تاريخ مدينة الكوفة والنجف الاشرف

النجف قبل الإسلام

يعود تاريخ منطقة النجف إلى عصور قديمة سبقت ظهور الإسلام حيث أن تاريخ هذه المنطقة لم يبدأ بنشوء مملكة الحيرة كما يتصور البعض فهو أبعد من ذلك زمنيا ‘ حيث كما ذكرنا أن إبراهيم (ع) قد مر بهذه المنطقة واشتراها من السكان المحيطين بها 0 واستوطن فيها كما أشار إلى ذلك ياقوت الحموي(48).
إلا أن هذه النصوص التي وردتنا خلال تلك المرحلة التاريخية كانت قليله جدا لذا دعتنا إلى عدم الخوض في هذه الحقبة التاريخية وذلك لوجود عدد كثير من الحلقات المفقودة من تاريخ هذه المنطقة لذلك نبدأ بتاريخ المنطقة من تاريخ الحيرة فقد أشارت المصادر الجغرافية والتاريخية بان الحيرة على النجف(49) ، و قال ياقوت الحموي ((الحيرة مدينه كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف ))(50) والى مثل هذا القول أشار أبو الفداء بقوله ((والحيرة موضع يقال له النجف))(51) .
ومن هنا نلاحظ أن الحيرة نشأت في البقعة الجغرافية التي تعرف بـ (النجف ) فكان لابد أن تضاف الحيرة إلى النجف فيقال (حيرة النجف ) إلا أن العادة جرت بتعريف الغامر بالعامر فأضيفت النجف إلى الحيرة 0 فقيل ((النجف ألحاري))(52) وهذا ما أكده عبد المحسن شلاش بقولة ((وأما النجف فهو جزء من حيرة العرب))وقصد بذلك الارتباط التاريخي و الحضاري بين النجف والحيرة والى هذا المعنى أشار الشاعر البحتري بقوله:

أمق الكوفة أرضاً وأرى (نجف الحيرة) أرضاها وطن
ويرجع بناء مدينة الحيرة و تأسيسها إلى الملك الكلداني نبوخذ نصر الثاني ( 604 - 562 ق . م)، حيث انه جمع تجار العرب و بنى لهم حيراً على النجف و حصنه ثم ضمهم فيه ووكل بهم حرساً وخططه ، وجاءت التنقيبات الأثرية في منطقة الحيرة لتؤكد هذا الأمر، حيث عثر على مخلفات مادية يرجع زمنها إلى العصر البابلي الحديث ، من هنا يمكن أن نقرب تاريخ منطقة النجف من خلال صلة النجف بالحيرة فقد أسست هذه المملكة العربية على منطقة النجف التي تقع ضمن بقعة جغرافية محدده وكان يطلق على النجف مصطلح (الظهر) أو (ظهر الحيرة ) نتيجة لارتفاع النجف عنها كما ذكر سابقا .
وتعتبر النجف ضاحية من ضواحي الحيرة يختلف إليها ملوك الحيرة وأمراؤها طلبا للراحة والاستجمام . وذلك لاعتدال مناخها ،وعذوبة هوائها ،كما اتخذوها مصحة ((للأجسام العليلة ومناجاة من الأمراض الوبيلة )) وأيد ذلك إسحاق الموصلي عندما زار النجف مع الخليفة العباسي الواثق (227-232 هـ) بقوله.

