النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

في طريق سيد الشهداء الإمام الحسين علیه السلام

الزوار من محركات البحث: 10 المشاهدات : 274 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: November-2013
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 2,077 المواضيع: 1,813
    التقييم: 1567
    آخر نشاط: 1/June/2022

    في طريق سيد الشهداء الإمام الحسين علیه السلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


    قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ ﴾.

    قال رسول الله‘: (كتب على يمين العرش بلون أخضر الحسين مصباح هدى وسفينة النجاة). صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين الشاكرين والحمد لله رب العالمين.

    أما بعد: فإنّ من أهم الأعمال الصالحة، وأفضل القربات الخالصة، ذات المقام العظيم والثواب الجسيم، جنات الفردوس والنعيم، والنجاة من العذاب والجحيم، هو إقامة العزاء والبكاء على مصائب سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين سبط الرسول وريحانة البتول، شبل المرتضى وشقيق المجتبى وخامس أصحاب الكساء عليهم الآف التحية والثناء والصلاة والسّلام. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليعمل العاملون، فإنّه لا يُلقّاها إلّا ذو حظٍ عظيم.

    إنّ الله سبحانه وتعالى قد خصّ الإمام الحسين× جوهرة الكون الفريدة، آية المعبود الكبرى، وسرّ الوجود الأعظم بخصائص وميزات إنفرد بها دون جميع الخلائق، وسواء على الصعيد التكويني، أو الصعيد التشريعي.

    ومن الأول: قد جعل الله الشفاء في تربته المباركة، كما جعله في ماء زمزم.

    ومن الثاني: يحرم أكل الطين مطلقاً إلّا طين تربة الإمام الحسين× للإستشفاء، ويكره لبس السواد والجزع، إلّا على مصائب سيد الشهداء في محرم وصفر، وعلى هذين الصعدين من الشواهد والنماذج الكثير الكثير.

    أو تدري أنّ الجنّة خلقها الله من نور الإمام الحسين× فكان العلّة الوجودية لها في عالم الإمكان وإذا كان في الجنة ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر!! فما بالك بالعلّة الوجودية للجنة، فهل يمكن للبشر أن يقف على حقيقة الإمام الحسين×بل ما عنده الی یومنا هذا انما هو معشار عشر،اي واحد بالمأة ویبقی تسعة وتسعون فیظهر عند ظهور صاحب الزمان وفي یوم القیامة ،فما عندنا فهو غرفات بمقدار أكفّنا من بحار فضائله ومناقبه، بل ما عندنا في الواقع إنّما هو منهم وإليهم، ولولاهم لما عرفناهم.

    لو قرءنا تراجم علمائنا الأعلام وفقهائنا العظام من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، وفتشنا عن أحوالهم لنكشف أسباب توفيقهم وبلوغهم وشهرتهم كالشيخ الطوسي والشيخ المفيد والسيدين الأخوين المرتضى علم الهدى والشريف الرّضي، والسيد مهدي بحر العلوم والشيخ عبد الكريم الحائري والعلامة المجلسي وسيدنا الأستاذ النجفي المرعشي() وغيرهم من الأعاظم فإنّ من أبرز أسباب توفيقهم هو تفاعلهم الخالص والمخلص مع قضية سيد الشهداء الإمام الحسين× وتنافسهم في إقامة المآتم والعزاء بكل أشكاله وألوانه إنطلاقاً من تعظيم شعائر الله سبحانه.

    عن الإمام الرضا× في حديث مفصّل: (إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا...) () وعن مولانا صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف: ( يا جدّاه لاندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً).

    إنّ الإمام الحسين نور الله ومصباحه في عالم الوجود، إنّه الإنسان الكامل الذي تجلّى فيه إسم ربّه الأعظم، وحقيقة جدّه الأكرم، وقد برز في سيرته الذاتية ثورته الإصلاحية الخالدة بخلود الزمن.

