النتائج 1 إلى 2 من 2
الموضوع:

من تاريخ البصرة

الزوار من محركات البحث: 24 المشاهدات : 482 الردود: 1
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: October-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 83,418 المواضيع: 80,055
    التقييم: 20796
    مزاجي: الحمد لله
    موبايلي: samsung j 7
    آخر نشاط: منذ 58 دقيقة

    من تاريخ البصرة

    من تاريخ البصرة



    موقع البصرة القديمة كان في المنطقة التي بنيت فيها مدينة الزبير الحالية، وتتسع إلى الشمال منها حيث تم العثور على بقايا لقصور قديمة من قصور البصرة تقع إلى الشمال من مدينة الزبير. وكان هنالك نهر يمتد من شط العرب إليها، وقد درس ذلك النهر، كما حفر العرب عدة انهر تتصل بعضها ببعض لتروي المدينة وبساتينها من جميع جهاتها حتى أصبحت تلك الأنهار وما يحيط بها من قصور وبساتين تعتبر جنة الله على الأرض وكما سنرى.
    كيف تم بناء البصرة : عندما اتخذ عتبة بن غزوان منطقة الخريبة معسكراً اخذ الخليفة يرسل العرب إلى البصر تباعاً لتسكنها، فلما كثروا هناك بنى فيها عتبة سبعة دساكر (مفردها دسكرة) وتعني القرية الكبيرة من اللبن (الطابوق أو الطوب الغير محروق)،ويبدو إن اكثر البيوت تم بنائها بالقصب أول الأمر ثم تحولوا إلى اللبن وذلك لسرعة احتراق القصب. وكان ذلك سنة أربع عشرة للهجرة وذلك قبل بناء الكوفة بستة اشهر. وقد تم بناء المسجد ودار الإمارة ثم بعد ذلك قام ببناء السجن وحمام الأمراء حيث تم البناء بالقصب أول الأمر، وكان أول بيت بني فيها هو دار نافع بن الحارث ثم دار الصحابي معقل بن يسار المزني والذي أطلق اسمه على أحد أهم انهار البصرة فيما بعد وهو نهر معقل أو نهر المعقل كما يدعى اليوم وكما سنرى فيما بعد (راجع انهار البصرة)،وقد أدرك العرب إن ارض البصرة تصلح لزراعة النخيل فاكثروا من زراعة النخيل فيها حتى اشتهرت فيما بعد بأنها ارض النخيل.
    ومن طريف ما يروى إن زياد ابن أبيه عندما ولي على البصرة قام ببناء دار الإمارة باللبن بعدما كان بالقصب، فلما تولى الحجاج بن يوسف الثقفي إمارة البصرة بالإضافة إلى الكوفة، أمر بهدم دار الإمارة فيها وقال أريد أن ابنيه بالآجر وذلك لانه أراد أن يزيل ذكر زياد حسد منه، فقال له أحدهم بعد أن تم الهدم : انك ستنفق كثيراً من المال على بناءه ويبقى اسم زياد عليه، فأحس بخطاه وترك القصر دون بناء حتى زمان الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي أمر بإعادة بنائه بالآجر والجص، ولكن دار الإمارة تم هدمه من جديد ليضاف إلى بناء المسجد وذلك زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد وبقيت البصرة من دون دار إمارة.

    توسع المدينة : لقد أخذت البصرة بالتوسع السريع حتى بلغت مساحتها أيام خالد بن عبد الله القسري حوالي فرسخين طولاً إلى فرسخين عرضاً (الفرسخ قياس عربي يعادل اليوم سبعة كيلومترات ونصف تقريباً)، أي خمسة عشر كيلومتر طولاً وخمسة عشر كيلومتر عرضاً، وقد كانت ولاية خالد بن عبد الله القسري للبصرة عام واحد وستون للهجرة، أي إن ذلك التوسع حصل خلال اقل من خمسون عاماً. لقد استمرت المدينة بالتوسع في جميع الاتجاهات، وكانت تحفر الأنهار التي توصل الماء إليها وتروي البساتين وتستخدم في النقل ايضاً حتى بلغ عدد الانهار فيها كما تبينه إحدى الإحصائيات إلى عشرون ألف نهر، وما هذا إلا دليل على سعة المدينة ومجدها.
    الموقع السياسي للبصرة بين المدن : بالرغم من التاريخ السياسي الحافل للمدينة وموقعها الجغرافي المميز إلا إنها لم تستطع أن تنافس الكوفة والمنطقة المحيطة بها (بابل فيما مضى وبغداد فيما بعد) في انتزاع مركز السيادة لتصبح عاصمة لأي دولة، بل إن تاريخ البصرة والمنطقة المحيطة بها لم يشهد لها أن تكون عاصمة لأي دولة ذات أهمية في التاريخ، ولكنها أصبحت عاصمة لولاية امتدت إلى كل سواحل الخليج العربي ومناطق عربستان بالإضافة إلى الجزء الجنوبي من العراق، ولكن تلك الولاية كانت تابعة إلى دولة أخرى، وفي معظم الأوقات تكون تابعة إلى بغداد أو الكوفة العاصمة أو إلى ولاية بغداد التي تظم إليها ولاية الموصل ايضاً وذلك بعد سقوط الدولة العباسية، ويبدو إن موقعها يؤهلها أن تكون ولاية أو المدينة الثانية بعد العاصمة بدلاً من أن تكون هي العاصمة نفسها، وذلك عكس المنطقة الوسطى من العراق التي نشأت فيها أهم العواصم في التاريخ البشري والتي حكمت معظم أرجاء العالم لمدة تزيد كثيراً عن نصف التاريخ الحضاري للإنسان كمدينة أكد قرب بغداد عاصمة الاكديين والتي كانت أول عاصمة لأول إمبراطورية في التاريخ، وبابل عاصمة إمبراطوريتان مهمتان في التاريخ القديم ثم اتخذها الاسكندر الأكبر عاصمة له، والمدائن التي كانت عاصمة لثلاث إمبراطوريات عظيمة في والكوفة تلك العاصمة الإسلامية المميزة بالإضافة إلى بغداد عاصمة الدنيا لقرون عديدة. ومع هذا فان البصرة ومنذ نشأتها كانت العاصمة الإقليمية لأهم ولايات الدولة ولمعظم الوقت.