يا راكب العيش لا تعجل بنا وقف نحيي دار السعدي ثم ننصرف
ما أن أرى الناس في سهل ولا جبل أصفى هواءً ولا أعذب من النجف
وقد اكتسبت النجف كمنطقة أبعاداً حضارية لارتباطها بمملكة الحيرة بما بني على أرضها من أديرة وقصور وقلاع حيث كان للموقع الجغرافي لمنطقة النجف كونها ضاحية من ضواحي الحيرة وتطرفها في الصحراء أثر كبير في انتشار الأديرة المسيحية فيها.
ويرى الطريحي، أن هذه قد ((اختصت بالحسن وجمال الطبيعة لأن أكثر ما تكون بين الرياض والحدائق، وفي قمم الجبال والروابي المطلة على الأودية والسهول الفسيحة وفي المواقع المنقطعة عن الناس)).
إن ابتعاد هذه الأديرة عن مداخل المدن واتخاذها الأماكن النائية جعلها هدفاً للطامعين واللصوص ولذا قاموا بتحصينها وجعلوا عليها أسواراً عالية وأحكموا صنع أبوابها ، ومن هذه الأديرة:
1- ديارات الأساقف: وتقع هذه الديارات في منطقة النجف، بظهر الكوفة وهو أول الحير وهي عبارة عن قباب وقصور.
2- دير الأسكون: من الأديرة التي عرفت بها منطقة النجف، ويوصف موضعه إنه راكب على النجف، وهو من أنزه دياراتها، وفيه قلاليوهياكل ورهبان.
3- دير الأعور: يقع هذا الدير بظاهر الكوفة وينسب لرجل من أياد يقال له الأعور من بني حذافة بن زهير بن زياد.
4- دير هند الكبرى: ويدعى هذا الدير بدير هند الأقدم، ويقع على طرف النجف أو على طف النجف
5- دير هند الصغرى: ويعد هذا الدير من أعظم ديارات الحيرة وأعمرها وهو بين النجف والكوفة
هذا استعراض سريع لبعض الأديرة ويمكن للمتتبع أن يرجع إلى مصادر البحث لمعرفة المزيد عن تفاصيل هذه الأديرة.
كما اشتهرت منطقة النجف بكثرة القصور والقلاع كما ذكرنا وأصبح لها طراز خاص يعرف بالطراز الحيري، لما تتمتع به من موقع جغرافي ومناخ معتدل ، وتربة حسنة وعذوبة الهواء، حيث أصبح يقصدها الناس على أختلاف طبقاتهم للتنزه والراحة والإستجمام، ومن هذه القصور:

1- قصر الأبيض :
وهو أحد قصور الحيرة ، ويعرف أيضاً بأبيض النعمان ، ويقع هذا القصر في منطقة النجف، حيث يذكر إبن الفقيه أنه ((في طرف الحيرة)) إلا أن الطبري كان أكثر دقة بتحديد موقع هذا القصر بقوله ((أن خالد بن الوليد عسكر بين الغريين والقصر الأبيض)) ، وهذا النص الذي ذكره الطبري أعطانا دلالة واضحة على أن القصر الأبيض قرب الغريين من جهة النجف.

2- قصر بني بقيلة :
وهو أحد قصور الحيرة، الذي ينسب لعبد المسيح الغساني، وقد بقي هذا القصر ماثلاً للوجود حتى أواخر القرن الرابع الهجري، وذلك حسبما ذكره الشابشتي المتوفى عام 388هـ ، أن هذا القصر وقصور أخرى كانت باقية إلى عصره
3- قصر الخورنق
وهو من أهم القصور التي عرفت بها منطقة النجف وأبعدها صيتاً، وقد نسجت الكثير من القصص والأساطير حول سبب بناء هذا القصر وبانيه.
ويقع قصر الخورنق حسبما ذكر الجغرافيون والمؤرخون في منطقة الظهر ((ظهر الحيرة – ظهر الكوفة))، لكن هناك إشارات تقرب الخورنق من أرض النجف، حيث يقول اليعقوبي ((والخورنق بالقرب منها – النجف – مما يلي الشرق وبينه وبين الحيرة ثلاثة أميال)).
وقد أجرت الهيئة العامة للآثار والتراث عام 1947م سلسلة من الحفائر في تل الخورنق وقد لاحظت بعض بقاياه
4- قصر السدير
ويقع بالقرب من قصر الخورنق وهو أيضاً من قصور النجف المهمة وينسب بناء هذا القصر إلى النعمان بن أمرىء القيس ((403 – 430م))، وهناك قصور أخرى ينسب بناؤها إلى أمرىء القيس بن النعمان بن أمرىء القيس وهي قصر العذيب والضجر وهي واقعة أيضاً في منطقة النجف.
وهذه هي أهم القصور التي كانت تحيط بمنطقة النجف حيث كانت تمثل الوجه الحضاري لها وأضفت لها بعداً تاريخياً، أضف إلى ذلك كانت هناك بعض المباني الأخرى التي كانت تحيط بمنطقة النجف ومنها (دوحة الحيرة) وقد أسماها البكري بـ((دوحة الكوفة)) وقال ((هي النجف بعينه)).