عمليات الديناميكا الحرارية غير القابلة للانعكاس
ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على انه لا يوجد محرك حراري يمكن ان يعمل بكفاءة 100%. ولنا ان نسأل هنا, ما هي اعلى كفاءة يمكن ان تكون للمحرك الحراري؟ قبل الاجابة على السؤال نحتاج الى شرح العملية المثالية, والتي تسمى بالعملية العكوسية (Reversible process).
توضيح: عملية قابلة للانعكاس
فبحسب القانون الثاني والمعروف باسم قانون الانتروبيا ان جميع الانظمة لا عكسية, بمعنى ان انتقال الحرارة وحركتها دائما باتجاه واحد, من الجسم الحار الى الجسم البارد. ولا يمكن لاي عملية حرارية ان تنعكس تلقائيا وتعيد النظام الى حالته الاولى. فالحرارة المنتقلة الى البرّاد لا يمكن للطعام ان يستردها ليعود الى حالته الاصلية.
من هنا يمكن ان نعرّف العملية العكوسية على انها عملية قابلة للانعكاس دون ترك اي اثر على البيئة المحيطة بالنظام. بمعنى ان كل ما في النظام ومحيطه يتم ارجاعهما الى حالتهما الاولية في نهاية العملية العكسية. وخلافها تسمى العملية ذات الاتجاه الواحد بالعملية غير العكوسية (Irreversible process).
توضيح: عملية غير قابلة للانعكاس
وسواء كانت العملية قابلة للعكس او لا فانه يمكن استعادة النظام الى حالته الاولية, ولكن ليس بدون اي اثر على النظام نفسه او على بيئته المحيطة به كما يُفترض في العمليات القابلة للانعكاس. فلابد للنظام من القيام ببعض الاعمال التي تبقي اثرها عليه او على بيئته حتى لو تم اجراء بعض عمليات الترميم كمحاولة لاعادته الى حالته الاصلية.
وفي الواقع فان العمليات القابلة للانعكاس ما هي الا عمليات خيالية لم تحدث حتى اليوم في الطبيعة ولم تتمكن العلوم الهندسية والفيزيائية من ابتكار الة تتيح لنا تحقيق هذه المثالية في العمليات الحرارية. وتعتبر دورة كارنو ( Carnot Cycle) التي سميت باسم المهندس الفرنسي سعدي كارنو (Nicolas Leonard Sadi Carnot) المحاولة الاقرب للحصول على الة تعمل بكفاءة مثالية فلا يحدث فيها اي احتكاك او فقدان للحرارة. لكن هذه المحاولة ما زالت مجرد نظرية ولم تتحقق حتى يومنا الحالي.
توضيح عمل محرك احتراق داخلي ( 1. سحب زناد الوقود, 2. ضغط زناد الوقود, 3. الاشعال, 4. خروج العادم). المصدر: ويكيبيديا
وتجدر الاشارة الى ان كون كل عمليات الديناميكا الحرارية لا رجعية ليس بالامر التلقائي, وانما بسبب عوامل خارجية تعيق النظام من الرجوع لحالته الاصلية. الاحتكاك احد تلك العوامل, اضافة الى التوسع غير المقيد واختلاط الموائع والمقاومة الكهربائية وحدوث العيوب في المواد الصلبة والتفاعلات الكيميائية...الخ, فهي عوامل لا يمكن ان تحدث دون ان تترك اثرها على النظام وبيئته مما تجعل من اي عملية غير قابلة للانعكاس.
الاحتكاك هو شكل مألوف من اللا رجعة متربط بالاجسام المتحركة. فعند اتصال جسمين مع بعضهما البعض تتشكل قوة احتكاك تتعارض مع قوة الحركة , ومع مرور الوقت تتغلب قوة الاحتكاك على الحركة ما لم يبذل النظام مزيدا من الجهد للاستمرار في حركته. في نهاية المطاف فان بعض الطاقة الموردة لغرض العمل تتحول الى حرارة تنتقل الى الاجسام الملامسة للنظام, والتي عادة ما تكون درجة حرارته اقل من درجة حرارة النظام. ومثال ذلك ان الطاقة المحولة الى عجلات السيارة لحثها على الاستمرار في الحركة يتحول جزء منها الى طاقة حرارية بسبب احتكاكها مع الشارع, الذي يقاوم تلك الحركة ويحاول ايقاف السيارة من المسير, اضف الى ذلك احتكاك السيارة مع الهواء والذي بدوره يولد مقاومة لكبح حركة السيارة او الحد منها. وكلما ازدادت سرعة السيارة واستمرت في المسير كلما ارتفعت درجات حرارة المواد والاجسام الملامسة للسيارة وعجلاتها.
