قاسم حسين صالح
العراقيون ..وسيكولوجيا التعبير
قاسم حسين صالح
تاريخ النشر 25/08/2010 10:35 am
الصباح
يتداول العراقيون حين يجلسون في مقهى أو تضمهم جلسة سمر عبارات ظاهرها يقول شيئا وما تعنيه يقول شيئا آخر يكون نقيضه احيانا!. وتأتي عباراتهم مصاغة بمفردات مزينة بآداب المجاملة ،والتفنن “اللطيف”حتى في (بهذلة)الآخر من دون أن يزعل. فحين يقول العراقي لصاحبه:(بس انت بصراحة..ولا تزعل)
فان العبارة تثير انفعالين متضادين بالمتلقي في آن واحد،الأول ان ما سيسمعه من المتحدّث سيثير غضبه،والثاني أن عليه كبت غضبه والتصرف بأسلوب مهذّب وأن يحضّر نفسه “لرزاله”.وهذه طريقة بارعة! في تفريغ “العدوان” بالآخر من غير أن يردّ بعدوان. ومن نباهة العراقي انه حين يقول العبارة ويقرأ في وجه المتلقي ما لا يطمئنه ،يعيد عليه التوكيد:(أكيد ما راح تزعل..بداعتي لا تزعل..الله عليك لا تزعل)..الى أن يروّضه وعندها يوجّه له (قذيفة)مسّبة أو تشخيص صفة ذميمة يراها فيه كالبخل او النميمة. ومن عباراتهم:(تريد الصدك لو ابن عمّه) وتعني ان قائلها يجيد فنّ الكذب بمهارة حتى ليبدو فيها الكذب ابن عمّ الصدق. وفيها اتهام للناس أنهم يكذبون ويلبسون الكذب ثوب الصدق. وقد تعني ان ما سيقوله مؤذيا او جارحا لكنها “الحقيقة”المرّة التي على الآخر أن يتقبلها.وقد تعني ان “ابن عمّه”هو الصدق فيما الصدق الذي سيقوله هو الكذب بعينه!. وحين يأتون على سيرة “وحدة من بنات المنطقة” ولا يبقي المقص من ثوب اخلاقها شيئا، يختمونها بعبارة (الله يستر عليها) وتعني انهم كانوا فيما “قصّوه وفصلّوه” عليها صادقين ،وأنهم يدعون لها بالستر بطيب نية! وأنهم يستغفرون ربهم ايضا!. وقريبا منها عبارة:(بس لا يروح فكرك لبعيد)التي تقال في ختام سيرة أحد الأشخاص “تناوشوه” ولم يبقوا عليه ما يستره ،وفيها ايماءة وتلميح لشيء قبيح او غير أخلاقي يحذّرك أن لا تفكّر فيه ،فيما هي تقصد ذلك: فكّر فيه!. ومن عبارات النساء العراقيات انهن حين يتحدثن عن أمور عائلية تقول المتحدثة لصاحبتها: (عيني احنه شعلينه..غير انريد مصلحتك) فيما تهدف العبارة الى “هجمان بيت!”.والرجال ايضا يقولون:(هسه أحنه شعلينه) في ختام حديث طويل عن آخر نتفوا شعر رأسه ولحيته!. ومن عبارات الاستحثاث غير المباشر قولهم:(آني والله ما يهمني)وتعني العكس، أنه مهتم جدا بالموضوع ومتشوق الى أن يسمع أكثر. واللطيف من عباراتهم ان المتحدث اذا شعر أن السامع أصابه الملل قال له:(وما أطول عليك السالفة) التي تعني أن ما قاله هو المقدمة ،وأنه سيختصر السالفة!. ومن عبارات الأطباء العراقيين أن أحدهم اذا زار مريضا في بيته وقال لأهله بعد فحصه:(آني سويت العليّ والباقي على الله)..تعني ان مريضكم في خطر و(حضروا انفسكم). وتعود أسباب بعض هذه التعابير الى أن الشخصية العراقية انفعالية،وأن في صياغة أسلوبها حيلة تكتيكية لاحتواء انفعالها وتفادي عدوانيتها..فيما تعود أسباب أخرى الى أن الشخصية الشعبية تميل الى الثرثرة وتعاني من الحسد الذي تعمد الى تفريغه لاشعوريا بقضم السمعة والفتنة الخفيفة.غير أن اكثر أسبابها شيوعا يكمن في آلية (الاسقاط) التي تعني ترحيل الفرد لما فيه من عيوب على الآخرين. وتبقى أشهر عبارات العراقيين تداولا هي :(الله كريم..ان شاء الله ما راح اقصّر)..وتعني اعتذارا مقدّما ومهذّبا عن تكليف او طلب مساعدة..وألطف ما فيه..ان عليك ان تنسى الموضوع!.