من المشرفين القدامى
بياض الثلج
تاريخ التسجيل: September-2016
الدولة: ❤ In his heart ❤
الجنس: أنثى
المشاركات: 17,457 المواضيع: 7,913
صوتيات:
7
سوالف عراقية:
0
مزاجي: ماشي الحال
المهنة: موظفة
أكلتي المفضلة: تشريب احمر
موبايلي: نوكيا5
آخر نشاط: 23/May/2020
مع المجالس الحسينية المكتوبة..المجلس الخامس من يوم عاشوراء..أعظم الله لكم الأجر بمصاب
فخرجت وأخذت بعنان الجواد ، وأقبلت إليه وهي تقول : لمن تنادي؟ وقد قرحت فؤادي...
الشيخ عبد الله ابن الحاج حسن آل درويش
روي في بعض المقاتل : لمَّا أراد الحسين(عليه السلام) أن يتقدَّم إلى القتال نظر يميناً وشمالا ، ونادى : ألا هل من يقدِّم لي جوادي؟ فسمعت زينب(عليها السلام) فخرجت وأخذت بعنان الجواد ، وأقبلت إليه وهي تقول : لمن تنادي؟ وقد قرحت فؤادي ، وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
مَنْ ذا يقدِّمُ لي الجَوَادَ وَلاَمَتِي وَالصَّحْبُ صَرْعى والنصيرُ قليلُ
فَأَتْتهُ زينبُ بالجَوَادِ تَقُودُهُ والدَّمْعُ مِنْ ذِكْرِ الْفِرَاقِ يَسِيلُ
وتقولُ قد قَطَّعْتَ قلبي يَا أَخِي حُزْناً وياليتَ الجبالَ تزولُ
وَلِمَنْ تُنَادي والحُمَاةُ عَلَى الثَّرَى صَرْعَى وَلاَ مِنْهُمْ يُبَلُّ غَلِيلُ
مَا في الخيامِ وَقدْ تَفَانَى أَهْلُها إلاَّ نِسَاءٌ وُلَّهٌ وَعليلُ
أَرَأَيْتَ أُخْتاً قد أتت لِشَقِيقِهَا فَرَسَ الْمَنُونِ وَلاَحِمَىً وكفيلُ
فَتَبَادَرَتْ منه الدُّمُوعُ وَقَالَ يَا أُخْتَاهُ صبراً فالمصابُ جليلُ
فبكت وقالت يابنَ أُمّي ليس لي وَعَلَيْكَ ما الصَّبْرُ الجميلُ جميلُ
قال الشيخ الطريحي عليه الرحمة : ثمَّ إنّ الحسين(عليه السلام) لمَّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلا من أهل بيته صرعى ، فالتفت إلى الخيمة ونادى : يا سكينة! يا فاطمة! يا زينب! يا أم كلثوم! عليكنَّ منّي السلام ، فنادته سكينة : يا أبه! استسلمت للموت؟! فقال : كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين؟! فقالت : يا أبه! ردَّنا إلى حرم جدِّنا ، فقال : هيهات ، لو ترك القطا لنام ، فتصارخن النساء
فسكَّتهنَّ الحسين(عليه السلام) ، وحمل على القوم.
وفي بعض الروايات : ثم دعا (عليه السلام) بأخته زينب (عليها السلام) وصبرها ، وأمرّ يده على صدرها وسكّنها من الجزع ، وذكر لها ما أعد الله من الثواب للصابرين ما وعدالله من الكرامات للمقربين فرضيت (عليها السلام) ، وقالت : يا ابن أمي طب نفساً وقر عيناً فإنّك تجدني كما تحب وترضى .
قال بعض الرواة : وقال الحسين (عليه السلام) : ابعثوا إليَّ ثوباً لا يُرغب فيه أجعله
ثيابي لئلا أُجرَّد ، فأُتي بتبّان ، فقال : لا ، ذاك لباس من ضربت عليه بالذلة فأخذ (عليه السلام) ثوباً خَلِقاً فخرَّقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قُتل (عليه السلام)جرَّدوه منه .
ثم استدعى الحسين (عليه السلام) بسراويل من حبرة ففزرها ولبسها ، وإنما فزرها لئلا يُسلبها ، فلمَّا قتل (عليه السلام) سلبها أبجر بن كعب وتركه مجرَّداً ، فكانت يدا أبجر بعد ذلك ييبسان في الصيف كأنهما عودان ، ويترطَّبان في الشتاء فينضحان دماً وقيحاً إلى أن أهلكه الله تعالى.
ثم إنه (عليه السلام) أمر عياله بالسكوت وودعهم ، وكانت عليه جبة خز دكناء ، وعمامة مورَّدة أرخى لها ذوابتين ، والتحف ببردة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقلد بسيفه.
