وصف الفرس في شعر أمريء ألقيس
المقدمة:-
امتلك الشاعر خيالاً واسعاً وثاقباً فـي الوصف واستطاع مـن خلال قصائده أن يصف لنا معظم مظاهـــر الصحـراء المحيطة بـه ، وأكثر ما ظهـر وصفه فــي وصـف الحصان حيث قال :
وقد أغتدي و الطير في وكناتها بمنجـردٍ قيــــد الأوابـــد هيكلـــــي
مكـرٍّ، مفـرٍّّ، مقبلٍ ، مدبرٍ معاً كجلمودِ صخرٍ حطّه السيل من علِ
و في وصف الطير الصطادة في بعض الأعشاش :
كأن قلوب الطير رطباً و يابساً لدى وكرها العناب و الخشف البالي
و في وصف الليل حيث قال :
و ليلٍ كموج البحر أرخى سد وله علــيّ بأنواع الهمــوم لِيبتلــــــــــي
و في وصف المفاتن الجسدية عند المرأة قال :
وجيـدٍ كجيــد الرّئم ليس بفاحشٍ إذا هي نصّتْــــه ولا بمعطّــــــــــــلِ الفرس
قد أشهد الغادة الشعواء تحملني جرداء معروفة اللحيين سرحوب
كأن صاحبها ، إذ قام يلجمهــــا فغد على بكرة زوراء منصــوب
إذا تبصّرهــا الراؤون مقبلــــة لاحـت لهــم عزة منهــا وتجيــب
وقا منها ضَرِمٌ وجريهـا جـذم ولحمهــا زيم والبطـن مقبــــوب
ويصف ذهابه إلى الصيد :
ألا عم صباحاً أيها الربع وانطق وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق
وحدث بأن زالت بليل حمولهـم كنخل مــن الأعراض غيــــــــر متبقِ
جعلـت حوايا واقتعدن قعائــــداً وحففـن مـــن حـوْك العـــراق النمّــق
وفــوق الحــوايا غـزلة وجاآذرٌ تضمخن مــن مســكٍ ذكــي وزنبـــق
ما تبعتهم طرفي وقد حال دونهم غـوا رب رمــلٍ ذي الاء وشــــبرق
وفي هذا البيتين يقول:-
ترى بعر الآرام في عرصاتها
وقيعانها كأنه حب فلفل
كأني غداة البين يوم تحملوا
لدى سمرات الحي ناقف حنطل
فالرواة يحدثوننا أن الفرزدق خرج فى يوم مطير إلى ضاحية البصرة فاتبع آثارا حتى انتهى إلى غدير وإذا فيه نساء يستحممن ، فمال : ما أشبه هذا اليوم بيوم دارة جلجل ، وولى منصرفا ؛ فصاح النساء به : يا صاحب البغلة ؛ فعاد إليهن فسألنه وعزمن عليه ليحدثهن بحديث دارة جلجل ؛ فقص عليهن قصة امرئ القيس وأنشدهن قوله :
إلا رب يوم لك منهن صالح
ولا سيما يوم بدارة جلجل
فنحن نقبل أن امرأ القيس وهو أول من قيد الأوابد ، وشبه الخيل بالعصى والعقبان وما إلى ذلك ، ولكننا نشك أعظم الشك فى أن يكون قد قال هذه الأبيات التى يرويها الرواة .
وأكبر الظن أن هذا الوصف الذى تجده فى المعلقة وفى اللامية الأخرى فيه شئ من ريح امرئ القيس ، ولكن من ريحه ليس غير.
هناك قصيدة ثالثة نجزم نحن بأنها منتحلة انتحالا .
وهى القصيدة البائية التى يقال إن امرأ القيس أنشأها يخاصم بها علقمة بن عبدة الفحل ، وأن أم جندب زوج امرئ القيس قد غلبت علقمة على زوجها. وأنت تجد القصيدتين فى ديوان امرئ القيس وديوان علقمة . فأما قصيدة امرئ القيس فمطلعها
خليلي مرا بي على أم جندب
نقض لبانات الفؤاد المعذب
وأما قصيدة علقمة فمطلعها :
ذهبت من الهجران لي في كل مذهب
ولم يك حقا كل هذا التجنب
ويكفى أن نقرأ هذان البيتين لنحس فيهما رقة إسلامية ظاهرة .
على أن النظر فى هاتين القصيدتين سيقفك على أن هذين الشاعرين قد تواردا على معان كثيرة بل على ألفاظ كثيرة بل على أبيات كثيرة تجدها بنصها فى القصيدتين معا ، وعلى أن البيت الذى يضاف إلى علقمة وبه ربح القضية يروى لامرئ ا لقيس، وهو:
فأدركهن ثانيا من عنانه
يمر كمر الرائح المتحلب
والبيت الذى خسر به امرؤ القيس القضية يروى لعلقمة وهو :
فللسوط ألهوب وللساق درة
وللزجر منه وقع أهوج منعب
وأنت تستطيع أن تقرأ القصيدتين دون أن تجد فيهما فرقا بين شخصية الشاعرين ، بل أنت لا تجد فيهما شخصية ما ، وانما تحس أنك تقرأ كلاما غريبا منظوما فى جمع ما يمكن جمعه من وصف الفرس جملة وتفصيلا.