    الوضع العمراني
    إن لوضع البصرة العمراني خصوصية لا تشاركها فيه أي مدينة في العالم في ذلك الوقت، ومن المؤكد إن مهندسو البندقية في إيطاليا وامسردام في هولندا قد استفادوا كثيراً من تصميم البصرة القديمة، وبالرغم ما لهاتين المدينتين من شهرة عالمية في الماضي والحاضر إلا انهما لم تبلغا العظمة التي وصلتها البصرة في ماضيها العريق.
    لقد تم بناء المدينة بطريقة فريدة، فجزء منها كان مكتظ بالبيوت والأسواق والمساجد وغير ذلك من المرافق الأخرى وتتخلله عدد من الأنهار المستخدمة لأغراض الشرب والنقل أو المواصلات، وقسم منه ميناء بحري يعج بالسفن القادمة أو الذاهبة إلى معظم انحاء العالم. وقسم تجاري ثقافي يتوافد إليه الأعراب من أنحاء جزيرة العرب لغرض الاتجار وشراء ما يحتاجونه من مواد غذائية وصناعية وبيع ما عندهم من إنتاج حيواناتهم، ويختلط الشعر والأدب والفقه مع التجارة في هذا الجزء والمعروف بالمربد حيث يستفيد أولياءك الشعراء واللغويون من فصاحة الأعراب في لسانهم (راجع موضوع المربد) والقسم الأكبر الذي كان يحوي البساتين والأنهار وما يتخلله من قصور عامرة وبيوت منتشرة. كما كان لها ميناء نهري كبير يبعد عنها بضعة أميال هو ميناء الابلة على الضفة الغربية من شط العرب، (والذي يمثل جزأً من البصرة الحديثة في الوقت الحاضر).

