دَخَل الذكاءُ الاصطناعي إلى الكثير من الأجهزة التي نستخدمها يوميًا، وجعلها “ذكيةً” بشكلٍ مقارب جدًا للمعنى الحرفي للكلمة. هواتف أصبحت تتضمن مساعدات شخصية بشخصية تتحدّث معك بصوت آدمي حقيقي تقوم بتذكيرك بالمهام التي عليك إتمامها في العمل، الشاشات الذكية التي تتعلّم عاداتك في المشاهدة، وتقترح لك عروضًا وأفلامًا مناسبةً لذوقك، ثلاجات ذكية تخبرك بأن تحضر معك كيلو خيار وكيلو بندورة؛ لأنَّ ما تبقى لا يكفي لتحضير صحن السلطة المفضل لديك، وغسالات ذكية ما زلت لا أعرف ما الذي تقوم به تحديدًا… أعتقد أنَّها ستقوم بنشر الغسيل بنفسها اليوم أو غدًا.
هذا على مستوى أجهزة استهلاكية للمستخدم العادي في حياتنا اليومية، ولكن بكلِّ تأكيد لا يمكنني تسطيح الذكاء الاصطناعي واختصاره بذلك فقط، فهنالك الكثير من المجالات التي فتحتها هذه التقنيات وسهلت الكثير من الأعمال، وفي نفس الوقت أغلقت الكثير من المجالات الأُخرى في غالبها كانت مملةً ومزعجةً لنا كبشر، ولهذا السبب سنتعرّف الآن على مستويات الذكاء الاصطناعي التي وصل إليها حتى الآن؛
لتأخذ فكرةً عن ما يمكنه القيام به، كيف سيؤثّر على حياتنا، وهل هو فعلًا خطر علينا كبشر كما حذرنا المرحوم ستيفن هوكينج؟
أنواع الذكاء الاصطناعي
رد الفعل المحض Purely Reactive
أبسط أشكال الذكاء الاصطناعي، وهي برمجيات لديها قدرة على التفاعل مع الأحداث من حولها، والقيام بردود أفعال بناءً على ما تمّ تلقينها إياه عند برمجيتها، أي أنَّها لا تستطيع تطوير ذلك بنفسها أو تكون آرائِها الخاصة، ولا الاحتفاظ بخبراتها لاستخدامها في المستقبل.
وأفضل مثال على تطبيقاتها هو البرمجيات مثل: AlphaGo التي طوّرتها شركةُ غوغل، والتي تمكّنت من الفوز على بطل العالم في لعبة Go، وبرمجية IBM DeepBlue التي فازت على غاري كاسباروف بطل العالم في الشطرنج.
بإمكان برمجية DeepBlue مثلًا التعرف على مربعات لوحة الشطرنج ومعرفة كيف يتحرك كلّ حجر موجود على الرقعة، وتحاول توقع الخطوة التالية التي سيقوم بها الخصم، واختيار حركتها القادمة من بين أكثر الاحتمالات مثاليةً، ولكنها مع ذلك لا تمتلك أيّ ماضي، وليس لديها أيّ ذاكرة للاحتفاظ بشيء، ولا تعرف أيّ شيء سوى عن ما هو موجود أمامها في هذه اللحظة.
باختصار كلّ ما تقوم به هو النظر إلى رقعة الشطرنج كما هي الآن، والاختيار الأفضل من مجموعة الاحتمالات المقبلة.
الذكاء الاصطناعي محدود الذاكرة Limited Memory
المستوى الثاني من الذكاء الصناعي بإمكانه العودة بالذاكرة قليلًا إلى الوراء، وأبرز استخداماته هي السيارات ذاتية القيادة، فهي تقوم بمراقبة سرعة واتجاه السيارات الأُخرى في الخارج، كما أنَّها تستطيع استذكار ما يجب القيام به للتعامل مع إشارات المرور، والمنعطفات على الطريق، وبذلك تستطيع اتخاذ القرار المناسب كيلا تتسبب بوقوع حادث، أو تجاوز سيارة أُخرى بشكلٍ خاطِئ.
لكن هذه المعلومات تزول بسرعة، أي أنَّه لا يتمّ تخزينها في ذاكرة السيارة لتستفيد منها لاحقًا. أي أنَّ الطريقَ ما زال طويلًا أمام سيارة ذاتية القيادة بشكلٍ كامل، ولا يمكن الوثوق بها بشكلٍ كامل حتى لا يحصل معك ما حصل مع ستيف ووزنياك حين كادت سيارة تيسلا أن تودي بحياته.
نظرية العقل Theory of mind
ربما حتى اللحظة لا توجد استخدامات حقيقية لهذا المستوى من الذكاء الاصطناعي، ولكن التقنية موجودة، والعمل جارٍ من قبل الشركات المختصة لإبهارنا بابتكارات مدهشة في هذا المجال.
“نظرية العقل” أو “Theory of mind” مصطلح يطلقه علماء النفس على مفهوم أنَّ البشرَ، والمخلوقات، والأشياء في العالم يمكن أن يكون لديهم الأفكار والعواطف التي تؤثّر على سلوكهم والآخرين.
لنقل هنا أنَّ هذا المستوى من الذكاء بإمكانه التفاعل مع الكائنات من حوله بناءً على ما يتمّ إظهاره من سلوكيات أو تصرفات، ولكن ذلك يتمّ دون فهم دوافع ونوايا الطرف الآخر أي الجانب غير الظاهر من التصرف، ودون الأخذ بالظروف المحيطة.
شخصية الروبوت Sonny في فيلم Robot هي مثالٌ جيدٌ عن روبوتات تحمل هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي.
الواعي ذاتيًا Self Aware
بمستوى عالي جدًا من الوعي، وقدرة على التفاعل مع البشر والكائنات الأُخرى، بل وبإمكانها التنبّؤ بمشاعر الآخرين أيضًا، واختيار أفعاله واستدلالاته بناءً عليها.
روبوتات بإمكانها الخروج في نزهة إلى الحقل، فتفتح الباب المقفل بنفسها، وتسمح للسيدة الروبوتة بالخروج أولًا، ومن ثم ينطلق ليعيش حياته.
قدّمت شركةُ Boston Dynamics نماذج حقيقة لروبوتات بهذا المستوى من الوعي، ونشرت فيديوهات مدهشة في هذا المجال.
وبعيدًا عن الكلام الكثير… بإمكانك التعرّف باختصار شديد وبطريقة رسومية مبسطة على مستويات الذكاء الصناعي ودرجاته.
رد مع اقتباس
