إنّ الأمم جميعًا تحاول دومًا أن تخلّد أحداثها وتجسّد ذكرياتها العظيمة وتحتفل بأيّام مجدها وبطولات أمجادها، فكذلك الأمّة الإسلامية، فقد اختار لها الله من أيّام دهرها أيّامًا مباركة تصب فيها نفحات الرّحمن على عباده صبًّا، ومن بينها يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم عرفة الّذي يكفّر صومه ذنوب سنتين ويوم النّحر حيث تقرّب القرابين لله جلّ علاه ويُطاف بالبيت سبعًا الإفاضة. وهذان اليومان من أيّام العشر الّتي أقسم بها الله تعالى في كتابه حين قال: ''والفجر وليال عشر''. والّتي قال عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما وأخرجه الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: ''ما من أيّام فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيّام، يعني أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال عليه الصّلاة والسّلام ''ولا الجهاد في سبيل الله إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء''.
ومن هذه الأيّام العشر يوم التروية (الثامن من ذي الحجّة) الّذي قال عنه صلّى الله عليه وسلّم ''مَن صام يوم التروية أعطاه الله ثواب صبر أيّوب عليه السّلام على بلائه ومَن صام يوم عرفة أعطاه الله ثوابًا مثل ثواب عيسى عليه السّلام''. وعنه صلّى الله عليه وسلّم أيضًا في فضل يوم عرفة''إذا كان يوم عرفة نشر الله رحمته، فليس من يوم أكثر عتقًا منه، ومَن سأل الله يوم عرفة حاجة من حوائج الدنيا والآخرة قضاها له، وصوم عرفة يكفِّر سنة ماضية وسنة مستقبلة''.
ويوم النّحر هو يومها يوم الهدي للحجيج ويوم الأضاحي لغيرهم من الموسّرين والجميع ينحر ما لديه من الأنعام ابتغاء مرضاة الله تعالى. قال عزّ وجلّ: ''والبُدْنَ جعلناها لكُم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وَجَبَت جُنُوبُها فَكُلُوا منها وأطعِمُوا القَانِع والمُعْتَر. كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون . لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم كذلك سخّرناها لكم لتُكبِّروا الله على ما هداكم وبَشِّر المحسنين'' الحج.3637
والأضحية سُنّة مؤكدة. وقد ضحّى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن نفسه بكبشين أملحين أقرنين عنه وعن آل بيته قال: ''اللّهمّ هذا عن محمّد وآله''، وضحّى عمّن لم يضحّ من أمّته صلّى الله عليه وسلّم.