    مدينة الأنهار والنخيل
    تقول بعض المصادر الموثقة بان عدد الأنهار قد بلغ في مدينة البصرة نحو من عشرين ألف نهر، وهذه المصادر تعتمد على ديوان الخراج، حيث كان يجبى خراج كل نهر بما فيه من بساتين ونخيل، وقد يتصور البعض إن هذا أمر مستحيل، فكيف تم حفر هذا العدد الهائل من الأنهار، وقد شكك بن حوقل بهذا الرقم كثيراً وهو من جغرافي العصر العباسي المعروفين، ولكنه عندما زار المنطقة أيقن بصحة تلك الأرقام.
    لقد كانت الكثير من البيوت والقصور تبنى على حافات الأنهار في بعض المناطق، كما بنيت البنايات في مدينة البندقية على حواف القنوات البحرية فيما بعد، بينما كانت تترك طرق للمارة والعربات والحيوانات (شوارع) بين الأنهار والبيوت في مناطق أخرى، كما بنيت امستردام فيما بعد، علماً إن قنوات البندقية أو انهار امستردام هي شيء تافه بالنسبة إلى انهار البصرة وتعدادها، كما إن تلك الأنهار كانت مزينة بأشجار النخيل والبساتين التي كانت تتخللها عكس قنوات البندقية الخالية من كل زرع وانهار امستردام القليلة الأشجار.
    إن افضل صورة لمدينة البصرة القديمة هي بعض البيوت في البصرة الحديثة والتي شيدت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على غرار ما كان موجوداً في البصرة القديمة لبعض الموسرين من الناس، وما زال بعض بقاياها قائم لحد الآن، وهي في غاية الجمال والذوق الفني الرفيع، ولقد اطلع الكاتب على بعض الكتب الإنكليزية التي تصور بعض مناطق البصرة الحديثة والتي بنيت على غرار المدينة القديمة وذلك في بدايات القرن التاسع عشر بحيث تتضاءل أمام تلك الصور وجمالها مدينتي البندقية وامستردام.
    بعض التصاميم الهندسية في بناء البيوت البصرية :
    لقد اطلع المؤلف على بعض القصور المكتشفة في بعض المناطق الأثرية التي تم التنقيب عنها في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وستضاف صور تلك البقايا من القصور حال الحصول عليها إلى هذا البحث إنشاء الله. لقد كان المهندسين والمعماريين في ذلك العصر يأخذوا حالة الجو والحياة الاجتماعية والمواد الأولية المتوفرة مع الوضعية الجمالية بنظر الاعتبار في تصميمهم اكثر من مهندسي الوقت الحاضر. فبدراسة تلك البقايا نلاحظ ما يلي : إن الجدران الخارجية لتلك القصور كانت بسمك مائة 120 سم بنيت باللبن (الآجر الغير المحروق) والمتكون من الطين المخلوط مع الرمل، وهو التربة السائدة هناك، ومن ميزات مثل هذه الخلطة إنها متينة بما فيه الكفاية كما إنها لا تتشقق كما يحصل للطين الاعتيادي وحتى بعد خلطه بالتبن، والمونة المستعملة هي من نفس ذلك الطين لرخصها وسهولة الحصول عليها كما إنها سهلة الاستعمال في البناء، ويبنى الساف الخارجي من الآجر المفخور وبسمك 18 سم تقريباً وذلك حتى يتحمل الرطوبة والأمطار ولا يتآكل بسرعة، ويعطي منظراً جميلاً للبناء يوحي انه مبني جميعه بالآجر. أما المونة المستعملة مع ذلك الآجر فهي الجير المطفي (النورة) لتقاوم العوامل الطبيعية، والتي تخلط بعض الأحيان بالرماد لتتكون من تفاعلهما مادة أسمنتية تعمر طويلاً. أما في الداخل فان الجدران الداخلية والتي هي أصلاً من (اللبن)،فإنها تطلى بطبقة (من البياض) سميكة نسبياً تزيد عن 30 ملم، يستخدم فيها الجير المطفي (النورة) وتظهر عليها الكثير من النقوش والزخارف وصور الحيوانات والنباتات والكتابة، ويبدوا أن هنالك قوالب خاصة لهذه النقوش والزخرفة، كما تطلى بطبقات من الأصباغ والدهان تجعل منها لوحات فنية رائعة الجمال.
    ان سمك جدران الحيطان الداخلية والقواطع بين الغرف هو اقل قليلاً من الجدران الخارجية، إذ يكون بحدود المتر، وسبب ذلك السمك حتى يتحمل الأثقال التي تشكلها الأقواس والسقوف الثقيلة التي يحملها والتي تغطى بطبقة من الطين المخلوط بالرمل (التربة الطبيعية) وبمعدل سمك يزيد على 30 سم كي يعطي الانحدار الكافي لجريان مياه الأمطار التي تتساقط وقت الشتاء،وفي بعض الأحيان تكون أرضية تلك السطوح مكسور بالآجر المربع الكبير الحجم نسبياً.
    أما السقوف فكانوا يستخدموا الأقواس الأنيقة والتي تتحمل الأوزان الثقيلة وتعيش سنين طويلة إذا أحسنت صيانتها، كما وان الأروقة كانت تتكون من ممرات تسقفها الأقواس وتوجد في أعلاها فتحات صغيرة للإنارة في بعض الأحيان. وكانت باحة البيت (الحوش) تقع في منتصف البيت، وتكون بعض الغرف المطلة على تلك الباحة مرتفعة عنها بنحو متر أو اكثر وواجهتها المطلة على الباحة تتكون من شبابيك خشبية ذات نقوش جميلة وزجاج ملون بنقوش هندسية رائعة.


    ام قصر

    تتوسط الحوش بركة ماء كانت تستخدم لخزن الماء الذي يجلب من النهر حيث تضيف منظر جميل إلى تلك الباحة، وعادة ما تكون هنالك حديقة صغيرة فيها بعض أشجار النخيل والأشجار الأخرى التي يسهل نموها هناك. كما تحيط بالحوش منطقة مسقوفة ترتكز من ناحية على الجدران الداخلية للغرف ومن الناحية الثانية على أعمدة من الخشب يتكون أعلاها من تاج مزخرف بزخرفة جميلة. ان فائدة هذه السقوف هي لحماية جدران الغرف من أشعة الشمس المباشرة فتكون كالمظلات، كما إنها مكان مناسب للجلوس تحتها في ساحة الحوش لما تكونه من ظل وعلى الأخص أوقات العصر عندما يعتدل الجو.
    توجد هنالك أقبية تحت الأرض (سراديب) في بعض أجزاء البيت وعلى الأخص تحت الغرف التي تعلوا عن سطع الحوش التي أشرنا إليها فان ذلك الارتفاع يعطي ارتفاع إضافي لتلك الأقبية، وتكون سقوف تلك الأقبية مبنية على شكل أقواس لتعطيها القوة والمتانة لتتحمل ما فوقها، كما إنها تكون عازلاً حرارياً لسماكتها. ان تلك الأقبية ملاذا جيدة لسكان البيت أثناء وسط النهار للوقاية من حرارة الجو، كما يمكن ان تستخدم أثناء الشتاء لأنها تكون دافئة وذلك لأنها تحت مستوى سطح الأرض ولا تتعرض إلى أشعة الشمس المباشرة الحارقة، ونظراً لعدم شدة البرودة وقصر الشتاء فان الاستعمال الشتوي يكون نادراً.
    أما نظام التهوية في هذه البيوت فهو نظام هندسي رائع مستمد من نظام التهوية في المدن العراقية القديمة والذي تم تطوير خلال آلاف السنين، حيث توجد مجاري هوائية مبنية تشبه المداخن في المدن الغربية، وتمتد من الأقبية إلى الغرف حيث توجد فتحات في الأقبية والغرف تسمح بدخول أو خروج الهواء منها، وتمتد تلك المجاري إلى أعلى البيت حيث تسمح بمرور تيار هوائي بارد نسبياً يأتي من الأقبية ليخرج في النهاية من أعلى البيت. ان مثل هذا التيار يمنع الهواء من التعفن ويقلل من الرطوبة داخل البيت ويسهل عملية تبديل الهواء بسرعة معقولة لا تؤثر كثيراً على تسخين الجو الداخلي أثناء الصيف أو جلب البرودة أثناء الشتاء.

