#سبب_إحياء_الذّكرى
هناك حديث يتكرَّر في كلِّ سنة: لماذا تستعيدون هذه الذّكرى الّتي مضى عليها مئات السنين؟ وهل إنَّ الحياة، في كلِّ تطوّراتها المأساوية، وفي كلِّ حركاتها الإصلاحية، تخلو من مأساةٍ تستدرّ الدّموع، أو من حركة توحي للناس ببعض ما تتضمّنه تلك الذّكرى من خطوط فكرية أو إصلاحية؟ لماذا تستعيدون هذه الذكرى التي ربما تثير بعض الحساسيات في الواقع الإسلامي، وقد تنتج أحقاداً جديدة على أنقاض الأحقاد القديمة، في وقتٍ نحن بحاجة إلى أن ننـزع تلك الأحقاد من قلوبنا، وخصوصاً أن التحدّيات الكبرى التي تواجه الإسلام والمسلمين من جنود الكفر أو الاستكبار، كبيرةٌ جدّاً، وهي تفرض علينا أن ننسى كلّ الماضي بكلِّ تعقيداته أمام تحدّيات الحاضر؟ هذه أسئلة تدور في مجتمعاتنا كلّ عام.
أمَّا مسألة إثارة ذكرى مأساة كربلاء، فالّذين عاشوا المأساة انتقلوا إلى رحمة الله، وكلّ الّذين صنعوا المأساة صاروا في رحاب الآخرة، وليست إثارتها في الحاضر محاولةً للاقتصاص ممّن صنعوها، أو الانتصار لمن وقعت عليهم وحلّت بهم، ولكنّ لعاشوراء تميّزها، وهي الذكرى التي قد لا نجد مأساةً مماثلة لها في تنوّعاتها. تميّزت عاشوراء، لأنّها ضمّت كلَّ نماذج الإنسان، فهناك الطّفل الرّضيع، وهناك الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، وهناك الشّباب في تنوّعات أعمارهم، وهناك الشّيوخ في سنّ السبعين والثّمانين والتّسعين، وهناك النساء في مختلف مميّزاتهن، من حيث الوعي، ومن حيث الشّجاعة، ومن حيث صلابة الموقف...
ولذلك، فإنَّنا نستطيع أن نقدِّم ـ من خلال إثارة ذكراها ـ لكلِّ مرحلة تاريخيّة، شخصيةً من هذه الشخصيات، حيث يمكن أن تحدّث الأطفال عن أطفال (كربلاء)، وما تميَّزوا به من وعيٍ يتجاوز مرحلةَ الطّفولة، ويمكن أن تحدّث الشباب عن ثقافةٍ وصلابةٍ وحركية وإيمان يتجاوز العمر الّذي كانوا فيه، ويمكن أن نقدّم ذلك للشّيوخ الذين يشعرون بأنهم وفّوا قسطهم للعلى، وأنهم ليسوا مسؤولين عن الدّخول في ساحات الصّراع، ولا سيّما إذا كان الصراع صراعاً حادّاً في ساحة الحرب، ويمكن أن نقدّم النساء في تنوّعاتهن الفكرية والإيمانية والروحية، وفي شجاعة الموقف.
ولعلّ ما نشكو منه في هذا المجال، أنّ الذين كتبوا السيرة الحسينيّة، لم ينقلوا إلينا إلا جانب المـأساة في مواقف النّساء، وهنّ يبكين هنا، ويلطمن هناك، حتى إنّ إثارة المأساة أخذت الكثير من صورة السيّدة زينب(ع)، مع أنّها كانت تمثّل الصلابة كلّها، وهي التي كانت إلى جانب الحسين(ع)؛ تدعمه، وتحاوره، وتعيش معه، وربما كانت تتشاور معه في سير المعركة، ولكنّ الذين يتحدثون عن السيرة، جعلوها مجرد نائحة تبكي وتلطم، تماماً كما لو كانت امرأة قبليّة، تبكي أهلها. ولعلّ أكثر ذلك يبرز في الشّعر الشعبيّ، الّذي ينطلق من ذهنيّة ناظميه، ما قد لا يعكس الروحيّة الرساليّة التي كانت تمثّلها السيّدة زينب(ع)، وغيرها من بطلات كربلاء