الجدول الدوري للعناصر
ما هي المقاربة الملائمة لتناول العناصر الكيميائية ؟؟
- يريد استاذ الكيمياء أن يدرس مع طلبته العناصر الكيميائية .. بأي عنصر يبدأ ؟
- هل يرتب العناصر الكيميائية ترتيبا أبجديا، كما ترتب الكلمات في المعاجم اللغوية .. ثم يشرع في درسه ؟ ..
- هل يجب علينا تناول هذه العناصر الكيميائية بالدراسة دون التفكير في طريقة لتصنيفها وترتيبها ؟
- هكذا كان يتسائل مندليف ..
عبقرية مندليف
في سنوات 1860، أستاذ الكيمياء في جامعة بعيدة ، في سانت بطرسبرج ، يدعى ديمتري إيفانوفيتش مندليف ( 1834-1907 ) سعى عبثا للحصول على دليل مقبول ليدرس مع طلابه الكيمياء العامة، فقرر أن يكتب كتابه الخاص، والذي نشره بين 1869 و1871 ، عنوانه «مبادئ الكيمياء» .
تميز التصنيف الذي اقترحه مندليف في كتابه بميزتين، أولهما أنه تصنيف يقوم على (قانون) هو قانون الدورية: «خصائص الأجسام البسيطة، ذات علاقة دورية بتزايد الكتلة الذرية» . هذا أول قانون يضبط تصنيف العناصر الكيميائية على أساس كمي قابل للقياس هو الكتلة الذرية للعنصر. ثانيا أن مندليف نظر إلى هذا القانون على نحو عام ، يشمل جميع العناصر دون استثناء، أي أنه كان قادرا على تصنيف جميع العناصر المعروفة وحتى العناصر مجهولة .
إن جدول مندليف هو نتيجة لمغامرة فكرية وبيداغوجية أو شيء من هذا القبيل .. تاريخيا، توجد صلة بين بناء الجدول الدوري وهموم المعلم ... تكشف العلاقة القوية بين تعليم مبادئ الكيمياء والجدول الدوري. وبالتالي فإنه من المناسب جدا استخدام القصة التاريخية والخطوة الابتكارية لمندليف لتوضيح و تعزيز المبادئ الأساسية التي يقوم عليها منهاج الكيمياء في السنة الأولى ثانوي.
من هنا تبرز قيمة وأهمية المقدمة التاريخية المنصوص عليها في المنهاج، وهي ليست للترفيه بل هي في صلب البيداغوجيا .. ليس مطلوبا منا الغوص في كل التفاصيل التاريخية لأعمال مندليف، إنما نريد أن نؤكد على التوظيف البيداغوجي لأعمال مندليف «المعلم»، وإبراز الفرق بين التصنيف الدوري للعناصر الكيميائية كما توصل إليه مندليف، والتصنيف الدوري في الكيمياء الحديثة الذي يعتبر من نتائج البنية الإلكترونية للذرة .. مثل هذه المقارنة تسمح للطلبة من إدراك الطبيعة التطورية والتراكمية للمعرفة العلمية، كما ينص عليه المنهاج الجديد ..
من أجل الالتزام بقانون الدورية الذي كان يعتقده مندليف اعتقادا راسخا، اضطر مندليف الى تغيير الترتيب الذي تفرضه قاعدة تزايد الكتلة الذرية، وترك بعض الخانات فارغة، وذهب الى حد التنبؤ بخصائص ثلاثة عناصر لم تكن معروفة حينئذ، على أساس خصائص العناصر الكيميائية الأربعة المجاورة لها. بين عامي 1875 و1886 م تم التعرف على هذه العناصر الثلاثة وهي الغاليوم، السكانديوم والجرمانيوم، والتي كان قد تنبأ مندليف بخصائصها الكيميائية بشكل جيد.
إلى أجل قريب، عدد قليل جدا من العلماء كان يتقبل أفكار مندليف، ولكن عندما تم اكتشاف هذه العناصر الثلاث، والتشابه الكبير جدا في الخصائص التي كان قد وصفها مندليف، دخل مندليف بذلك عالم النجاح و الشهرة، ولم يعد أحد يناقش ...