    تأثير الشعر واللغة والأدب على الوضع العمراني
    لقد اثر الشعر والأدب واللغة على تصميم البصرة العمراني لمدينة البصرة، فقد خصصت مساحة كبيرة من المدينة دعيت بالمربد لخدمة هذا الغرض فكانت هنالك ساحات تنصب فيها السرادقات (المخيمات الكبيرة) يتبارى فيها رجال الشعر، كما كان رجال اللغة يجلسوا هناك بانتظار الأعراب ليأخذوا عنهم فصيح اللغة (راجع المربد)،ولهذا الغرض ايضاً بنى بعض الموسرين قصوراً لهم في المربد لتكون مجمع الشعراء والأدباء واللغويين والأعراب، ان هذا قد اثر على هندسة بناء المدينة كثيراً لتستوعب كل تلك المتناقضات في مكان واحد، تستوعب الأعراب وجمالهم وأحمالهم والأدباء ومجالسهم والسرادقات التي كانوا يقيمونها والأثرياء المحبين للشعر والأدب وقصورهم.
    لقد كانت المربد هي التي جمعت كل تلك المتناقضات، وهي منطقة رئيسية من مناطق البصرة، لذا فان النظام العمراني لهذه المنطقة كان مختلفاً عن باقي مناطق البصرة الأخرى.



    تأثير الوضع التجاري على النظام العمراني
    ذكرنا ان البصرة كانت المدينة التجارية الأولى في العالم الإسلامي، لذا كان لهذا الوضع التجاري تأثيرات بالغ على الوضع العمراني للمدينة، فمن تلك التأثيرات إنها جعلت بعض مناطق البصرة مواني تجارية كجنوب البصرة التي كانت تطل على تفرع يأتي من الخليج العربي يعرف اليوم بخور الزبير، حيث كان ذلك الجزء عبارة عن ميناء مزدحم بآلاف السفن المختلفة، لذا فان من المنطق ان تكون تلك المنطقة عبارة عن مخازن للبضاعة ومحلات تجارية وفنادق (خانات) ومطاعم للتجار والبحارة، ومن المؤكد ان تلك المنطقة كانت بعيدة عن الترف والقصور التي ذكرت في كتاب الأغاني وبقية كتب الأدب والتاريخ، وقطعاً لم تكن من المناطق التي يلتقي فيها العشاق والمغنين الذين أسهب كتاب ألف ليلة وليلية وروايات الأصمعي في ذكر أخبارهم. كما كانت هنالك ميناء تجاري آخر للمدينة يبعد عنها اكثر قليلاً من عشرة أميال هو ميناء الابلة الذي يقع على الجهة الغربية من شط العرب والذي هو اليوم جزء من مدينة البصرة الحديثة، حيث كانت الكثير من السفن القادمة إلى البصرة عن طريق البحر ان تذهب إليه لأنها ستنقل بضاعتها من وإلى سفن اصغر حجماً تذهب إلى بغداد وباقي مدن ومناطق العراق عبر نهري الفرات ودجلة.
    أما التأثير الثاني للحركة التجارية على عمران المدينة هو نمو طبقة ثرية من التجار انعكس ثرائها على البذخ في بناء بيوتها وقصورها مما جعل المدينة ترتدي ثياب البذخ والغنى كثاني مدينة في العالم الإسلامي بعد بغداد، ومن المؤكد ان قسماً من أولياءك التجار الأثرياء بنوا قصورهم على شواطئ الأنهار التي تربط بين المدينة وشط العرب ليكونوا على اتصال بين تجارتهم وبين المدينة ويعيشوا في مكان يتمتع بالسحر الطبيعي بين النخيل والأشجار.
    أما التأثير الثالث فان المدينة كانت تصل إليها بعض المواد الأولية اللازمة للبناء والتي تعتبر بذخ زائد عن الحد في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، كأنواع الخشب الثمين من الساج والأبنوس والمصنوعات الخشبية كالأبواب ذات الزخارف الجميلة والشبابيك ذات الزجاج الملون والمصنوعات المعدنية النحاسية والحديدية المستخدمة في البناء مما جعل بيوت المدينة وعلى الأخص بيوت الأغنياء تبنى بناءً ممييزاً فيه كثير من الأبهة والبذخ، وبقايا البيوت المكتشفة في المدينة خير شاهد على ذلك، كذلك البيوت التي بنيت في البصرة الحديثة وخلال القرنين الأخيرين والتي كان من المؤكد إنها مستوحاة من تصاميم البصرة القديمة لهي دليل مادي مؤكد.
    الوضع الفكري
    كان للبصرة وضع فكري مميز بها فقد كانت بالاشتراك مع الكوفة تشكل عواصم اللغة الوحيدة في العالم الإسلامية فلم يكن في العالم الإسلامي غير مدرستين للغة لا ثالث لهما هما البصرة والكوفة، وكانت البصرة هي المتفوقة والمتصدرة في هذا المضمار، أما الفقه فكانت هنالك ثلاث مدارس لا رابع لهما، هما الكوفة والبصرة والمدينة (وذلك قبل بناء بغداد)،أما في الشعر فكان الشعراء الكوفيون والبصريون وما زالوا يشكلون دعامة الشعر العربي ونقطة ارتكازه، وكذا الحال في الأدب، أما الفلسفة فقد كان للفلاسفة البصريين باعاً كبيراً مميزاً.
    لم يقتصر النشاط الفكري في البصرة على النشاط الأدبي والفلسفي بل كان لها نصيب لا يستهان به في العلوم، وبالرغم من إنها لم تكن تحتل مركز الصدارة كما هو الحال في اللغة والشعر والفقه إلا ان نصيبها كان لا يستهان به والسبب في ذلك لان العلوم بدأت بعد فترة زمنية من ظهور الحركات الأدبية والشعرية، أي بعد عصر الترجمة، حيث كانت بغداد هي الحاضرة الإسلامية الرئيسية التي استقطبت معظم العلماء في ذلك الوقت.


