قصة اختفاء وإبادة الشعب الأحمر
لاشك أننا جميعًا قد سمعنا وقرآنا ، بل وشاهدنا أفلامًا عدة تناولت قصة شعب الهنود الحمر ، ولكن من المثير دائمًا أننا شاهدنا بالأفلام الأمريكية عنهم ، بأنهم كانوا قومًا أشرار ، وكانوا يتعاملون بوحشية مع الوافدين الأمريكيين ، ولكن ما هي الحقيقة المؤلمة التي أخفتها أمريكا علينا وأين اختفى 112 مليون هندي احمر ؟ أأما السلطات الثقافية الأمريكية فإنها تقول بكل صفاقة وتزوير إنهم زهاء مليون فقط ..
يقول الأديب والروائي أناتول فرانس في ذلك العام 1492 عندما تم طرد المسلمين من الأندلس ( لقد كان يوماً مشؤوماً على البشرية يوم خرج العرب من غرناطة ) وهو نفس العام الذي دخل فيه كولمبوس امريكا
يقول القس الأسباني لاس غاساس الذي كان ضمن أول بعثة دخلتْ أمريكا وهو يسجل مذابح قتل الشعب الأمريكي الذي بقيتْ شهادتهُ حيه ليوم الناس هذا : ( أشعر بالقيء عندما أسجل هذا التاريخ .. يقول : لقد رأيتهم بأم عيني يأخذون الطفل الصغير يلوحون به في الفضاء ثم يضربون به عرض الحائط فتنفجر دماغه فيتضاحكون ويقهقهون قهقهات هستيرية آلاف الأطفال ماتوا بهذهِ الطريقة وبعدها يقولون : يا للعجب إنه يختلج إنه يختلج وهم يعجبون أن فيه سر الحياة )
لا إله إلا الله
البداية :
وصل الهنود الحمر قبل وصول بعثة كريستوفر كولومبوس ، بأعوام طويلة ، حيث عبروا المضيق الواقع بين شمال غرب أمريكا الشمالية ، وشمال شرق قارة آسيا ، وأقاموا بها وعمّروها ؛ حيث تعلموا الزراعة ، واهتموا بالحضارة الروحية ، وكرّموا المرأة ، وعندما وصل إليهم كريستوفر كولومبوس في رحلته الشهيرة ، ظن أنه قد وصل إلى الأراضي الهندية ؛ نظرًا للون بشرتهم الأحمر المميز ، ولكنه فوجئ بوجوده على أراضٍ جديدة .
جاء كولومبوس محمّلاً بأفكار الحروب ، وممتلئًا بأفكار السيطرة والاستيلاء والقيادة ، بالإضافة لوجود شعب منقطع عن العالم ، وبعيدًا عن تلك الأفكار ومسالم جدًا ، بالطبع كانت فكرة الاستيلاء على تلك الأراض محفزة للغاية وقوية ، خاصة أن المستعمر الأوربي ليس لديه أية أفكار عن السلام ، أو التعايش مع الآخر ، فالقاعدة الأساسية لديه ، هي أنا فقط غير.
حرب الإبادة ..
شرع الزائر العدو مباشر في عملية إبادة جماعية للسكان الأصليين ، بدون أية رقابة أو مراعاة للحرمة ، فقتلوا النساء والأطفال ، والشباب ، ودمروا الأخضر واليابس ، وسمموا الآبار ، وذبحوا الماشية ، فما كان من قادة القبائل الهندية إلا أنهم طلبوا السلام ، مع المحتل القادم .
رغم أنهم لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم وذويهم ، إلا أنه ما كان لديهم بد غير ذلك ، ولكن أبى المعتدي إلا أن يتعامل بالطرق الملتوية ، فقبل القادة المعتدون السلام مع الهنود الحمر ، ولكن كانت تحركهم المكائد ، فأقنعوهم بأنهم سوف يمدونهم بأغطية لحمايتهم ، كرمز لقبولهم المعاهدة السلمية .
إلا أنهم أعدوا لحرب جديدة بيولوجية ، للقضاء على الهنود الحمر تمامًا ، فجلبوا لهم أغطية من مصحات الأوبئة الأوروبية ، وكلها محملة بالعديد من الأمراض الوبائية المستعصية ، مثل ؛ الطاعون ، والدفتيريا ، والجدري ، من أجل حصدهم بأعداد مهولة في وقت قصير .
بالفعل أدت تلك الطرق الوحشية لإبادة ثمانون بالمائة ، من الهنود الحمر السكان الأصليون لأمريكا ، ولكن لم تتوقف الجرائم الوحشية بحقهم لهذا الحد فقط ، فعرض القادة العسكريون على أفراد الجيش ، مكافآت مالية في مقابل عدد الرؤوس التي يحضرونها من الهنود الحمر .
وكانت رأس الرجل تساوي مائة جنيه استرليني ، في حين بلغت قيمة رأس المرأة أو الطفل خمسون جنيهًا استرلينيًا ، الأمر الذي حوّل العسكريون إلى وحوش متحركة ، فقطعوا الرؤوس وأسالوا المزيد من الدماء .
