لتنفيذ الجبري بواسطة حبس المدين في القانون العراقي
تسعى المجتمعات ومن خلال مؤسساتها الدستورية إلى حماية حقوق الأفراد ، واجتهدت تلك المؤسسات في كيفية وآلية تحقيق هذا الهدف الذي يعد الحجر الأساس في ضمان استقرار الحياة الاجتماعية للأفراد والمجتمع ، وفي النظام العدلي العراقي نرى ان المشرع لم يترك أية وسيلة أو مسعى تضمن تحقيق هذا الهدف ، فتراه يؤكد في تشريعات متعددة السعي الجاد والحقيقي لضمان الحقوق كافة المواطنين بدون استثناء ، ومن هذه الوسائل قانون رقم (45 ) لسنة 1980 المعدل الذي وردت فيه عدة آليات لاستحصال الحقوق وحمايتها ومنها التنفيذ الرضائي والتنفيذ الجبري، الذي يتم بموجبه حبس المدين ، إذ افرد له المشرع العراقي الفصل الثالث من الباب الثالث من قانون التنفيذ وفي المواد (40-49 ) وبما ان هذا الموضوع على تماس مباشر مع حرية المواطن ولملاحظة ضعف الوعي القانوني لدى عامة الناس تجاه هذا الأمر اطرح شرحا ميسرا لإحكام حبس المدين على وفق قانون التنفيذ رقم (45 ) لسنة 1980 المعدل وكما يلي :- 1. الأصل عدم جواز حبس المدين الذي ترتب عليه دين أو التزام يؤديه إلى شخص آخر يسمى (الدائن ) لان الحبس يتعلق بتقييد حرية المدين مما جعل المشرع العراقي يتريث ويتأنى كثيرا عند ذلك الأمر ولم يسوغه إلا بعد ان يصبح أمر تنفيذ الالتزام وأداء الدين غير ممكن بواسطة الوسائل السلمية الأخرى ، فعند ذلك أجاز القانون اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحبس المدين . 2. لا يجوز حبس المدين إلا بناء على طلب الدائن و بموجب قرار من القاضي المختص وذلك على وفق أحكام الفقرة (أولا ) من المادة (40 ) تنفيذ ، مما يعني ان سلطة التنفيذ لا يمكنها ان تتخذ الإجراء من تلقاء نفسها وإنما تترك الأمر إلى مشيئة الدائن ، والتفت المشرع العراقي إلى نقطة تتعلق بمدى اهتمامه بحماية حرية الأفراد فجعل قرار الحبس بيد قاض مختص فإذا لم تتوفر هذه الشروط نص عليها القانون جميعها لا يجوز حبس المدين إطلاقا ، لأنه يكون على دراية أكبر في مجال تنفيذ وتطبيق القانون ولعناية المشرع بموضوع الحرية الفردية فانه قصر الوسيلة لاستحصال الدين لمرة واحدة فقط ، وذلك حتى لا يبقى الأمر سائبا ويستغل بشكل غير مشروع وهذا ما ورد في أحكام الفقرة (ثالثا ) من المادة 40 تنفيذ . 3. راعى المشرع العراقي بعض الحالات التي لها صلة بالكينونة الاجتماعية فقام باستثنائها من الخضوع لهذه الوسيلة ولم يجز حبس المدين إذا توفرت فيه إحدى الحالات : أ- اذا كان معسرا وهذا الاستثناء جاء لتحقيق العدالة في تنفيذ القانون فقصر التنفيذ على وفق تلك الوسيلة على الذي يملك المال ويمتنع عن التنفيذ ، فإذا كان ممن لا يملكون المال فلا يجوز حبسه إطلاقا . ب- اذا لم يكمل الثامنة عشر من العمر أو تجاوز الستين من عمره ،اذ رأى المشرع العراقي ان مصلحة بقاء القاصر مع ذويه أسمى من الدين الذي يترتب عليه ، وكذلك راعى تقدم العمر والحفاظ على كرامة الإنسان في سنه المتقدمة . ج – اذا كان المدين من أصول أو فروع الدائن أو من أخوته أو زوجاته وفي هذا تتجلى رؤية المشرع تجاه العائلة التي هي نواة المجتمع فسعى إلى تقوية أواصر وروابط التعاون من خلال هذا الاستثناء ، إلا انه استثنى من هذا الأمر النفقة المحكوم بها المدين لأطفاله وزوجته ، لأنها من ذات المورد الذي يصب في مجال الحفاظ على الترابط الأسري . د- اذا كان للمدين مورد مالي ثابت متمثلا بالرواتب والأجور التي يتقاضها من الدولة ، فان توفر مثل هذا الأمر فالضرورة تنتفي إلى اللجوء لوسيلة الإكراه البدني ، وان الدائن له ان يستوفي دينه من هذا الراتب بواسطة الحجز عليه . هـ - اذا انقضى الدين أو سقط بأي وجه من الوجوه ، أي بمعنى اذا تم وفاء الدين أو تقادم الحق بمرور المدة أو بحصول المقاصة أو تنازل الدائن عن الدين أو بأية وسيلة أخرى فان الحبس ينتفي وينتهي تماما . 4. حدد القانون مدة الحبس بمدة لا تزيد على أربعة أشهر على وفق أحكام المادة 43 تنفيذ كما بينت المادة 46 تنفيذ على وجوب إخلاء سبيل المدين في حالات معينة وكما يلي :- أ- عند دفع المدين الدين الذي حبس من اجله . ب- عند الحجز على ما يكفي من أمواله لسداد الدين . ج- اذا طلب الدائن إخلاء سبيله من الحبس . د- اذا ابتلى بمرض لا يرجى شفاؤه استنادا إلى تقرير طبي صادر عن لجنة طبية رسمية إلا انه وفي جميع الأحوال لا يجوز إخلاء سبيل المدين المحكوم عليه بتسليم الصغير حيث أجاز بقاءه في الحبس إلى حين تسليمه الصغير ومهما طالت المدة إلا اذا كان ذلك خارج عن إرادته ، وهذا ما ورد في نص المادة (48) تنفيذ كما انه يندرج ضمن إطار مسعى المشرع إلى الحفاظ على الروابط الأسرية . لذلك نرى ان استحصال الحق يكون في بعض الأحيان أسمى اعتبارا من حرية الفرد ، فأجاز المشرع تقييدها على وفق تنظيم ورد في المواد القانونية التي تم شرحها في أعلاه وهذا يدعونا إلى تنبيه المواطن إلى ضرورة مراعاة إعطاء كل ذي حق حقه والابتعاد على التسويف والمماطلة التي تعيق إيصال الحق إلى أهله ، وهذا بدوره يربك عمل دوائر التنفيذ ويعطل جهود أفراد المجتمع التي نحن بأمس الحاجة إليها في ظل الظرف الراهن الذي يمر به قطرنا العزيز كما ندعو الجهات ذات العلاقة إلى الإسهام في تسهيل الإجراءات إلى أدنى قدر ممكن سعيا لوصول الحق إلى أهله بأسرع وقت ممكن .
منقول