السؤال: إقدام الإمام (عليه السلام) على ما يعلم به موته لا يعد انتحاراً
كثيرا ما ترد بعض الشكوك والشبهات التي لا بد من الرد عليها ودحضها ومن هذه الشبهات:
يذكرون قول الأول : يذكر للكليني في كتاب الكافي، كتاب الحجة ج1 ص 227،260وكتاب الفصول المهمة للحر العاملي ص155 : (( أن الإمام يعلم بما كان وما يكون وانه لا يخفى عليه شيء ))..
ثم يذكر الكليني في أصول الكافي كتاب العلم باب اختلاف الحديث ح1ص65 حديثاً يقول : (( لم يكن إمام إلا مات مقتولاً أو مسموماً ))..
إذا كان الإمام يعلم الغيب كما ذكر الكليني والحر العاملي ، فسيعلم أولاً ما يقدم له من طعام وشراب ، فلو كان مسموماً لعلم ما فيه من سم وتجنبه ، ولو لم يتجنبه لمات منتحراً لأنه يعلم أن هذا السم سيقتله ، فيطبق عليه حكم قاتل نفسه..
الجواب:
الاخ جاسم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
ليس كل إقدام على الموت مع العلم به يعدّ معصية أو انتحاراً دائماً, ولذلك شواهد نذكر منها:
1ـ اتفاق الفقهاء على ترك التقية في الدماء وإن أدى تركها الى القتل.
2ـ ترك التقية في موارد تستلزم المواجهة فيها النصرة للدين اذا اندرست شعائره وللذب عن بيضة الاسلام.
3ـ ترك البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) ولو أدى ذلك الى القتل كما تفيده الروايات. جاء في (بحار الانوار/ 42/130): أن عليّاً دعا ميثما عليه الرحمة وقال له: ( كيف أنت ياميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد الى البراءة مني؟) فقال ميثم: يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك, قال: (إذن والله يقتلك ويصلبك) قلت: أصبر فذاك في الله قليل, فقال: (يا ميثم إذن تكون معي في درجتي...) الحديث.
4ـ الجهاد في سبيل الله وهو لا يخلو من تعريض النفس للقتل.
5ـ العمليات الاستشهادية التي يظهر من جملة من الفقهاء المعاصرين جوازها مع أنَّ الموت فيها قطعي.
6ـ كراهية التقية في زيارة الامام الحسين (عليه السلام) ـ حسب نظر مشهور الفقهاء ـ, مع أن التقية شرّعت لدفع الضرر عن النفس.
وعليه: لا يعد إقدام الإمام ( عليه السلام ) على ما فيه موته مع علمه بذلك إنتحاراً أو القاء في التهلكة لما يدركه (عليه السلام) من فضل الموت بالطريقة التي أخبره الله بها والتي تصب في مصلحة الدين وتقوية شريعة سيد المرسلين (عليه السلام), فقد كان موتهم كما كانت حياتهم (عليهم السلام) كلها في خدمة الدين وأهله ومن أجل الدين وأهله.
وهو لا ينافي اختيارهم أيضاً, لان اختيارهم لا يتعدى ما يريده الله سبحانه لهم من علو الشأن وحسن العاقبة, وهم محسنون الظن بالمولى سبحانه فلا يختارون إلا ما يريده الله لهم, وقد علم الله سبحانه ذلك منهم فأمضى ما أمضاه بحقهم وأنفذ وأودعَ علم ذلك اليهم فكانوا مصداقاً لقوله سبحانه: ((بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وبأمره يعملون))(الانبياء ـ 27).
وتشهد على ذلك جملة روايات, نذكر منها: رواية صالح بن عقبة الأسدي عن أبيه, قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يقولون بأمر ثم يكسرونه ويضعفونه, يزعمون أنَّ الله احتج على خلقه برجل ثم يحجب عنه علم السماوات والأرض, لا والله لا والله لا والله), قلت: فما كان من أمر هؤلاء الطواغيت وأمر الحسين بن علي (عليه السلام)؟ فقال: (لو أنهم ألحوا على الله لأجابهم الله وكان يكون اهون من سلك فيه خرز انقطع فذهب ولكن كيف؟ إنّا اذن نريد غير ما أراد الله) (بحار الأنوار 26/152).
وفي رواية أخرى عن السياري مثلها وفي آخرها: (ولكن كيف يا عقبة بأمر قد أراده الله وقضاه وقدره, ولو رددنا عليه وألححنا إنا إذن نريد غير ما أراد الله) (المصدر السابق).
وعن الرضا (عليه السلام) في جوابه لمن سأله عن خروج علي (عليه السلام) في الليلة التي استشهد فيها مع علمه بشهادته وقال (السائل) فيما قال: كان هذا مما لم يجز تعرضه. فقال (عليه السلام): (ذلك كان ولكنه خير في الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل) (بحار الانوار: 26/150).
ودمتم في رعاية الله