ثم تطوّر الأمر بمضاعفة المكفآت المالية في مقابل سلخ الهنود ، فكان يتم سلخ فروات الرؤوس في مشاهد وحفلات كبرى ، يحضرها علية القوم والزعماء ، وأشهر أبطال أمريكا الآن هم من قتلوا العديد من الهنود وسلخوهم بوحشية وقسوة ، أحدهم يُدعى لويس وتزل الذي بلغ عدد ضحاياه ، ألفًا ومائتين من الهنود شهريًا .
في حين أن آندرو جاكسون ؛ والذي تظهر صورته على ورقة الدولار ، من فئة العشرين ، قد قام بسلخ فروة ستة عشر رجلاً من الهنود ، بل وقد طالب بأن تتم عملية السلخ ، بشكلٍ بطيء حتى يستمتع الحضور بالعرض .
مائة وخمسون عامًا من القتل الوحشي ، والهمجي ، والتهجير القسري ، للهنود الحمر من أراضيهم على يد المحتل الإنجليزي ، بل لوثوا لهم المياه والطعام ، حتى لا يستطيعوا الإنجاب مرة أخرى ، فلا يكن لهم أجيالاً جديدة تسترد الحقوق المنهوبة.
أسطورة خاطئة ..
كان الهنود يؤمنون بوجود آلهه مائية ، سوف تأتيهم لتخلصهم ذات يومٍ من العدو المغتصب لأرضهم ، وحين وصل الجنود الأسبان إليهم ، بادر الهنود بتقديم الذهب ، اعتقادًا منهم بأنهم الآلهة المخلصة من العدو ، كما قالت الأسطورة .
ولكن كانت الأسطورة كاذبة ، فلم يقل العدو الأسباني وحشية عن العدو الانجليزي ، فما أن وطأ الأسبان على أرضهم حتى شعروا بمدى ضعف الهنود ، فسخروهم للبناء والتشييد ، بشكلٍ فج ودون مقابل ، وقتلوا الأطفال ، وأطعموهم للكلاب ، وقتلوا أسر كاملة وأغرقوهم بالمياه .
كان هذا جزءً مما تعرّض له الهنود الحمر على يد المحتلين الانجليز ، والأسبان على حد سواء ، ولن نستطيع القول بأن الهنود لم يقاوموا ، ولكن دون تكافؤ ، فلا يوجد سلاح أو طلقات نارية تعيد إليهم حقوقهم.
يقول لاس غاساس ( بأي ذنب يُقتل الأمريكي الأصلي , فلم أجد أمة عظيمة وهويات مختلفة ومؤتلفة تعيش فيما بينها مثل الهنود الحمر.. لقد كانوا يشعَّون براءة كالأطفال لقد كانوا حُكماء يحبون الحياة .. كانوا أكثر من 400 قبيلة وقومية رائعة .. لقد كانتْ بيوتهم من القش أحرقها العابثون على رؤوسهم , فلم أرّ عالماً حافلاً بالحياة مثل عالم الهنود الحمر)
الخدعة الأقذر والأكثر بشاعة
يخبرنا القول المأثور بأن “الحرب خدعة” وذلك صحيح بنسبة 100%، إلا أن كل شيء في الحياة له حد يقف عنده وحدود الحرب تتوقف عند الإبادة الجماعية، إلا أن المستعمر الأوروبي لم يترك حداً دون أن يتجاوزه في حربه الشعواء ضد الهنود الحمر ولجأ إلى حيلة تعتبر هي الأكثر بشاعة في التاريخ الإنساني.
بعد إعلان الهدنة اتفق الجانبين المتصارعين على اقتسام الأرض، وفي محاولة من الأوروبيين لإظهار حسن نواياهم قاموا بإهداء الشعب الأحمر بعض الملابس والأغطية وغيرها، لكن لم يدرك الهنود أن تلك المنسوجات قد تم جلبها من المناطق التي تفشت بها الأوبئة في قارة إفريقيا وأنها تحمل كماً هائلاً منالحشرات والمُمرضات المختلفة، حيث أن خطة الأوروبيين كانت تعتمد على ترك الأمراض تفتك بالسكان الأصليين وتقضي على المتبقي منهم بصورة تامة ونهائية.
بقايا الشعب الأحمر .
وجدير بالذكر ، أن عددًا قليل جدًا ، من الهنود الحمر يعيشون في أمريكا الشمالية حاليًا ، ولكن في محميات مخصصة لهم ، دون توفير أدنى وسائل المعيشة الآدمية ، في مقابل تنازلهم عن قراهم ، ولكن زعيم تلك القبيلة لم يكن يعرف القراءة أو الكتابة ، فقام بالتوقيع على معاهدة مع المحتل الأوربي ، بأن يعيشوا في محميات مخصصة لهم ، في مقابل التنازل عن أرضهم وقراهم التي عاشوا فيها من قبل .