    مقبرة الانكليز

    الشعر
    كانت البصرة أحد المراكز المهمة في الشعر وبقيت تتنافس على مركز السيادة في العالم العربي مع الكوفة وليومنا هذا، البصرة التي سكنها فحول الشعر في العصر الأموي، الفرزدق وجرير، ولم يقتصر الأمر على هذين الشاعرين، فقد ظهر منها خيرة الشعراء في معظم العصور كبشار وأبي نؤاس، كما وكان الشعر البصري امتاز دائماً بالرقة والعذوبة والتجديد عكس الشعر الكوفة التي امتاز بالمتانة والمحافظة، وبقيت هذه الخاصية متأصلة عند الاثنين إلى يومنا هذا، فالكوفة أنجبت المتنبي اعظم الشعراء العرب، إلا انه كان محافظاً في شعره بينما أنجبت البصرة أبو النؤاس وبشار بن برد المجددين ذوي الأشعار السلسة وحتى في عصرنا الحاضر أنجبت الكوفة شاعر الشعراء الجواهري ذو الأسلوب المتين المحافظ بينما أنجبت البصرة أمير الشعر الحر بدر شاكر السياب.
    بالرغم من ان الشعر البصري امتاز بالسلاسة إلا انه لم يغفل فصاحة اللغة وإحكام مفرداتها، فهذا الفرزدق الشاعر الذي أنجبه المربد يقال عنه : لولا الفرزدق لضاعت ثلث اللغة العربية، وهذا بشار الذي قال له بعض النقاد : ما من شاعر إلا وقال بعض الأبيات التي أنكرتها بعض العرب لوجود خطأ لغوي فيها، وأنت الوحيد الذي لم ينكر عليك أحد مع كثرة شعرك ! فقال : ومن أين يأتي الخطأ في كلامي ؟ لقد عشت بين ثمانين شيخاً من فصحاء بني عقيل، ما فيهم أحد يعرف الخطأ في كلامه ! وكنت عندما ادخل على نسائهم أجدهن افصح من الرجال. وهذا يبين مكانة ومتانة اللغة العربية في البصرة.
    قد نكون غير مغالين إذا قلنا ان نصف الشعراء كانوا من الكوفة والبصرة والنصف الآخر كان من سائر أنحاء الوطن العربي بما في ذلك أجزاء العراق الأخرى، ولا ينطبق هذا على العصور الإسلامية فقط وانما على العصر الحاضر ايضاً، ويبدوا ان هنالك خصوصية في مناخ وتربة هاتين البقعتين فأنها تنبت الشعر وتثمر العباقرة منهم.
    الأدب
    يبدوا ان منافسة الكوفة للبصرة في الأدب لم تكن من الشدة كما كانت في الشعر، حتى أننا نستطيع ان نقول بان البصرة تربعت على كرسي الزعامة في الأدب تقريباً، فمنها تخرج اعظم أدباء العرب إطلاقاً، فهي بلد الجاحظ والأصمعي وابن المقفع، هؤلاء الذين يعتبرون أعلام الأدب العربي على مر العصور بدون منازع، وغيرهم كثير من الذين يأتون بالدرجة الثانية، وبالرغم من ان الكوفة هي ايضاً قد أنجبت العديد، إلا انهم اقل شهرةً، وما أنجبته بغداد فيما بعد يعتبرون تلامذة لهؤلاء العمالقة.
    بدراسة متفحصة لكتاب ألف ليلة وليلة، تكتشف ان بعض أجزاء ذلك الكتاب تمت كتابتها بواسطة الكتاب البصريين، فمن يكتب قصصاً عن البحر ومغامراته لابد وانه كان يجلس مع البحارة في مجالس سمرهم ويسمع مغامراتهم وما تصادفهم من غرائب الأمور، كالتي وردت في قصة السندباد البحري المستوحاة من مغامرات البحارة الحقيقيون في رحلاتهم، وما فيها من مبالغات وخيال في بعض الأحيان، أو قصة الجبل المغناطيسي الذي يسحب السفن بفعل ما فيها من مسامير وقطع حديدية والى غير ذلك. وكتاب الحيوان للجاحظ هو مثال آخر على تلك المجالس وسماع الأخبار من بدو البادية أو بحارة السفن.
    الفلسفة :
    نشأت علوم الفلسفة في العالم الإسلامي بعدما تم ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية واطلع العرب عليها، وقد اسهم العرب إسهامات كبيرة في علم الفلسفة، ونظراً لان هناك بعض التعارض بين الأفكار الفلسفية العقلية وبين الأفكار الدينية النقلية فقد حارب الكثير من رجال الدين هذا العلم وأهله، حتى كانت الفلسفة علم يحضر دراسته في معظم أنحاء العالم الإسلامي وعلى الأخص في المغرب العربي وبلاد الأندلس وبلاد الشام ومصر، ولعل السبب في ذلك هو ان المدرسة الفقهية السائدة هناك كانت مدرسة الحديث والسنة حيث انتشر المذهب المالكي وهو أول المذاهب السنية، وكان معظم اتباعه وفقهائه ينظرون إلى الفلسفة كشيء محرم لانه لا يقبل الأمور المنقولة على عللها ما لم يكون لها أساس عقلي، أما في المشرق العربي وعلى الأخص في العراق فان الوضع كان يختلف كثيراً لأنهم كانوا على اتصال فكري بالحضارات القديمة والمجاورة كحضارة الإغريق والهند والصين وكثرة الفلاسفة فيها، مما سهل على المذاهب العقلية بالسائدة، تلك المذاهب التي كانت تعطي للعقل مجالاً وفسحة في التشريع الديني، فقد كانت المذاهب السائدة في العراق والمشرق هي مدرسة أهل القياس من جماعة أبو حنيفة وهي مدرسة عقلية إلى حد ما، وكذلك مدرسة آل البيت والمعتزلة اللتان جعلتا العقل أو المنطق أحد سبل التشريع الفقهي، كل ذلك أوجد تعايشاً بين الفلسفة والفلاسفة وفقهاء الدين، وكان للفلاسفة البصريون مساهمة فعالة في إثراء الفكر الإسلامي العربي، وانتاج فلسفي مميز. ففي البصرة نشأ وترعرع اعظم فلاسفة المسلمين الكندي والذي انتقل إلى بغداد فيما بعد، كما كان لاخوان الصفى ورسائلهم الفلسفية اثر كبير ايضاً، هذا بالإضافة إلى ان بعض المعتزلة كانوا يغالوا في استخدام الفلسفة في القضايا الفقهية حتى كانوا يفرغوا بعض الأمور من جوهرها الديني.