توضيح: تولد الحرارة بسبب الاحتكاك
وعندما يتم عكس اتجاه الحركة, يتم ايضا استعادة الهيئات الى وضعها الاصلي, ولكن دون امكانية تحويل الطاقة الحرارية الى جهد. بل بدلا من ذلك فانه يتم تحويل المزيد من العمل الى حرارة للتغلب على قوى الاحتكاك بما يتعارض من مبادئ الحركة العكسية.
وبما ان النظام والمناطق المحيطة به لا يمكن اعادتها الى حالتها الاصلية, فان اي عملية تنطوي على الاحتكاك لا يمكن عكسها. وكلما زاد حجم قوى الاحتكاك كلما كانت العملية غير قابلة للاسترجاع.
وكما يتضح من مثال السيارة السابق فانه قوى الاحتكاك لا تتولد فقد بين جمسمين صلبين, اذ يمكن ان يحدث الاحتكاك بين جسم صلب واخر مائع ( مثل الاحتكاك بين السيارة والهواء ), او حتى بين طبقات نفس المائع المتحرك بسرعات مختلفة.
وللعلم فان العمليات اللا عكسية لا تنتهك قانون الديناميكا الحرارية الاول, المعرف باسم مبدأ حفظ الطاقة والذي ينص على ان الطاقة لا تنفى. اذ ان الطاقة في هذا النوع من العمليات انما تتحول من شكل لاخر, ففي مثال السيارة فان الطاقة تحولت من طاقة حركية الى طاقة حرارية.
ومثال اخر على اللا انعكاس, هو التوسع اللا محدود للحجم. فلو افترضنا وجود خزان مقسم الى جزئين يفضل بينهما حاجز ما, وكان احد الجزأين فارغا بينما الاخر مليئ باحد الغازات. فلو تمزق الحاجز فان الغاز سيملأ الخزان باكمله. والطريقة الوحيدة لاستعادة النظام الى حالته الاصلية هي ضغطه الى مستوى حجمه الاول, اثناء نقل الحرارة من الغاز حتى يصل الى درجة حرارته الاولى. ان كمية الحرارة المنقولة من الغاز تساوي كمية العمل المنجز على الغاز بواسطة محيطه, وان استعادة المحيط الى حالته الاصلية يعني اعادة تحويل هذه الحرارة الى عمل, بما ينتهك القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
اذن عمليات الضغط والتوسع هي عمليات لا رجعية.
الشكل الثالث من اللا انعكاس يتمثل في نقل الحرارة بين مجالين تختلف درجة حرارتهما. فلو وضعنا شرابا باردا في غرفة دافئة فان الحرارة ستنتقل من هواء الغرفة الى الشراب البارد حتى تتساوى درجة حرارة الشراب مع الغرفة (كما ينص القانون صفر من قوانين الديناميكا الحرارية, المعروف باسم التوازن الحراري). الطريقة الوحيدة التي يمكن بها عكس هذه العملية واعادة الشراب الى درجة حرارته الاولى هي توفير التبريد الذي يتطلب بعض الطاقة للعمل. وفي نهاية العملية العكسية سيتم استرجاع الشراب لحالته الاولى, ولكن المنطقة المحيطة به لن تكون كذلك. فالطاقة الداخلية للاجواء المحيطة بالشراب ستزداد بمقدار يساوي حجم العمل التي توفره البيئة الباردة. ولا يمكن اعادة ترميم ذلك المحيط وارجاعه لحالته الاولى الا من خلال التحويل التام لتلك الطاقة الداخلية الى عمل, وهو امر مستحيل بدون خرق القانون الثاني.
ونظرا الى انه يمكن فقط استعادة النظام ـ الشراب في مثالنا ـ الى حالته الاولى, دون استعادة البيئة المحيطة به, فان انتقال الحرارة بين مجالين هي عملية لا رجعية.
ويجب الاشارة الى انه كلما كان اختلاف درجة الحرارة بين مجالين قريب من الصفر كلما انخفض معدل انتقال الحرارة. فالانتقال الحراري الكبير من خلال اختلاف بسيط في درجة الحرارة يتطلب مساحة سطح كبيرا جدا ووقتا طويلا جدا. ذلك يجعل من البحث عن عملية عكسية في الانتقال الحراري امرا غير مرغوب فيه من الناحية العملية.
مواضيع قد تهمك:
- القانون الثاني للديناميكا الحرارية
- القانون الاول للديناميكا الحراية
- القانون صفر للديناميكا الحرارية
لانجاز هذا الموضوع تمت الاستعانة بكتاب:
Thermodynamics (An engineering approach)
تأليف
Yunus A. Cengel & Michael A. Boles
حصريا لمنتديات درر العراق.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد العثمانيے