وأكثر الظن أن علقمة لم يفاخر امرأ القيس ، وأن أم جندب لم تحكم بسنهما ، وأن القصيدتين ليستا من الجاهلية فى شئ ، وانما هما صنع عالم من علماء اللغة لسبب من تلك الأسباب التى أشرنا فى الكتاب الماضي إلى أنها كانت تحمل علماء اللغة على الانتحال .
وكان أبو عبيدة والأصمعي يتنافسان في العلم بالخيل ووصف العرب إياها: أيهما اقدر عليه وأحذق به .
وما نظن إلا أن هاتين القصيدتين وأمثالهما آثر من آثار هذا النحو من التنافس بين العلماء من أهل الأمصار الإسلامية المختلفة .
وهنا وقفة أخرى لابد منها. ذلك أن امرأ القيس لا يذكر وحده وانما يذكر معه من الشعراء علقمة-كما رأيت - وعبيد ابن الأبرص .
فأما علقمة فلا يكاد الرواة يذكرون عنه شيئا إلا مفاخرته لامرئ القيس ومدحه ملكم من ملوك غسان ببائيته التى مطلعها :
طحا بك قلب لحسان طروب
بعيد الشباب عصر حان مشيب
جاء الشعراء ليخلدوا الخيل بأشعارهم ، ويتغنوا بمفاتنها ، ويفخروا بشجاعتها واقدامها .. فوصفوها بأجمل الاوصاف ولم يدعوا عضواً من أعضائها الا وصفوه حتى عرف الكثير منهم بوصافي الخيل ، كأمرىء القيس ، وابي داود الايادي ، وطفيل الغنوي ، وزيد الخيل الذي سماه الرسول صلى عليه وسلم بزيد الخير بدلاً من زيد الخيل .
يبقى امرؤ القيس أكثر الشعراء افتتاناً بالخيل ، وعشقا لها إذ يجد نفسه وصورته في صورتها, فهو فارس ، وملك وابن ملك ، ولهذا ينثر كل الصفات الحميدة من شجاعة وإقدام وقوة على حصانه نثراً, حيث يقول :
الخير ماطلعت شمس وما غربت
مـطـلـب بنواصي الـخـيـل معـصـوب
ً قد أشهد الغـارة الشعراء تحملني
جـرداء معـرفـة اللـحـيـيـن سـرخـوب
ويقيها عنترة بنفسه ، وهي تراثه :
أتـقـي دونــه الـمـنايـا بـنفـسـي
وهـو يـغـشـى بنا صدور الـعـوالي
فـاذا مــــــت كان ذال تـراثــي
وسـخـالاً مـحـمـودة مـن سـخـالــي
فجواد عنترة هو خليله وصاحبه وصديقه الذي يقيه بنفسه ويصله على أي حال من سحيل ومبرم :
أقيه بنفسي في الحروب وأتقي
بـهـاديــــه انـي للـخــــيـل وصـول
وهي عند المتنبي كالصديق الصادق المخلص المجرب إذ يقول :
وما الخيل إلا كالصديق قليلـه
وان كـثرت في عيني من لايجرب
وهي عنده أفضل مكان وأعز في هذه الدنيا ، كما الكتاب عنده خير جليس وأنيس :
أعز مكان في الدنيا سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
وما ثبته في المعركة التي قتل فيها إلاقوله :
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
قال امرؤ القيس في وصف الفرس:
وأركـب في الروع خيفتانة كسـا وجهها سعف منتشر
وعينان كالماوتين ومــحجر الى سـند مثل الصـفـيح المنـصـب
لها منخر كوجار الضـباع فـمـنه تـريـح إذ تـنـبـهـر
بعـيدة بين المنكبين كأنـما ترى عند مجرى الضفْر هراً مُشَجرا
كُمَيْتٍ يَزِل اللـبْدَ عن حاذ متْنِه كما زَلت الصّفْواءُ بالمُتَنَزّلِ
بعِِجِِلزَةٍ قدْ أًتْرزً لحْـمـَها كأن قـُصيراها هراوةُ مِنْوالِ
يُديُر قطاةً كالمَحاَلةِ أُشـرِفَتْ إلى سَندٍ مِثْلَ الغَبِيط المــُذأبِ
لها ثُننُ كَخوافي العقاب سُودٌ يَفَن إذا تَزْبِــئرْ
سليمُ الشَّظى غَبْلُ الشوى شنج النسا له حُجُباتٌ مُشرفاتٌ على الفالي
ويَخْطو على صُمَّ صِلابٍ كأنها حِجارَةُ غَيْل وارِسات بطحْلُبِ
ومستـفـلك الدفـرى كأن عـنانـه ومـثـناته في رأس جـدع مشذب
نـيـالة الـطـلبـات لـولا أنـهـا تعـطي مكـان لجـامها ما نيـلا
وَقَدْ أَغْتَدِي والطـَّيْرُ في وُكـنُاتها بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوابِد هَيْكَل
منقول