أعادت فعاليات "تاريخنا_مسك" المقامة في جدة التاريخية حنين الماضي، والمشهد الذي كان معتاداً قبل عقود بهذه المنطقة من خلال مشاهد تجسد الحياة في تلك الفترة.
ويجلس محمد اليوسف في مكان بارز وسط منطقة جدة التاريخية يسمى "المركاز"، الذي أعد له مرتديا الزي الحجازي، مجسدا دور "العمدة" الذي كان الناس يعودون إليه لحل خلافاتهم وتقديم العون لهم.
ويؤكد اليوسف أن أهالي جدة تميزوا بالعصامية والقيام بأي مهنة توفر لهم لقمة العيش مهما كانت مشاق تلك المهن، واستشهد هنا بمهنة "فرقنا" والتي يجوب صاحبها الحواري القديمة، حاملا على ظهره ما تسمى بـ "البقشة" والتي تحتوي على أنواع من الأقمشة وبعض من مستلزمات البيوت في ذلك الزمن.
أزقة الحواري
ويستعرض العمدة اليوسف مهنة أخرى، وهي "السقا" وهو بائع الماء الذي كان يجوب أزقة الحواري ليروي عطش أصحابها مقابل مبالغ رمزية عبر عربته الخاصة التي كانت عادةً تجرّها البغال، فيما كانت مهنة "المزين" الذي يقوم بدور الحلاق حاليا؛ بجانب أنه كان قديما أشبه بالطبيب المختص بعلاج بعض الأمراض البسيطة والمعني بالقيام بعمليات الختان للصغار.
وتطرق اليوسف كذلك إلى مهنة "الكندرجي" التي اختفت في شكلها التقليدي المتمثل بالبسطة وتطورت مع ارتفاع مستوى المعيشة، وقد كانت تتعلق بتنظيف الأحذية وتخريزها لتصبح تجارة أكثر اتساعاً في هذا المجال، فيما كانت المقاهي جزءاً اجتماعياً هاماً في حياة جدة القديمة والتي يجتمع فيها أصحاب المهن جميعا لتناول الشاي بالنعناع والينسون الذي يقدمه "القهوجي" وهو الصبي الذي يجلب طلبات الزبائن، فيما تتميز هذه المقاهي كذلك بوجود "الحكواتي" أو "الراوي" المعروف بسرد القصص حيث يلتف الزوار حوله للاستماع إلى حكاياته وأحاديثه المتنوعة في محتواها بين الإرث المحلي والعالمي.
وتضمنت الفعاليات مسرحا مفتوحا لتجسيد مهن أهالي جدة القديمة عبر مشاهد "زمن الطيبين" من أداء عدد من الممثلين من سكان المنطقة، والذين جسدوا أكثر من 20 شخصية قديمة لم يعد لها وجود في العصر الراهن.
ربط الماضي بالحاضر
وتهدف مسك الخيرية من خلال هذه الفعالية التي تتزامن مع احتفالات المملكة باليوم الوطني 88 إلى تجسيد روح الانتماء وربط الماضي بالحاضر ليكون شاهدا على نهضة كبيرة شهدتها البلاد وترسيخ مفهوم التراث المهني الذي كان الأجداد يمارسونه ليزرعوا في أذهان الجميع أن القدماء لم يكونوا يتحرجون من القيام بأي مهنة شريفة.
يشار إلى أن فعالية تاريخنا مسك تعد إحدى الفعاليات التي ينظمها مركز المبادرات التابع لمؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز "مسك الخيرية" ضمن دورها في تشجيع الإبداع وتعزيز القيم الوطنية لدى الشباب والمجتمع بشكل عام، وذلك من خلال تأكيد هذه الفعالية على ربط الأجيال بالتاريخ كمحفز ملهم للانطلاق نحو مستقبل واعد.