    الفقه
    ان كون البصرة مدينة تجارية مفتوحة على العالم وثقافاته المتباينة ودياناته المختلفة، ووجود طوائف متباينة من الشعوب التي تعيش فيها بشكل مستمر أو موقت، جعل من المصعب على مدرسة الحديث والسنة ان تحتل مركزاً لها في المجتمع البصري المتفتح، فما هو مقبول في مكان قد لا يكون مقبولاً في كل مكان آخر، وما هو متعارف في زمان قد لا يكون متعارف في كل زمان، ومدرسة الحديث التي استقطبت الكثير من المجتمعات البسيطة وخدمت الدين الإسلامي فيها لم تتمكن من أداء هذا الدور في مدينة البصرة، فمن السهل ان تقنع البدوي بان هذا حلال أو حرام لان رسول الله قال كذا وكذا، أما في المجتمع التجاري المتفتح فان ذلك قد يكون عسيراً في بعض الأحيان ما لم ينظر إلى الحديث وهل هو معقول ويتجانس مع الفكر والمنطق أو انه حديث مدسوس قد دسته فئة من الناس لأسباب أو مصالح خاصة، لذا فقد سادت المدرسة العقلية في مدينة البصرة.
    لقد بدأت تلك المدرسة على يد الحسن البصري، وهو من كبار التابعين، وكان وأصحابه يدعون أهل العدل والتوحيد، وذلك لأنهم كانوا يقولون ان الله عادل، ولتقريب فكرة العدل الإلهي عندهم نورد الطريفة التالية، وذلك ان رجلاً من عامة الناس كان يناقش زوجته في أمر الحجاج وان الله سيعذبه بنار جهنم، ويبدوا ان زوجته لم تتفق معه تماماً، فقال لها حانقاً : أنت طالق في الثلاث ان كان الله لا يدخل الحجاج النار ! وفي المساء نسي الرجل الموضع واراد ان ينام مع زوجته فقالت له : كيف تكون معي في نفس الفراش وقد طلقتي بالثلاث ؟ فسألها الرجل متعجباً : ومتى وكيف طلقتك بالثلاث ؟ فذكرته بيمينه حول الحجاج، وقالت : من أدراك ان الله سيلقيه في النار ؟ ألا تعلم ان الله قد يغفر الذنوب جميعاً لأي عبد من عباده ! فأشكل الآمر على الرجل وذهب في اليوم الثاني إلى الحسن البصري وروى له القصة، فتبسم الحسن وقال له : يا بني ان كان الله يغفر للحجاج كل ذنوبه وجرائمه فان زناك بزوجتك أمر تافه سوف لن يحاسبك الله عليه ! اذهب إلى زوجتك ولا تفكر بأمر يمينك ! أننا لو استطلعنا آراء أهل مدرسة الحديث في هذا الأمر لقال أكثرهم بجواز الطلاق لانه ليس لديهم دليل على ان الله سيعاقب الحجاج مع معرفتهم بكفره وجرائمه، بحجة لعل الله يغفر له لكلمة قالها أو لفعلة فعلها وهذا يتناقض مع العدل الإلهي الذي يؤمن به أهل العدل والتوحيد.
    بعد ان انتقل واصل بن عطاء من المدينة إلى البصرة وكان من تلامذة الإمام محمد الباقر خامس همام في مدرسة أهل البيت على اثر خلاف بينه وبين الإمام جعفر بن محمد الصادق على مسالة ما، جلس في حلقة الحسن البصري، ويبدو ان واصل قد أثر في الكثير من الجالسين في حلقة الحسن البصري بما اكتسبه من مدرسة آل البيت من معرفة، وفي أحد الأيام اختلف مع الحسن البصري في إحدى المسائل، وبعد مناظرة بين الاثنين، أفحم واصل الحسن في تلك المسألة وقام غاضباً وقام معه جماعة من الجالسين في الحلقة، فقال الحسن بحزن : لقد اعتزلنا واصل ! فسميت الحلقة التي أسسها واصل بالمعتزلة، وأصبحت هي المدرسة المميزة لأهل البصرة.
