرة السليمة وسنده المنطقي يقف شامخا حتى وأن لم يتول القانون النص عليه صراحة فمبدأ الشرعية الجنائية هو صمام الامان بالنسبة لحقوق الافراد وحرياتهم وعاصم للسلطة من الوقوع في أية صورة من صور الظلم والتعسف ، ولهذا فهو أضمن لحقوق الانسان في الوقت الذي تنتهك فيه هذه الحقوق في اكثر المجتمعات ادعاء بتمسكها بسيادة القانون والشرعية الجنائية هي التي أعطت تلك السلطة في إصدار وتطبيق عقوبات لأفعال جرمية بقدر ما يتناسب مع الخطورة الاجتماعية للفعل والخطورة الإجرامية للفاعل وهذا اقصى ما تسعى اليه السياسة الجنائية المعاصرة وحركة الدفاع الاجتماعي الحديث ، واروع ما في نظام التفريد التشريعي والعقابي والتنفيذي من مبادئ باعتبار ان القضاة هم افضل من يحيطون باحوال الجناة وتفاصيل الوقائع وظروف ارتكابها بحسب الاحوال ولعل الأمر بهذه الصورة كافياً للاحاطة بالجريمة المعلوماتية التي تتجلى فيها قدرة الجناة على الافادة من معطيات التقدم العلمي والفني وسرعتهم في تنفيذ الجريمة مع صعوبة اكتشافهم ان الأمر يستحق من المشرعين ان يعملوا على ضرورة ايجاد النصوص المجرمة للجريمة المعلوماتية على الرغم من صعوبة هذه المهمة ، فالجريمة المعلوماتية نوع متفرد من الفعل الجرمي يعقده التكتيك الفني المعقد والتطورات المتسارعة إن اظهار الحقيقة وإبرازها ، وان كان صعبا افضل من ان نتجاوزها او لا نشخصها بالدقة المطلوبة فالهدف ان لا يفلت مجرم معلوماتي او تضيع جريمة معلوماتية فما احوجنا الى نصوص قانونية مصاغة بدقة حتى نعالج بها ظاهرة الاجرام المعلوماتي ونراعي فيها الخطورة الاجتماعية للفعل والخطورة الجرمية للفاعل وليس بمهم ان يتحقق التجريم والعقاب بتعديل نصوص من قانون العقوبات او ان تضاف نصوص جديدة له او ان يصدر قانون مستقل للجرائم المعلوماتية المهم ان تصاغ النصـــوص وفقا لمبدأ الشرعية الجنائية نصوص وافية تنطبق على الصــور والوقائع الجديدة التي تفرزها ثورات التقنية المتسارعة وتلك المظاهر المعلوماتية الحالية والمنتظرة مستقبلا نرجو ان تكون النصوص المجرمة للجريمة المعلوماتية نصوصا تتسم ببعد النظر والأخذ
بمعياري التوقع والاحتمال
*منقول