العمود الثامن
في عام 1895، اكتشف العالم الكيميائي الاسكتلندي William Ramsay (1852-1916) عنصري الأرجون والهيليوم، حيث لم يتضمن جدول مندليف أي خانات لاستقبال هذين العنصرين الجديدين اللذان يتميزان باستقرار كيميائي عال. استنادا إلى تشابه خصائصهما، تم إضافة عمود جديد إلى الجدول من أجل إدراجهما يقع بين عمود الهالوجينات وعمود القلويات، وهو المكان الذي يناسب الكتل الذرية الخاصة بهما، وفي وقت لاحق اكتشف William Ramsay بقية عناصر العمود الثامن (الغازات الخاملة) وهي النيون، الكريبتون والكزينون.
من العدد الكتلي إلى الرقم الذري ..في عام 1914، نجح العالم الفيزيائي الإنكليزي Henry Moseley (1887-1915)، في تحديد عدد البروتونات في كل عنصر، تبعا لدراسات استخدم فيها الأشعة السينية، حيث استنتج أن التركيب الذري سيكون أساسا للتصنيف أكثر ملائمة من التصنيف على أساس الكتلة الذرية، حيث يتم ترتيب العناصر تصاعديا حسب رقمها الذري (عدد البروتونات)، مع الاحتفاظ بدورية الجدول المرتبطة بالخصائص الكيميائية للعناصر.
الجدول الدوري الحديث
التعديلات الرئيسية الأخيرة التي تم إضفاؤها على بنية الجدول الدوري جاءت نتيجة لأعمال جلين سيبورج Glenn T. Seaborg ( 1912-1999 )، الذي اقترح تصنيفا دوريا يتضمن صفوفا أفقية (أدوار Périodes) وأعمدة رأسية (العائلات الكيميائية).
بعد اكتشافه لعنصر البلوتونيوم (Z=94) سنة 1940، اكتشف جلين سيبورج جميع العناصر ما بعد اليورانيوم من (Z=93) إلى (Z=102) لينال بذلك جائزة نوبل للكيمياء سنة 1951، وتشريفا له على الأعمال الجليلة التي قام بها، فقد سمي العنصر رقم 106 في التصنيف الدوري باسمه Seaborgium (Sg).
من الـ 33 عنصرا التي حددها لافوازيه بدء من سنة 1790 إلى غاية 114 عنصرا المعروفة اليوم، وعلى الرغم من أن العديد من هذه العناصر اكتشفت بعد مندليف وعلى الرغم من بعض الأخطاء في التصنيف الذي وضعه، فقد ظلت نظرية مندليف المتعلقة بالخصائص الدورية للعناصر الكيميائية هي أساس التصنيف الحديث للجدول الدوري.
المقاربة الأفضل
أفضل المقاربات البيداغوجية الملائمة لتناول هذا الموضوع هو المقاربة المبنية على «إعادة اختراع التصنيف الدوري للعناصر» حيث يوضع التلاميذ في وضعية نشاط إبداعي أو ابتكاري.
على خطى مندليف ..
هي دعوة للطلاب للقيام برحلة في الزمن إلى عام 1860، حيث لا يكون لديهم من المعلومات إلا تلك التي كانت متوفرة في ذلك الزمان .. ودون الدخول في تفاصيل لا فائدة منها .. الغاية هنا هو «إدراك الأسئلة والتحديات» التي كانت تواجه الكيميائيين في ذلك الزمان والوقوف على أهميتها أكثر من السعي لتقديم إجابة عليها ..
لماذا تصنيف العناصر ؟
أولا، لأن هناك العديد منها .. كل يوم أكثر فأكثر بفضل التقدم الحاصل في التقنيات التحليلية التي مكنت الكيميائيين من عزل العديد من الأجسام البسيطة في القرن التاسع عشر. التحليل الكهربائي وحده سمح في بضع سنوات بمضاعفة العدد المعروف من العناصر الكيميائية، ثم جاء بعده التحليل الطيفي يحمل موجة جديدة من الاكتشافات .
تصنيف العناصر ؟ لعبة الصبر !