قال الراوي : ثمَّ قام الحسين(عليه السلام) وركب فرسه ، وتقدَّم إلى القتال ، ووقف(عليه السلام)قبالة القوم وسيفه مصلت في يده ، آيساً من الحياة ، عازماً على الموت ، وهو يقول :
أنا ابنُ عليِّ الطُّهْرِ من آلِ هَاشِم كَفَاني بهذا مَفْخَراً حين أَفْخَرُ
وَجَدّي رسولُ اللهِ أَكرمُ مَنْ مَضَى ونحنُ سِرَاجُ اللهِ في الخَلْقِ نَزْهُرُ
وَفَاطِمٌ أمّي من سُلاَلةِ أحمد وَعَمِّيَ يُدْعَى ذَا الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ
وفينا كِتَابُ اللهِ أُنْزِلَ صَادِقاً وفينا الْهُدَى والْوَحْيُ بالخيرِ يُذْكَرُ
ونحنُ أَمَانُ اللهِ للنَّاسِ كُلِّهِمْ نُسِرُّ بهذا في الأَنَامِ وَنَجْهَرُ
ونحنُ وُلاَةُ الْحَوْضِ نَسْقِي ولاتَنَا بِكَأْسِ رَسُولِ اللهِ ما ليس يُنْكَرُ
وَشِيْعَتُنا في الناسِ أَكْرَمُ شِيْعَة وَمُبْغِضُنا يومَ القيامةِ يَخْسَرُ
ثم إنّه(عليه السلام) دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال ، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة .
لَهُ من عليٍّ في الحُرُوبِ شجاعةٌ ومن أَحْمَد عند الخِطَابةِ قيْلُ
ثمَّ حمل(عليه السلام) على الميمنة ، وقال :
الموتُ خيرٌ من رُكُوبِ العار والعارُ أولى من دُخُولِ النارِ
ثم حمل على الميسرة وهو يقول :
أنا الحُسَينُ بنُ علي آليتُ أنْ لاَ أَنْثَنِي
أحْمِي عَيَالاَتِ أَبِي أَمْضِي عَلَى دينِ النبي
قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : قال بعض الرواة : فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولدُه وأهل بيته وصحبه أربطَ جأشاً منه ، وإن كانت الرجال لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمَّلوا ألفاً فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثمَّ يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.
قال محمد بن أبي طالب وصاحب المناقب والسيِّد عليهم الرحمة : فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً ، فناداه شمر فقال : ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرُّض لحرمي مادمت حيّاً ، فقال شمر : لك هذا ، ثمَّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل ، فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفوٌ كريم .
قال : فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء ، فكلَّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحلّوه عنه.
قَالَ اقْصدُوني بنفسي وَاتْرُكُوا حُرَمِي قَدْ حَانَ حَيْنِي وَقَدْ لاَحَتْ لَوَائِحُهُ
قال محمد بن شهر آشوب : روى أبو مخنف عن الجلودي أن الحسين(عليه السلام)حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة ، وأقحم الفرس على الفرات ، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال(عليه السلام) : أنت عطشان وأنا عطشان ، والله لاذقت الماء حتى تشرب ، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين(عليه السلام) شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام ، فقال الحسين(عليه السلام) : فأنا أشرب ، فمدَّ الحسين(عليه السلام) يده فغرف من الماء ، فقال فارس : يا أبا عبدالله! تتلذَّذ بشرب الماء وقد هُتكت حُرمك؟ فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم ، فكشفهم فإذا الخيمة سالمة.
مَنَعُوه من مَاءِ الفُرَاتِ وَوِرْدِهِ وأبوه ساقي الحوضِ يَوْمَ جَزَاءِ
حَتَّى قَضَى عطشاً كما اشتهت العِدَى بِأَكُفِّ لاَ صِيْد وَلاَ أَكْفَاءِ
قال أبو الفرج الإصبهاني : قال حميد بن مسلم : وجعل الحسين(عليه السلام) يطلب الماء وشمر يقول له : والله لا ترده أو ترد النار ، فقال له رجل : ألا ترى إلى الفرات ـ يا حسين ـ كأنه بطون الحيتان ، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً ، فقال الحسين(عليه السلام) : اللهم أمته عطشاً ، قال : والله لقد كان هذا الرجل يقول : اسقوني ماء ، فيؤتى بماء فيشرب حتى يخرج من فيه ، ثم يقول : اسقوني ، قتلني العطش ، فلم يزل كذلك حتى مات لعنه الله.
قالوا : ثمَّ رماه رجل من القوم ـ يكنّى أبا الحتوف الجعفي ـ بسهم ، فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال(عليه السلام) : اللهم إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة ، اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً .
ثمَّ حمل عليه كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلاَّ بعجه بسيفه فقتله ، والسهام تأخذه من كل ناحية ، وهو يتّقيها بنحره وصدره ، ويقول : يا أمَّة السوء! بئسما خلفتم محمداً في عترته ، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي ، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون .
قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني ، فقال : يا ابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منّا؟ قال : يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثم يصبُّ عليكم العذاب الأليم ، ثم لم يزل يقاتل حتى أصابته جراحات عظيمة .
قال ابن العرندس عليه الرحمة :
فَفَرَّقَ جَمْعَ القومِ حتّى كأنَّهم طُيُورُ بُغاث شَتَّ شَمْلَهُمُ الصَّقْرُ
فَأَذْكَرَهُمْ ليلَ الهريرِ فَأَجْمَعَ الكلابُ على اللَّيْثِ الْهِزَبْرِ وَقَدْ هَرُّوا
هُنَاكَ فَدَتْهُ الصَّالِحونَ بِأنْفُس يُضَاعَفُ في يومِ الحِسَابِ لها الأَجْرُ
وَحادُوا عَنِ الكُفَّارِ طَوْعاً لِنَصْرِهِ وَجَادَ لَهُ بالنفسِ مِنْ سعدِهِ الحُرُّ
وَمَدُّوا إليه ذُبَّلا سَمْهَرِيَّةً لِطُولِ حَيَاةِ السِّبْطِ في مَدِّها جَزْرُ
قالوا : فوقف(عليه السلام) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حَجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدَّد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره ـ وفي بعض الروايات على قلبه ـ فقال الحسين(عليه السلام) : بسم الله وبالله ، وعلى ملّة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي! إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيٍّ غيره ، ثمَّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلمَّا امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين(عليه السلام) بدمه إلى السماء ، ثمَّ وضع يده ثانياً ، فلمَّا امتلأت لطَّخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله! قتلني فلان وفلان .
ثمَّ ضعف عن القتال فوقف ، فكلَّما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه ، حتّى جاءه رجل من كندة يقال له : مالك بن النسر ، فشتم الحسين(عليه السلام) وضربه بالسيف على رأسه ، وعليه برنس فامتلأ دماً ، فقال له الحسين(عليه السلام) : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين ، ثمَّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمَّ عليها ،وقد أعيى ، وجاء الكندي وأخذ البرنس وكان من خزٍّ ، فلمَّا قدم بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه ، فقالت له امرأته : أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله؟ اخرج عنّي ، حشى الله قبرك ناراً ، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوأ حال ، ويبُست يداه ، وكانتا في الشتاء تنضحان دماً ، وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان .
قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين(عليه السلام) فطعنه بالرمح ، ثم قال : عليَّ بالنار أحرقه على مَنْ فيه ، فقال له الحسين(عليه السلام) : يا ابن ذي الجوشن! أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي ، أحرقك الله بالنار ، وجاء شبث فوبَّخه فاستحيى وانصرف .
قال الراوي : ولما أُثخن (عليه السلام) بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة ، فسقط(عليه السلام) عن فرسه إلى الأرض على خدِّه الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه .
قال : وخرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي : واأخاه! واسيِّداه! وا أهل بيتاه! ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل .
قال : وصاح الشمر : ما تنتظرون بالرجل؟ فحملوا عليه من كل جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه ، وضرب الحسين زرعة فصرعه ، وضربه آخر على عاتقه المقدَّس بالسيف ضربة كبا(عليه السلام) بها لوجهه ، وكان قد أعيى ، وجعل(عليه السلام)ينوء ويكبو ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ، ثمَّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ، ثمَّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السهم في نحره ، فسقط(عليه السلام) وجلس قاعداً ، فنزع السهم من نحره ، وقرن كفّيه جميعاً ، وكلَّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته ، وهو يقول : هكذا حتى ألقى الله مخضَّباً بدمي ، مغصوباً عليَّ حقّي.
قال حميد بن مسلم : وخرجت زينب بنت علي(عليه السلام) وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض ، يا عمر بن سعد! أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه؟ ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته ، وهو يصرف وجهه عنها ، والحسين(عليه السلام) جالس ، وعليه جبّة خزٍّ ، وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ، ما تنتظرون به؟ قد أثخنته الجراح والسهام اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم ، فحملوا عليه من كل جانب قال الراوي : وهو يكبو مرّة ويقوم أخرى ، فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه وفي رواية فوقع (عليه السلام) على خده الأيمن ، وقال لخولي بن يزيد : اجتزَّ رأسه! فضعف وارتعدت يده ، فقال له سنان : فتَّ الله عضدك ، وأبان يدك ، فنزل إليه شمر لعنه الله ، وكان اللعين أبرص ، فضربه برجله فألقاه على قفاه ، ثمَّ أخذ بلحيته ، فقال الحسين(عليه السلام) : أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي ، فقال : أتشبِّهني بالكلاب؟ ثمَّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين(عليه السلام) .
وقيل : جاء إليه شمر وسنان بن أنس ، والحسين(عليه السلام) بآخر رمق ، يلوك لسانه من العطش ، ويطلب الماء ، فرفسه شمر ـ لعنه الله ـ برجله ، وقال : يا ابن أبي تراب! ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيِّ(صلى الله عليه وآله) يسقي مَنْ أحبَّه ، فاصبر حتى تأخذ الماء من يده ، ثم قال لسنان : اجتزَّ رأسه قفاء ، فقال سنان : والله لا أفعل ، فيكون جدُّه محمد(صلى الله عليه وآله) خصمي .
فغضب شمر لعنه الله ، وجلس على صدر الحسين ، وقبض على لحيته ، وهمَّ بقتله ، فضحك الحسين(عليه السلام) ، فقال له : أتقتلني ولا تعلم من أنا؟ فقال : أعرفك حقَّ المعرفة : أمُّك فاطمة الزهراء ، وأبوك عليُّ المرتضى ، وجدُّك محمد المصطفى أقتلك ولا أبالي ، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ، ثم جزَّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه ، ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم .
فتك العصفور بالصقر فياللعجب ذبح الشمر حسيناً غيرة الله اغضبي
حيدر آجرك الله بعالي الرتب أدرك الأعداء منه ثار بدر وحنين
ذبح الشمرُ حسيناً ليتني كنتُ فداه وغدا الأملاك تنعاه خصوصاً عتقاه
وقال السيِّد رضي الله عنه : فلمَّا قتل صلوات الله عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا ترى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنَّ القوم أنَّ العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ثمَّ انجلت عنهم .
وروى هلال بن نافع ، قال : إنّي لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيُّها الأمير ، فهذا شمر قد قتل الحسين ، قال : فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه ، وإنه ليجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمَّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله ، فاستسقى في تلك الحالة ماء ، فسمعت رجلا يقول : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها؟ بل أرد على جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأسكن معه في داره ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشرب من ماء غير آسن ، وأشكوا إليه ما ركبتم منّي وفعلتم بي ، قال :
فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً ، فاجتزّوا رأسه ، وإنه ليكلِّمهم ، فتعجَّبت من قلّة رحمتهم ، وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبداً .
وجاء في الزيارة الناحية الشريفة : حتّى نكّسوك عن جوادك ، فهويت إلى الأض جريحاً ، تطؤك الخيول بحوافرها ، وتعلوك الطغاة ببواترها ، قد رشح للموت جبينك ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك ، تدير طرفاً خفيّاً إلى رحلك وبيتك ، وقد شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك ، وأسرع فرسك شارداً ، وإلى خيامك قاصداً ، محمحماً باكياً ، فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً ، ونظرن سرجك عليه ملويّاً ، برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه ، سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العزِّ مذلَّلات ، وإلى مصرعك مبادرات ، والشمر جالس على صدرك ، مولغ سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنَّده ، قد سكنت حواسك ، وخفيت أنفاسك ، ورُفع على القنا رأسك .
وروي عن رزين ، قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : لما ضُرب الحسين بن علي(عليهما السلام)بالسيف فسقط رأسه ثمَّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش :
ألا أيَّتها الأمَّة المتحيِّرة الضالّة بعد نبيِّها! لا وفَّقكم الله لأضحى ولا لفطر ، قال : ثمَّ قال أبو عبدالله(عليه السلام) : فلا جرم والله ما وفِّقوا ولا يُوفَّقون حتى يثأر ثائر الحسين(عليه السلام) .
ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
لاَ عِيْدَ لِلإسْلاَمِ بَعْدَ كَرْبَلا إِذْ ظَفَرَ الشِّرْكُ بِأَرْبَابِ الْوِلاَ
فَأَطْعَمَتْ جُسُومَها بِيْضَ الظُّبَا وَتَوَّجَتْ بِالرُّوْسِ مِنْهُ الأَسَلاَ
ويقول أيضاً :
لَمْ يُبْقِ يومُ السِّبْطِ في الأعْيادِ مِنْ يوم لِمَنْ وَالاَهُ فيه سُرُورُ
مَلأَ الزَّمَان شَجَاً بِخَطْب لَمْ يَكُنْ أبداً له في الحَادِثَاتِ نظيرُ
المصدر:المجالس العاشورية في المآتم الحسينية