ورد في زيارة "وارث" المعروفة: "السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ الله ، فماذا تعني وراثة الإمام الحسين عليه السلام للنبي نوح عليهم السلام؟ وماذا ورث عنه؟ ولماذا صار الإمام الحسين عليه السلام وارثاً له؟ أسئلةٌ نترككم لتعرفوا الإجابة عنها في هذه المقالة...
زيارة وارث من أشهر الزيارات التي يُزار بها الإمام الحسين(ع) ، وقد وردت عن الإمام الصادق(ع) ، رواها ابن قولويه(1) (ت368هـ) في كتابه "كامل الزيارات" ، وهو من أقدم كتب الزيارة الميسرة في التراث الشيعي .
ورد في زيارة "وارث" المعروفة: "السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ الله(2).
فماذا تعني وراثة الإمام الحسين عليه السلام للنبي نوح عليهم السلام؟ وماذا ورث عنه؟ ولماذا صار الإمام الحسين عليه السلام وارثاً له؟ أسئلةٌ نترككم لتعرفوا الإجابة عنها في هذه المقالة.
* إقامةُ الدين خيرُ وراثة
يقول تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: 13). تُصرِّح الآية الكريمة أنّ المهمّة الأساس التي اضطلع بها الأنبياء عليهم السلام هي إقامة دين الله تعالى وحفظه بالعمل والاتّباع، وعدم التفرُّق فيه والاختلاف عليه.
وهذا ما قام به الإمام الحسين عليه السلام، الذي عندما شاهد أنّ ما بناه جدُّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وضحّى من أجله يريد أن ينقضّ، أفصح عن ثورته، معلناً الهدف منها: "إنّي لم أخرج أشِراً ولا بطِراً... وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"(3).
فكان ما قام به الإمام الحسين عليه السلام حافظاً لإرث ما سبقه من الأنبياء عليهم السلام، فاستحقّ بذلك وراثتهم عليهم السلام.
أمّا ما ورثه الإمام الحسين عليه السلام من النبي نوح عليه السلام:
1-القيام الطويل لله:
ورث الإمام الحسين عليه السلام من نوح عليه السلام القيام الطويل لله تعالى، في مجتمع أبى أكثر أهله إلّا العكوف على آلهة الأوهام، وغائلة الأصنام؛ ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ (نوح: 23). وكما دعا نوح عليه السلام على قومه عندما تيقّن إبلاسهم، وانتكاس جبلّتهم، وتوليدهم للضلال، فقال: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ (نوح: 26-27)، كذلك دعا الإمام الحسين عليه السلام مثل دعائه، عندما استيقن من قومه العتوّ، والجحود، والتنكّر لمقام الإمامة والقرابة، حيث قال: "اللهمّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً"(4).
2-الدعوة الدائبة المستمرّة:
كما ورث منه الدعوة الدائبة، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ (نوح: 5)، والمتنوّعة ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ (نوح: 8-9). هذه الدعوة الحسينيّة التي انطلقت من مكّة، إلى المدينة، ثم جدّت المسير بخيول المنايا بين النواويس وكربلاء، وما زالت تنتقل من بلد إلى بلد عبر الأزمان، وفي كلّ مكان يرفع فيه المستضعفون شعار "لبّيك يا حسين".
3-تهديد ثمّ فتحٌ كبير:
وكما هُدِّد نبي الله نوح عليه السلام بالقتل ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ (الشعراء: 116)، هُدّد الإمام الحسين عليه السلام بالقتل ولو مُعلّقاً بأستار الكعبة، فأبى الحسين عليه السلام إلّا النهوض على خطِّ التضحية والشهادة الموصلة إلى الفتح "من لحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح"(5)، وهو الفتح نفسه الذي دعا به نوح عليه السلام ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء: 118).
4-التحدّي بإجماع الأمر
وقد تحدّى نوح عليه السلام قومه مُطلِقاً موقفاً عظيماً، حيث يقول تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾ (يونس: 71).
وهو الكلام نفسه الذي واجه به الإمام الحسين عليه السلام التهديد في العاشر من المحرّم في خطبته الثانية، التي خاطب بها جيش ابن سعد، حيث قال: "أيم الله، لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس، حتّى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور. عهد عهده إليّ أبي عن جدّي فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون"(6).
5-سفينة النجاة:
وكما صنع نوح الفلك في صحراء الرمال الجرداء، شيّد الإمام الحسين عليه السلام صرح الإصلاح في كبد القلوب اليابسة، وجعل المستحيل ممكناً، بدماء الطهر التي سُفكت، فكانت نجاة الأمّة بعين الله، كما كانت نجاة من بقي مع نوح عليه السلام، ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ (المؤمنون: 27).
نعم ...اختص الله تعالى نبيه نوحا بين الانبياء بسفينة نجاة اوحى له ان يصنعها من الخشب ؛ ليركبها من شاء ان ينجو من الهلاك بالطوفان وذلك لما اصر قوم نوح على تكذيب نوح وايذائه واصحابه . وضرب النبي(ص) للناس بسفينة نوح مثلا لأهل بيته ليبين دورهم في انقاذ الناس من الضلالات والفتن (مثل اهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوي وغرق) ، وكان نصيب الحسين(ع) هو ان يكون سفينة النجاة من فتنة بني امية ، حين نهض واعلن رفضه بيعة يزيد بوصفه هو وابوه وابناؤه خلفاء النبي(ص) يقودون المؤمنين الى الله تعالى وان عليا(ع) ملحد في الدين مفسد تجب البراءة منه ومن شيعته ، وصارت شهادته وظلامته هي السفينة بعينهم اذ تفرض على كل مسلم ان يتبرأ من بني امية ويترحم على الحسين(ع) ويبكيه كما بكاه جده والانبياء والمسلمون ، ويواليه واباه واخاه بوصفهم ائمة الهدى يقودون الناس الى الله تعالى .
الهوامش:
1-قال النجاشي في كتابه الرجال / 123 – 124:جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه .
2-مصباح المتهجد، الطوسي، ص720.
3-حياة الإمام الحسين عليه السلام، باقر شريف القرشيّ، ج1، ص11.
4-بحار الأنوار، المجلسي، ج45، ص43.
5- (م.ن)، ج45، ص85.
6-اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس، ص60.
المصدر:موقع السيد سامي البدري و مجلة بقية الله بتصرف