    لقد انتقلت مدرسة الاعتزال إلى بغداد وأصبحت المدرسة المهيمنة في الفقه هناك أيام خلافة المأمون العباسي واستمرت أيام المعتصم والواثق، ولكن المعتزلة والفكر الإسلامي أصيب بنكبة كبيرة عندما جاء إلى الحكم المتوكل الذي يسميه الكثير من المؤرخين بنيرون العرب حيث اضطهد أهل الفكر من العلماء واحرق كل كتب المعتزلة وكتب الفلسفة وكثير من كتب أهل القياس، ووضع في السلطة المتطرفين من الحنابلة الذين عاثوا في الأرض فساداً فكانوا يهجموا على البيوت في حين غفلة من أهلها ويضربوا أصحابها ويحرقوا مكتباتهم بحجة ان فيها بعض كتب فلسفة، واضطهدوا قادة الفكر الإسلامي وقتلوا الكثير منهم، ومما زاد في الطين بلة خضوع الخلفاء إلى القواد الأتراك الجهلة، الذين كانوا يقضون على كل ما يخالف عقائدهم بكل عنف، وبقيت الحال على هذا الأمر إلى دخول البويهيين إلى بغداد وخضوع الخلافة العباسية لهم، وبالرغم من السلبيات الكثيرة التي صاحبت حكم البويهيين إلا ان الحسنة الكبيرة في أيامهم كانت الحرية الفكرية وتشجيعهم للعلم والعلماء، حتى اصبح عصرهم يعد العصر الذهبي لكافة العلوم، وفيه ظهر الكثير من العلماء بكافة تخصصاتهم.
    لقد عادت مدرسة الاعتزال إلى نشاطها من جديد ولكنها هذه المرة اتجهت إلى منحنيات فلسفية معقدة مما أبعدها عن الجمهور العام فأخذت بالانحلال وبدأ أفرادها يتحولون إلى المدارس الفقهية الأخرى كمدرسة أهل البيت ومدرسة أهل القياس، حيث أصبحت مدرسة أهل البيت تحتل الصدارة في الوقت الحاضر في مدينة البصرة، وأصبحت البصرة تتبع الكوفة في الأمور الفقهية.
    الوضع الطائفي والديني
    لقد كان لحرب الجمل تأثير سيئ على الوضع الطائفي للمدينة، وبالرغم من إن اكثر من نصف أهالي المدينة كانوا من أنصار الأمام علي في حربه، إلا إن تلك الحرب قد أثرت على وضع التشيع في المدينة والذي لم يكن هو السائد في صدر الإسلام، ومن ناحية ثانية فان البصرة كانت مدينة تجارية وجسراً عالمياً يمر فيها ويتشعب منها طريق الحرير الذي يمتد من الصين إلى أوربا من جهة البر والبحر كما أنها كانت مفتاح فارس والهند، لذا فقد اتصف أهلها بالانفتاح الفكري، مما لم يسمح لمذاهب السنة وحتى أهل القياس من نشر مذاهبهم فيها، ونتيجة لهذه الظروف فقد وجد مذهب الاعتزال فيها المكان الأمثل، وذلك لان هذا المذهب يدعوا إلى حرية العقل والأخذ بالمنطق أساساً رئيسياً في التشريع، وبقيت البصرة مدينة لحرية الفكر والتسامح.
    المربد
    كما اشتهرت مكة في الجاهلية بسوق عكاظ فقد اشتهرت البصرة بالمربد، بل ان المربد كان اعظم اثراً واكبر مساحةً وأطول عمراً من سوق عكاظ بعشرات المرات، ولم يكن أثره يقتصر على مدينة البصرة فحسب وانما امتد وشع نوره إلى كل العالم الإسلامي. فكان المدرسة التي نما فيها الشعر، وبنيت فيها قواعد اللغة العربية، وتم إثراء الفقه من خلاله، وتخرج منها الكثير من الشعراء والأدباء والفقهاء واللغويون، وما زال العالم الإسلامي يدين إلى المربد بقواعد اللغة العربية التي حفظت لغة القرآن من الضياع وكلام العرب من والتغيير. المربد الذي تخرج منه جرير والفرزدق، بشار بن برد وأبو النؤاس، الفراهيدي وسيبويه، وغيرهم من قمم أعلام اللغة والشعر والفقه والتي كان الآخرون لها تبعاً وتلاميذ.