تاريخيا، وضع مندليف لكل عنصر كيميائي معروف «بطاقة هوية» تتضمن البيانات الخاصة به والتي كانت معروفة في ذلك الزمان .. نوزع على الطلاب بطاقات تشبه تلك التي كانت بحوزة مندليف، ونزودهم بأهم النتائج التي توصل إليها مندليف طوال سنوات من التفكير والتي تضمنها كتابه مبادئ الكيمياء منها على وجه الخصوص:
- خصائص الأجسام البسيطة، مثل «المظهر» و«نسب التفاعل» على علاقة دورية بالكتلة الذرية. تصنف العناصر الكيميائية على أساس الكتلة الذرية تصاعديا و تشابه خصائصها الكيميائية
- ترتيب عناصر أو مجموعات العناصر (العائلات) وفقا لتزايد كتلتها الذرية يتوافق مع التكافؤ. يمكن توقع بعض التشابه للعناصر انطلاقا من قيم كتلها الذرية.
- الأجسام البسيطة الأكثر شيوعا على كوكب الأرض لها كتلة ذرية صغيرة، وجميع العناصر ذات الكتل الذرية الصغيرة تتميز بخصائص واضحة، وهي عناصر نموذجية.
- قيمة الكتلة الذرية تحدد طبيعة العنصر. نتوقع اكتشاف العديد من الأجسام البسيطة غير المعروفة ، الألمنيوم Al والسليسيوم Si على سبيل المثال، وكتلهما الذرية 65 و 75 على الترتيب.
- يمكن تصحيح الكتلة الذرية للعنصر إذا كانت نظائره معروفة، فمثلا الكتلة الذرية لعنصر التلوريوم Te ليست 128 ولكن يجب أن تكون بين 123 و126
- في هذه اللعبة لدينا 18 بطاقة : وهي العناصر 17 الأولى، من الهيدروجين إلى الكالسيوم باستثناء العمود الأخير الذي لم يكن معروفا لدى مندليف.
- يمكن إخفاء بعض البطاقات ولا تسلم للتلاميذ، ثم يطلب منهم التنبؤ ببعض خصائص هذه «العناصر المجهولة» .
التعليمات التي تعطى للطلاب
اعتمادا على عدد الطلاب والزمن المتاح يمكن اتباع خيارين:
أ - الخط السريع بوجود معالم
- من مجمل النتائج التي توصل إليها مندليف المبينة أعلاه، بين المعيارين أو القاعدتين اللتان استخدمهما مندليف لتصنيف العناصر وإرساء صفة الدورية على الجدول.
- أعد بناء الجدول الدوري كما فعله مندليف باستخدام البطاقات استنادا الى القاعدتين المحددتان في السؤال السابق.
ب - اكتشاف ذاتي مع توجيهات بسيطة
- يضع الطلاب من تلقاء أنفسهم قواعد التصنيف، مع التعليل.
- يزود الطلبة بالبطاقات الخاصة بالعناصر الكيميائية، من دون النتائج التي خلص إليها مندليف، والتي يجب أن يبحثوا عنها أو يتوصلوا إليها بأنفسهم، بتوجيهات بسيطة ومدروسة من الأستاذ.
مقاربة أخرى ...وهي مقاربة مبنية على أساس القواعد الحديثة للتصنيف الدوري للعناصر الكيميائية.
ما هي الوثائق أو المعلومات المقدمة للطلاب ؟
- قائمة أبجدية للعناصر الكيميائية العشرين الأولى مع العدد الذري الخاص بكل منها.
- 20 بطاقة مكتوب في أعلاها رمز العنصر الكيميائي ورقمه الذري Z.
- يرسم الأستاذ على السبورة جدولا يضم عددا غير محدود من الأعمدة (12 عمودا مثلا مع إمكانية الزيادة .. لا يجب أن يرسم من البداية ثمانية أعمدة ..) ويضم أيضا عددا غير محدود من الأسطر (5 أسطر أو أكثر .. )
- توزع البطاقات بشكل عشوائي على مجموعات التلاميذ.
- تكتب على السبورة وبوضوح قواعد التصنيف الحديثة وهي:
- ترتب العناصر الكيميائية حسب رقمها الذري تصاعديا.
- كل سطر من أسطر الجدول، يوافق ملء طبقة من الطبقات الإلكترونية للذرة.
- العناصر التي لها نفس عدد الإلكترونات في طبقتها الخارجية، تشغل نفس العمود.