    وقد عاداه الجهل بكلّ مظاهره، وآثار الأعداء والمغفلين بين حين وحين الفتن والشبهات حول شعائره ونهضته، يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم وإعلامهم وشبهاتهم، ولكن أبى الله إلّا أن يُتمّ نوره الحسيني، حتى ظهور مولانا الإمام المهدي ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، ويرجع الإمام الحسين× مع أصحابه الكرام في كرّة ورجعة ثابتة بالعقل والنّقل، حتى صارت من ضروريات الإيمان بمذهب أهل البيت^.

    ثم التشكيك بمقامات أهل البيت^ وأقوالهم ليست بجديدة، ولا وليدة عصرنا هذا، بل كان حتى في عصر الأئمة^ بل حتى في عصر النبي الأعظم‘، فكان هناك من يبدي نوعاً من المعارضة ويقف في وجه أقوال الرسول الأكرم‘.

    روى عن الإمام الصادق بسند معتبر في كامل الزيارات () قال: (كان الحسين بن علي× ذات يوم في حجر النبي‘ يُلاعبه ويضاحكه، فقالت عائشة: يا رسول الله ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟

    فقال لها: ويلك وكيف لا أحبّه ولا أعجب به، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟ أما أن أُمّتي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي.

    قالت: يا رسول الله حجة من حججك؟!

    قال: نعم حجتين من حججي.

    قالت: يا رسول الله حجتين من حججك؟!

    قال: نعم وأربعة.

    قال: نعم لم تزل تزادّه ويزيد، ويضاعف حتى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول الله‘ بأعمارها.

    ومن أفضل أيام زياراته المباركة زيارته في يوم عاشوراء ومن أفضل الزيارات المأثورة بزيارة عاشوراء وقد ألقينا خلال السنين الماضية في شهر محرم الحرام الأضواء عليها لشرحها وتفسيرها، وبيان بعض النقاط فيها، لتكون إضاءات وإشراقات في حياتنا العلمية والعملية، الفردية والإجتماعيّة.

    ولا يخفى إنّ الإشكالات والإعتراضات والشبهات التي تثار حول الشعائر الحسينية والزّيارات والمآتم ومظاهرها ومعالمها ليست بجديدة، ولا تزال هناك من يجّج النّار وينفخ في الغبار، إلّا إنّه قد ثبت بالبيان والعيان أنّه لم تورث أصحابها إلّا الفضيحة والخيبة والحرمان، لأنّ الله عز وجل قد أوعد ووعد، أن لا يزيد معارضي قضية الإمام الحسين× إلّا الخيبة والذّلة، وشعائر الإمام الحسين× إلّا الظهور والعزّة.

    وما أروع وأعظم ما أخبرتنا به عمتنا الحوراء زينب الكبرى سلام الله عليها بمستقبل ثورة أخيها الحسين×؟! كامل الزيارات بإسناده عن مولانا وجدّنا الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين÷ قال: لما أصابنا بالطّف ما أصابنا، وقتل أبي × وقُتل من كان معه من ولده وإخوته، وسائر أهله، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يُراد بنا الكوفة، فجعلتُ أنظر إليهم صرعى ولم يواروا، فعظُم ذلك في صدري وإشتّد لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي× فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدّي وأبي وإخوتي؟

    فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مضّرّجين بدمائهم مرحلّين بالعزاء ومسلوبين لا يكفّنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر.

    فقالت: لا يجزعنّك ما ترى، فو الله إنّ ذلك لعهد من رسول الله‘ إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السّماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجّة، وينصبون لهذا الطّف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيّام وليتجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً، وأمره إلّا علواً).

    وأعلم أنّ عمق فاجعة كربلاء وأسرارها وما ورائها من الحقائق والمعارف الربانية لا يدركها ولا يعلمها حقاً إلّا أهل البيت^، فمثلهم يقول: (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) وأمّا فهمنا لهذه الواقعة الكبرى والمصيبة العظمى، فهو بمقدار غرفة راحة أيدينا من البحار الحسينية المتلاطمة الأمواج، بعيدة المدى والأطراف، عميقة الأغوار والأكناف.