    البصرة في الشعر والنثر
    قال بن أبي عيينة المهلبي يمدح البصرة :
    يا جنّة فاقت الجنانَ، فما يعدلهـا قيـمةٌ ولا ثمنُ
    ألفيتها فـاتخذتها وطناً، إن فؤادي لمثلهـا وطنُ
    زُوّجَ حيتانها الضَبابَ بها فهـذهِ كنّـةُ وذا ختنُ
    فانظر وفكّر لما نطقتُ بهِ ان الأديب المفكر الفطنُ
    من سُفُنٍ كالأنعام مقبلةٍ ومـن نعامٍ كأنها سفنُ

    وقال أيضاً يتشوق إليها عندما فارقها إلى جرجان :
    فإن أشكُ من ليلي بجرجان طوله فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر
    فيا نفسيُ قـد بدّلتِ بؤساً بنعمةٍ ويا عين قـد بدلت مـن قرّة عِبَر
    ويا حبـذاك السائلي فيـم فكرتي وهمّي، ألا في البصرة الهمُّ والفكر
    فيا حبذا ظهـرُ الحـزيز وبطنه، ويـا حسن واديه، إذا ماؤه زَخر
    ويا حـبذا نـهر الأبـلة منظراً، إذا مـدّ فـي إبّانه الماءُ أو جزر
    ويا حسن تلك الجاريات إذا غدت مـع الماء تجري مصعدات وتنحدر
    فيا نـدمي إذ ليس تغني ندامتي ! ويا حذري إذ ليس ينـفع الحذر
    وقائـلة : مـاذا نبا بك عنهمُ ؟ فقلت : لا علم لي، فاسألي القدر
    خالد بن صفوان يصف البصرة ويمدحها
    وفد خالد بن صفوان على الخليفة عبد الملك بن مروان، فوافق عنده وفود جميع الأمصار، فطلب من ابنه مسلمة بن عبد الملك ان يريهم بعض عجائب الشام وجناتها وقصورها، فقال لهم مسلمة وهم معجب بها فاقبل على وفد مكة وقال لهم : يا أهل مكة هل عندكم مثل هذا ؟ فقالوا : لا ولكن عندنا بيت الله المستقبل ! ثم التفت إلى أهل الدينة وسألهم نفس السؤال، فقالوا : فقالوا لا إلا ان فينا قبر نبي الله المرسل ! ثم سأل أهل الكوفة فقالوا : لا إلا ان فينا تلاوة كتاب الله المرسل ! ثم التفت إلى وفد البصرة فقال له خالد بن صفوان : نعم أيها الأمير ! اصف لك بلادنا ! يغدو قانصنا فيجيء هذا بالشبّوط والشيّم (أنواع من السمك الجيد)،ويجيء هذا بالظبي والظليّم، ونحن اكثر الناس عاجاً وساجاً وخزاً (حرير) وديباجاً وبرذوناً (نوع من أنواع الخيول) هملاجاً وخريدة مغناجاً، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب، أوله الرطب وأوسطه العنب وآخره القصب، فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزيتون عندكم في منابته، هذا على أفنانه كذلك على اغصانة .


  2. #2
    من المشرفين القدامى
    بياض الثلج
    تاريخ التسجيل: September-2016
    الدولة: ❤ In his heart ❤
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 17,452 المواضيع: 7,931
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 9612
    مزاجي: ماشي الحال
    المهنة: موظفة
    أكلتي المفضلة: تشريب احمر
    موبايلي: نوكيا5
    آخر نشاط: 23/May/2020
    شكرا على التقرير الجميل

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال