الشيخ محمد النشرتي المالكي، من شيوخ الأزهر وواحد من أبرز أعلام المذهب المالكي ولد ببلدة (نشرت) مركز كفر الشيخ مديرية الغربية سابقًا، والتي ينسب إليها، وتلقى تعليمه بالجامع الأزهر، وبعد إتمام دراسته عمل بالتدريس فيه؛ حيث تميَّز بدقَّته العلميَّة، وتكريس حياته للعلم والعبادة، وتولَّى مشيخة الأزهر عام ( 1106ه= 1694م)، حتى وفاته عام (1120هـ= 1709م )، وكانت حياته سلسلة متتابعة الحلقات من الجهاد العلمي الصادق، وكان واسع العلم، وتتلمذ على يديه نخبة من فقهاء عصره، وظلَّ يواصل عمله في التدريس حتى لقي ربه وهو يؤدِّي رسالته على خير ما يكون، من أداء الرسالة والنهوض بأعبائها، بعد أن ظلَّ في مشيخة الأزهر أربعة عشر عامًا.
المولد والنشأة:
وُلِد الشيخ النشرتي ببلدة "نشرت" مركز كفر الشيخ مديرية الغربية، ولم يصل أحد المؤرخين أو الباحثين إلى تحديد سنة معينة لمولده في يقين جازم، كما أن نشأته الأولى أيضًا غير مكتملة الصورة أمام المؤرخين والباحثين، ومن المرجح أن نشأة الشيخ النشرتي لا تختلف كثيرًا عن نشأة أقرانه من أولاد الريف المصري فقد ذهب إلى الكُتاب ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة وليحفظ القرآن الكريم ليستعد للذهاب إلى الجامع الأزهر منارة العلم وكعبة القصاد من طالبي المعرفة ومبتغي الثقافة في تلك الأيام.
الحياة العلمية والثقافية:
انتقل الشيخ النشرتي إلى القاهرة في صباه ليلتحق بالأزهر الشريف، ويتلقى تعليمه على أيدي الشيوخ الأجلاء فيه، واجتهد في تحصيله للعلم، وتقدم على أقرانه، وصارت له مكانة مرموقة، وحصل على قسط وافر من العلوم التي كانت معروفة في مصر في عصره، مما أهله للتدريس بالأزهر الشريف، وبلغ في هذا المجال شأنًا عظيمًا، جعل الطلاب يتوافدون على مجلسه من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكان هذا اعترافًا بفضل الشيخ ومنزلته ومكانته العلمية الرفيعة، وإقرارًا بزعامته لعلماء المالكية في عصره. ومن أجل ذلك كان هو أول من اتجهت إليه الأنظار لتولي المشيخة -بعد وفاة الشيخ إبراهيم محمد البرماوي (1101-1106هـ= 1689- 1694م)- وقد حرص الشيخ النشرتي على ألا تنفض حلقته الدراسية بعد توليه مشيخة الأزهر، في الفترة من عام ( 1106هـ= 1694م)، حتى عام (1120هـ= 1709م)، ليصبح الشيخ الثالث من المشايخ الذين تولوا مشيخة الأزهر، وظلَّ يواصل عمله في التدريس حتى لقي ربه وهو يؤدي رسالته على خير ما يكون أداء الرسالة والنهوض بأعبائها.
وإن دلَّ ذلك على شيءٍ فإنَّما يدل على أن أعمال الأزهر الإدارية لم تصرفه عن أداء رسالته التربوية السامية فإن نشر العلم عبادة، وكان الشيخ النشرتي يلقي دروسه وهو شيخ للأزهر بالمدرسة الاقبغاوية "مكان مكتبة الأزهر الآن".
وقد كانت له –وبإجماع علماء عصره– موهبة فذَّة في الشرح والتوضيح والإبانة ممَّا جذب لحلقات درسه الطلاب من جميع بلاد العالم الإسلامي، واستمرَّ الشيخ النشرتي أربعة عشر عامًا في مشيخة الجامع الأزهر، ولم تُؤثِّر على حلقات علمه التي انكبَّ عليها طلاب العلم.
توفي الشيخ النشرتي في يوم الأحد الموافق ( 28 ذي الحجة1120هـ= 9 مارس1709م)، بعد الظهر وأخر دفنه إلى صبيحة يوم الاثنين وصُلي عليه بالأزهر بمشهد حافل وحضر جنازته الصناجق، والأمراء، والأعيان، وكان يومًا مشهودًا، وهذا يدل على منزلته العظيمة، ومكانته السامية إلى جانب شهرته العلمية، وإلى امتداد ولايته لمنصب شيخ الأزهر أربعة عشر عامًا وهي مدة طويلة.
هذا ولم يعثر له على مؤلفات بعد وفاته، وعلى الأرجح أنه اكتفي بتدريس المصنفات المعروفة وبخاصة في مذهب المالكية، فقد ترك الشيخ النشرتي رجالًا، لأنه استطاع أن يربي طائفة من الزعماء المرموقين حملوا رسالته من بعده، وأدوها خير أداء، فبعض العلماء المرموقين يجد من الخير تأليف الكتب، وبعضهم يجد من الأفضل تأليف الرجال، والحياة الثقافية بحاجة إلى كلا الاتجاهين.
وكان طلبة النشرتي الملتفون حوله متأثرين به إلى درجة كبيرة ظهر أثرها بعد وفاته في تماسكهم واتحادهم، ومحاولة فرض آرائهم على ولاة الأمر، وأصروا على أن يتولى أحدهم المشيخة من بعده، وهو تلميذه الإمام الشيخ عبد الباقي القليني، وأصرت طائفة أخرى على أن يتولى المشيخة الشيخ أحمد النفراوي، واستطاعت الطائفة الأولى أن تفرض إرادتها فرضًا، فلما حضر الوالي عين الشيخ القليني شيخًا للجامع الأزهر.
الوظائف التي تولاها:
-تصدى للتدريس في الجامع الأزهر.
- تولى مشيخة الأزهر في الفترة من عام ( 1106هـ= 1694م )، حتى عام (1120هـ= 1709م ).
إنجازاته:
استطاع الشيخ النشرتي أن يربي ويخرج طائفة من العلماء المرموقين، الذين حملوا لواء رسالته من بعده، وأدوها خير أداء، ورفعوا شأن العلم، وكانوا درع الأمة الواقية في ميادين كثيرة.
تلاميذه:
وتتلمذ على يديه نخبة من علماء الأزهر الشريف ومنهم:
- أبو العباس أحمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري صاحب المؤلفات العديدة.
- عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين العالم الشهير.
- المحدث الأصولي الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم الكريمي الخالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري.
- الشيخ عبد الباقي القليني، الذي تولى المشيخة من بعده في عام ( 1120هـ= 1709م ).
وفاته:
في يوم 28 ذي الحجة1120هـ = 9مارس 1709م غربت شمس أحد أعلامنا النجباء الفضلاء، وأحد أئمتنا العظام، رحمه الله وطيَّب ثراه، وأعاد للأمة أمثال هؤلاء العلماء الأجلاء.
موقع ذاكرة الأزهر.