    وكما مرّ فإنّه مثل الإمام الرضا ثامن الحجج× يقول: (إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا) ومثل وليّ الله الأعظم صاحب الأمر عجل الله فرجه يقول: (لأبكيّن عليك بدل الدموع دماً) فماذا جرى في يوم عاشوراء وفي أرض كربلاء حتى تكون مثل هذه اللّوعة والألم والفجعة والمصاب من أئمتنا الطاهرين^؟!

    ويفهم من الخبرين الرضوي والمهدوي أنّ أهل البيت^ جفون عيونهم مقرحة دماً دوماً بسبب مصابهم بجدّهم الأطهر سيد الشهداء الحسين× وليس في أيام شهر محرم وصفر وحسب، فإنّ الكلام مطلق وعام من دون قيد وتخصيص، وما ذلك إلّا الحزن العظيم على واقعة كربلاء وما حدث في يوم عاشوراء فقرحت جفونهم لكثرة بكائهم ودیموميّته صباحاً ومساءً على مصاب جدّهم أبي عبد الله الحسين×.

    ولنا بهم قدوة صالحة وأُسوة حسنة، فعلينا أن نستحضر دائماً وفي كل زمان ومكان مصائب كربلاء، حتى لو تمكنا أن نقيم المآتم ولو على مستوى الجيران والأصدقاء وأهل المحلّة في كل بيت من بيوت المؤمنين على التناوب وطيلة السنة في كل يوم، صباحاً أو عصراً أو مساءً، فإنّ في ذكر أهل البيت^ ثواب عظيم وبركة للأسرة ولأهل المنزل ومن يحضر المأتم، وفيه تربية الأولاد على حبّ الحسين× وعشقه والفناء في مبادئه ومثله العُليا التي قام من أجلها وضحى بالنفس والنفيس ليكون نبراساً ومصباح هدىً لمن أراد أن يسلك طريق الحرية وتطبيق الإسلام الأصيل، كما إنّه سفينة نجاة لمن ركبها ليصل إلى شاطئ السلام وساحل الإطمئنان بذكر الله سبحانه، والجدير بكل موالٍ أن يزداد معرفة وعلماً في هذا المجال والرّحب الوسيع، ويتطلّع إلى آفاق جديدة يواكب الحداثة والتطور مع الحفاظ على الأصالة والتراث القيّم.

    فقضية عاشوراء ومصيبة مولانا سيد الشهداء× أعظم قضية وأفجع مصيبة عرفتها الإنسانية ولهذا كان السّلف الصالح من علمائنا الأعلام والفقهاء العظام والمراجع الكرام يستعدّون لإحياء وتعظيم الشعائر الحسينية من بعد عيد الغدير الأغر، وكانت الشيعة والموالون يرفعون أعلام الحداد والأحزان ويعلّقون السّواد على جدران المساجد والحسينيات والتّكايا والمواكب والهيئات، وتنصب المنابر ويقام مجالس العزاء في كل ربوع الأرض، شاء الله سبحانه أن يبقى أعلام الطف الحسيني شامخة ومرفوعة، وذكر الحسين× خالداً ومخلداً مهما جهد الأعداء في طمس معالمه ومحو ذكره، وإن الله سبحانه ليُجزي ويعذب في الدنيا والآخرة من يعاد به ويعادي شعائره ومآتمه، وكم لنا على ذلك من الشواهد في التاريخ، ولا سيما في عصرنا الحاضر، وإنّ الله ليعجّل في عقوبة أعداء الإمام الحسين× حتى كاد أن يكون ذلك من خصائصه قد تفرّد بها.

