دعاء اليوم الثالث عشر من ايام شهر رمضان المبارك
(اَللّـهُمَّ طَهِّرْني فيهِ مِنَ الدَّنَسِ وَالأَقْذارِ ، وَصَبِّرْني فيهِ عَلى كائِناتِ الأَقْدارِ ، وَوَفِّقْني فيهِ لِلتُّقى وَصُحْبَةِ الأبْرارِ ، بِعَوْنِكَ يا قُرَّةَ عَيْنِ الْمَساكينَ).
- (اَللّـهُمَّ طَهِّرْني فيهِ مِنَ الدَّنَسِ وَالأَقْذارِ...) :
(الأقذار) جمع محلى بأل ، وفي اللغة العربية الجمع المحلى بأل يفيد العموم..
والأقذار على نوعين : هناك قذر في عالم الأعمال ، وهناك قذر في عالم الذوات..
فالقذر في عالم الأفعال هو القذر المتعلق بالجوارح : سمعاً وبصراً ، ولمساً وقولاً ، وبطناً وفرجاً ؛ فكل هذه الأمور ، هي أدناس عالم الأفعال.. ولكن لا ينبغي أن ننسى أن هذه الأدناس -التي عليها يسجل العقاب- مترتبة على أدناس وأقذار في الباطن ، وإن كان الإنسان لا يؤاخذ على الأقذار الباطنية.. ولو يؤاخذ الله تعالى الناس ببواطنهم ، لما دخل الجنة أحد ، إلا الأنبياء والمعصومون من الأوصياء.. إذ أن الإنسان قد يكون موفقاً في تصفية أقذاره العملية ، ولكن أقذاره الباطنية تبقى على ما هي عليها ، فيكون ذا باطن قذر : فيه الحسد ، وفيه التكبر ، وفيه الحقد ، وفيه البغضاء ، وفيه حب الشر للغير...
والقذر الباطني فيه إشكالان :
الإشكال الأول : أن هذه الأقذار بمثابة الجذور في أعماق الأرض ، فإن الإنسان يكافح الأوراق الخارجية ، وكلما نبت نبت من هذه الجذور قضى عليها وقصها ، ولكنه لو يغفل عن التشذيب يوماً أو يومين ، أو شهراً أو شهرين ، وإذا بهذا النبات قد نبت.. إذن، الأقذار الباطنية مشكلتها : أنها لو لم تعالج ، ولم يراقب العبد سلوكه ، فإنه ستوقعه في الكدر والقذر العملي.. هذا أولاً..
وثانياً : الذات القبيحة وإن لم تصدر منها الأفعال القبيحة ، فهذه الذات ليست محبوبة لله عزوجل ؛ لأن صاحبها ذا باطن قذر ، وباطن مظلم ، وقلب غير سليم ، والله عزوجل لا يحب هكذا إنسان.. وقد قال الرسول (ص) : (إنّ الله يحبّ العبد ويبغض عمله ، ويحبّ العمل ويبغض بدنه).. لو أن إنساناً طيب الباطن ، وزل قدمه وأذنب ذنباً من دون اختيار ، أو باختيار مع استغفار ؛ فإن الذات محبوبة لله عزوجل ، وإن وقع منه ما وقع.. والعكس : لو أن إنساناً سيئ الباطن ، قذر ، كدر ، له ملكات خبيثة ، ولكن في مقام العمل هو إنسان يعمل الخيرات ، وقد يتعبد ؛ فإن هذه الذات لا يمكن أن تكون ذات محبوبة عند الله عزوجل..
إذن، ينبغي أن يعمل الإنسان في الحقلين معاً : الكدر الفعلي ، والكدر الذاتي.
- (وَصَبِّرْني فيهِ عَلى كائِناتِ الأَقْدارِ ...) :
الأقدار قسم منه منوط بالدعاء.. هناك قضاء وقدر قد يكون قضاء وقدر مؤلماً غير محبوب ، ولكن يرده الدعاء.. مثل : إنسان كتب الله عزوجل له الفقر ، ولكنه استيقظ بين الطلوعين ، ودعا ربه في جوف الليل ، ففتح الله عزوجل له في الرزق.. فقدره الفقر ، ولكنه قدر معلق بالدعاء..
وهناك نوع آخر من القدر ، وهو القدر الذي كان وسجل ، كما يشير إليه قوله تعالى : {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}.. فالعبد قد يريد من الله عزوجل شيئاً ، وهذا الشيء لا يرده حتى الدعاء ؛ ومن هنا فيقول : يا ربي !.. ما دمتَ لم تستجب لي دعائي ، فصبرني على كائنات الأقدار !.. يا ربي !.. هذا قدر سجلته علي ، حتى الدعاء لا يرفعه- وإن تحول الدعاء إلى أجر يوم القيامة- ، ولكن صبرني عليه !..
ولا شك أن الصبر على القضاء والقدر مرتبة جيدة ، ولكن هناك مرتبة أعلى من الصبر ، وهو الرضا بالقضاء والقدر.. ففرق بين إنسان مستسلم ، وبين إنسان لا يحب إلا ما أحبه المولى.. ولهذا سر عظمة يوسف في ماذا ؟.. لو أن يوسف قال : ربي !.. السجن أصلح لي ؛ لما كتبت له تلك العظمة.. لو قال : يا ربي !.. السجن ، فرار لي من الذنب ، أيضاً ما وصل لما وصل إليه.. ولكن يوسف (ع) قال تعبير ، وهنا نعلم سر عظمة يوسف ، عندما قال : {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}..
نعم، هذا الذي يتهافت عليه الشباب ، أن يكونوا عند النساء الجميلات !.. وخاصة امرأة العزيز في البلاط الملكي ، وهو عبد.. أيُّ عبد لا يتمنى أن يكون بجوار الملكة ؟!.. ولكن يوسف ينظر إلى هذه المعاشرة ، وإلى هذا الاقتران ، الذي يصده عن ذكر الله عزوجل ، فلا يرى مجالاً للقياس.. يوسف ما قال شعراً ، وما قال نثراً ، ولا قال مجاملة ، عندما قال : {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.. ولهذا كتب له الخلود ، وصار صديقاً ، وآتاه الله عزوجل الملك ، وعلمه من تأويل الأحاديث ، واختصه بسورة من القرآن الكريم ، خَلّد في هذه السورة اسم هذا النبي الذي لم يكن من أولي العزم ، ولكن لموقفه هذا ولغيره من المواقف ، سجل الله عزوجل له الذكر الحسن.
وفقنا الله وإياكم ، لأن نكون من المستنين بسنة نبيه وأوليائه !.
منقول للفائدة