كيف تكتب بحثا علميا
ان القدرة على ايصال المعلومات والمعارف بشكل ملموس ومختصر هي واحدة من اهم ادوات التعامل مع الاخرين, على المستوى الشخصي والمهني. وما يميز ايصال المعلومات بشكل مهني هو اننا نستفيد بشكل خاص من لغة ملونة تهدف الى اثارة المشاعر ( نأمل ان تكون ايجابية ). وعلى العكس, يشير استخدام اللغة الاحترافية غالبا الى نقل المعرفة باقل قدر ممكن من المشاعر. لذلك يُفضل ان تكون الكتابات الاكاديمية والعلمية ذات طابع احترافي وقاسٍ في نفس الوقت, والتي غالبا ما تعطي انطباعا صارما ولكنه ممل الى حد ما. وقلة اولئك الذين يدمجون ما بين الاحتراف والمهنية بحيث تكون كتاباتهم مختصرة وغنية بالمعلومات وفي نفس الوقت تشدّ القارئ اليها.
ان هذا الموضوع موجّه بالدرجة الاولى الى اولئك الذين لم يسبق لهم التعامل مع كتابة النصوص العلمية, او اولئك الذين ما زالوا في مراحلهم الاولى ولم يعتادوا بعد على التعامل مع هكذا اساليب من الكتابة. ولعلك تعلم عزيزي القارئ ان هذا الموضوع وحده لا يوصلك الى الاحترافية في الكتابة. فلاكتساب هذه المهارة لابد من التدريب المستمر على الكتابة, وقد يستغرق الامر وقتا طويلا يصل الى عدة سنوات.
وبشكل عام يجب ان يكون كل ما هو مكتوب في بحثك واضح ومتماسك ومنطقيا وقائم على الحقائق, ولا تنسى ان تكون مصادرك معتبرة علميا ( سنأتي لتفصيل ذلك لاحقا). وكذلك يجب عدم استخدام الكلمات والعبارات التي لا صلة لها بالموضوع, او تلك التي تسيئ الى مصداقية البحث. فعلى السبيل المثال ليس من المناسب استخدام الفاظ التشكيك والتردد مثل كلمة (ربما) اذا كان البحث ضمن الاختصاصات القانونية, على الرغم من وجود حالة استثناء اذا كانت تلك الالفاظ ذا صلة بالبحث المعني.
الهيكلية
بغض النظر عن نوع الكتابة الاكاديمية التي تتعامل معها, فانها عادة ما تكون مبنية على عدة مستويات والتي تشكل جميعها معا النتيجة النهائية والانطباع حول الكتابة. واعلى مستوى من النص هو العنوان وعدد الصفحات. اما الخطوة التالية فهي العنوانين الرئيسية, وهي عنوانين مجردة هدفها بناء محتوى النص, وتحدد مكان كل فقرة في النص.
في البداية قد يكون من السهل رؤية عنوان البحث الرئيسي كوصف للنص الذي كتبته بالفعل, ولكن عادة ما يكون العكس اكثر فاعلية, اي وضع عنوان البحث قبل المحتوى. واذا كنت تستخدم برامج الكتابة فعليك الاهتمام بحجم الخط وتقسيمه الى مقاطع ذات صلة مختلفة, وكل مقطع يجب ان يتكون من اكثر من جملة.
الية الكتابة
البداية
ابدأ بالاحاطة والتفكير بما سيحتويه البحث او المقالة, ثم دوّن الملاحظات ورؤوس الاقلام في قصاصات ورقية خارجية قبل ان تبدأ باهم فقرة, وهي كتابة البحث. وحتى اذا كنت غير متأكد من المحتوى او كيفية صياغة العبارات وتنسيق الفقرات بشكل صحيح, او كانت هناك فوضى عارمة في بحثك فمن الضروري ان لا تثبط عزيمتك وتستسلم لليأس.
فمن الاسباب الشائعة لعدم حصول الطالب عن درجة في بحثه هو ان الطالب لم يقدم شيئا. فحتى لو لم تكن راضيا عما تكتبه فمن الافضل ان لا تستسلم وبالتالي لا تقدم شيئا.
وكذلك من الاخطاء الشائعة لدى الطلاب هو التركيز المفرط على الكلمات نفسها. فعليك ان تعلم انه متى ما بدأت مع بناء هيكلية النص مع العناوين الفرعية, فعادة ما تأتي الكلمات من تلقاء نفسها.
وبحسب الاحصائيات فانه من النادر جدا ان يصل النص من الوهلة الاولى الى نسبة 25 % من الجودة المطلوبة. فلا داعي للذعر اذا لم يصل البحث الى هذه النسبة من اول محاولة. وتذكر ان تتصل بمشرف البحث, او الفاحص, حيث تكون لديه الكلمة الاخيرة حول جودة البحث. ومن الافضل ان تتصل به مبكرا حتى يكون لديك متسع من الوقت للتصحيح ان لزم الامر.
المراجعة والتعديل
عندما تتم اعادة كتابة البحث العلمي فانه غالبا يكون اكثر صعوبة مما كان عليه في بادئ الامر. وللحصول على نص بالمستوى المطلوب من الجودة ينبغي مراجعته مرة اخرى وجعله اكثر سهولة. ومع ذلك, فان النجاح في هذه الباقة يعتمد بشكل كامل تقريبا على المهارات والخبرات الشخصية. ولكن يجب على المؤلف دائما ان يحاول القيام بذلك.
راجع النص جملة جملة وتأكد من عدم وجود اخطاء املائية او لغوية, تحقق من الغرض من الجملة وان كانت في المكان المناسب. راجع الكلمات والعبارات المتكررة, ومع ذلك لاحظ ان المفاهيم التي تُناقش باستمرار يجب ان يتم ذكرها بنفس الطريقة, بغض النظر عن كمية التكرار, وذلك لتفادي الوقوع في التباس المعاني او ذكر معلومات غير ذات الصلة بالبحث. فمثلا اذا قمت بتسمية الكرة بـ (الكرة) فلا تغيّر فجأة الى مصطلح (الشكل الدائري ) اذا تكرر ذكر الكرة.
وعندما تنتهي من تصحيح الجمل على حدة كرر نفس العملية مع مقطع نصي كامل, وافعل الشئ نفسه مرة اخرى لكل فقرة ( تحت العنوان الفرعي ).
واخيرا يجب عليك مراجعة ارتباط العناوين الفرعية مع بعضها البعض, واذا كانت هناك ضرورة لاستبدال بعض العنوانين او نقلها لمكان اخر.
الجماليات
في الكتابات الاكاديمية يجب ان يكون النص دائما باللون الاسود, باستثناء العناوين الفرعية التي يمكن ان تكون باحد الالوان اللطيفة غير الاسود. والسبب في اعتماد اللون الاسود هو لان الالوان لها معنى وسياق ثقافي بعيد المدى, فاللون الازرق مثلا هو رمز للماء والمعرفة, لذا وجب ان تكون النصوص سوداء حتى لا تعطي اي انطباع معرفي او ثقافي.
وعندما يتعلق الامر بالارقام, فقد يكون من المفيد استخدام اللون, حاول ان تستخدم الالوان بشكل تربوي. فمثلا عند الحديث عن درجات الحرارة عادة ما يتم تطبيق تدرج الالوان ( بنفسجي- ازرق- ابيض- اصفر- برتقالي- احمر) حيث يكون البنفجسي الاكثر برودة والاحمر الاكثر حرارة, مما يعني ان اختيار اللون يأتي بشكل طبيعي بين اللون ودرجة الحرارة.
واذا كنت تتعامل مع البيئة فقد يكون من المناسب استخدام المقياس اللوني (ازرق- اخضر- اصفر). وغالبا ما توفر برامج معالجة النصوص القدرة على تغيير الاعدادات المسبقة لكيفية تنسيق اجزاء مختلفة من النص ( اللون والخط والحجم), والتي يمكن ضبطها بسهولة قبل البدأ بالكتابة.
قالب الكتابة
بالرغم من وجود قوالب جاهزة للمشاريع البحثية المختلفة, الا ان اغلب المشرفين والاساتذة لديهم متطلبات خاصة فيما يتعلق بالبحوث التي تُقدم اليهم من الطالب. لذلك انت ملزم باتباع تعليمات الاستاذ بالدرجة الاولى, دون اي اجتهاد شخصي او اتباع منهجية اخرى.
والقالب الذي نحن بصدد ذكره هو المعتمد في اغلب المؤسسات التعليمية وفي جميع الاختصاصات تقريبا.
- العنوان: يجب ان يكون العنوان عبارة عن تمثيل موجز ووصف لجوهر البحث. فالعنوان في البحوث العلمية عادة ما يكون مؤلف من مجموعة من الكلمات. ومن الضروري ايضا ان لا تبدأ بكتابة محتوى البحث قبل اختيار العنوان.
- الخلاصة: تحتوي الخلاصة على الغاية من البحث والفرضية ( ان وجدت ) والنتيجة التي توصل اليها البحث وبعضا من المناقشة. لا تعطي اي مصادر في الملخص واحرص على ان لا تزيد الكلمات عن الـ 200 كلمة.
- المقدمة: عادة ما تعطي المقدمة الاجابة على السؤال ( لماذا هذا الموضوع مهم؟), اي انك تعطي ملخصا تاريخيا لاهمية الموضوع الذي يتناوله البحث. هنا يتم تقديم الدراسات السابقة والمصادر التي استند اليها البحث, وكذلك جميع المعلومات اللازمة للمناقشة ( في بعض الاحيان قد تحتاج الى العودة وملئ المقدمة بالبيانات عند كتابة المناقشة).
وبعد المقدمة لن تذكر اي معلومات عن خلفية البحث.
- الغرض والهدف: هنا يجيب البحث عن السؤال (لماذا يجب القيام بهذا الامر؟). من السهل تخيل ان الغرض هو نفسه الهدف من البحث, ولكن هذا ليس صحيحا. فالكلمة المرادفة الافضل للغرض هي ( المبرر) للقيام بهذا البحث, ولماذا يجب تحقيق الهدف. اما الهدف من البحث فهو المستوى والنتيجة التي تريد الوصول اليهما من خلال بحثك.
- الية العمل: يجيب هذا الجزء من البحث على السؤال (ماذا فعلت؟). ينبغي ان يكون القارئ قادرا على اعادة تجاربك او حساباتك وتقييم مدى موثوقية نتائجك. اذكر اي شئ قمت به من اجل انجاز البحث ولا تتجاوز اي معلومة مهما كانت صغيرة. العناوين الفرعية مفيدة جدا في هذا الجزء. هنا يجب ان لا تذكر اي شئ عن نتائج البحث.
- النتائج: في هذا الجزء نحصل على جواب السؤال ( ما هي الاجابة التي حصلت عليها؟). تجعل الرسوم التوضيحية المقالة اكثر متعة في القراءة. استخدم الجداول والرسوم البيانية لابراز الارقام المهمة والاتجاهات, ولكن احرص على ان لا تشكل الرسوم اكثر من 50 % من المقالة. وكذلك يجب ان لا تنسى ضرورة كتابة نصوص توضيحية للرسوم والجداول والاشكال التصويرية. و ضع باعتبارك انه يجب فهم الرسوم حتى اذا تمت طباعة المقال بالاسود والابيض.
- المناقشة: عادة ما يكون النقاش هو الجزء الاصعب في الكتابة, اذ يجب ان توافق ما بين الحقائق الواقعية والرؤية الشخصية. ففي هذه المساحة عليك ان تجيب على السؤال (ماذا يعني؟), ان تقوم بترجمة النتائج التي توصلت اليها والمقارنة بينها وبين ما توصل اليه الباحثون الاخرين. بمعنى اخر في هذه المساحة انت تقدم نقدا ذاتيا لبحثك , واذا كنت قد توصلت لنتائج غير متوقعة فقد تكون بحاجة الى مصادر معتبرة لتدعم وجهة نظرك.
ولكي تقدم مناقشة متكاملة, عليك اتباع النقاط التالية:
1. ابدأ المناقشة بتقييم كامل البحث.
2. مناقشة النتائج على اساس المعلومات الواردة في المقدمة.
3. تقييم اسلوب العمل.
4. تقييم الحاجة الى دراسات وابحاث مستقبلية.
5. اعطاء نوع من الاستنتاج النهائي للبحث.
- المصادر: ان اهمية المصادر تتمثل في زيادة مصداقية بحثك ومساعدة القراء على العثور على المزيد من المعلومات من خلال الاطلاع على البحوث والدراسات الاخرى.
ويختلف النظام المرجعي المستخدم بين المشاريع والجامعات والتخصصات, لذلك عليك ان تتحقق دائما من مرشدك من النظام القابل للتطبيق في مشروعك البحثي.
وبشكل عام فيحب دائما الاعتماد على المصادر المعتبرة علميا مثل الدراسات الجامعية المحققة والبحوث التي تصدر من المؤسسات الرسمية ذات العلاقة بموضوع بحثك, و المؤلفات والمصنفات التعليمية وكذلك مواقع الانترنت التابعة للمؤسسات الرسمية المعتبرة, على ان تذكر تحديدا تاريخ اطلاعك على المعلومة فضلا عن تاريخ نشرها. ومن المهم جدا ان تبتعد عن المصادر غير المعتبرة مثل المواقع مفتوحة المصدر التي يمكن لاي كان تحريرها واضافة المعلومات فيها.
ومن الاخطاء الشائعة التي يقع فيها الطلاب المبتدؤون هو اعتمادهم على المنشورات الدورية, كالمجلات, والتي في الواقع لا تُعد مصادرا معتبرة علميا كون محرريها من الصحفيين وليسوا باحثين.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وسـام