    وهكذا إقتضت الإرادة والمشيّة الإلهية أن يتعامل مع قضية الإمام الحسين× متميّزاً عن غيره، وأن يذكر جيلاً بعد جيل أكثر من غيره، وإن حاول الأعداء والمنافقون محوه وطمسه وإطفاء نوره، ولكن الله أبى إلّا أن يتم نوره، فإنّه كتب على يمين عرشه (الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة) فالقضية عرشية وسمائيّة تفوق الأرض وما فيها ومن فيها، وإذا كان الإمام الحسين بكل مظاهره قد إستثناه الله جلّ جلاله، فما علينا إلّا أن نتفاعل مع قضيته بالمستوى المطلوب وبإمتياز كما هو الحال عند الشيعة والموالين الكرام، فإنّه يعرف الشيعي الإمامي بإيمانه بالغدير وبعاشوراء، وأنّ هوية التشيع في الأعصار والأمصار تعرف بإحياء يوم الغدير (يوم الولاء) ويوم عاشوراء (يوم البراءة) من الأعداء.

    لقد تعمّد الخطّ الأموي ـ منذ اليوم الأول إخفاء نور الإمام الحسين× فلو نظرنا إلى الصحاح الستة لشاهدنا هذا الأمر واضحاً لقلة الأحاديث حول مكانة الإمام والحسين وفضائله، مثلاً في صحيح البخاري لم ينقل عن الإمام الحسين× إلّا رواية واحدة، وفيها ما فيها من الإشكالات كما يعرفها أهل العلم والمعرفة، ولكن رغم ذلك هناك أحاديث في كتب الجمهور تبين عظمة سيد الشهداء× وقضيته وشهادته.

    في مسند أحمد بن حنبل (ج1: ص85) ومسند أبي يعلى: (ج1: ص298 ح33 ) و(المعجم الكبير للطبراني (ج3: ص105 ح2811) بإسنادهم عن نجني الحضرمي أنّه سار مع الإمام علي× وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى من أسماء كربلاء ـ وهو منطلق إلى صفيّن نادى: صبراً أبا عبد الله، صبراً() أبا عبد الله.

    قلت: ماذا أبا عبد الله؟!

    قال: دخلت على النبي‘ ذات يوم وعيناه تفيضان ـ كناية عن كثرة البكاء حتى صار كالفيضان...

    قلت: يا نبيّ الله ما لعينك تفيضان؟ أغضبك أحد؟ وهذا من باب سؤال العارف كقوله تعالى (ما تلك بيمينك) قال: بل قام من عندي جبرئيل قبل، فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشاطئ الفرات، فقال لي: هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟

    قلت: نعم.

    فمدّ يده فقبض من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا.

    وهذا الحدث لأمير المؤمنين في طريقه إلى صفين قبل أحداث كربلاء وواقعة الطف بعشرين عاماً، فأقام أبوه العزاء عليه قبل شهادته، كما أقام الأنبياء من آدم إلى الخاتم^ ذلك.

    فمن حق كل مسلم ومسلمة، ومن يؤمن برسول الله ويتأسى به أن يقوم بإحياء وتعظيم الشعائر الحسينية، ولا يبالي بالشبهات المثارة، والطعن وإيراد الإشكالات على العزاء الحسيني وعلى المعزّين وروّاد المواكب الحسينية.

    ومن الواضح والثوابت كما أنّ الحزن على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين× والتفاعل مع قضيته، وتعظيم شعائره، بل وكل خدمة في سبيل إقامة مجالس العزاء على مصابه ومصائبه، وأنّ القطرة من الدمعة المسكوبة تطفئ غضب الرّب عز وجل، كذلك العكس بالعكس، فإن الإعتراض على الشعائر الحسينية ومحاربتها والإستهزاء بأصحاب العزاء وتثبيطهم ووضع الموانع في طريقهم الحسيني يترتّب عليه العقاب العظيم، والخزي الجسيم في الدنيا والآخرة، فالحذار الحذار من العذاب والنار، ومن الندم والحسرة في يوم لا ينفع فيه الندم.

    فلا تدع الشعائر الحسينية والتي منها زيارة أبي عبد الله× مطلقاً.

  2. #2
    من أهل الدار
    ففي كامل الزيارات (الباب الأربعون: ص116) بإسناده عن الإمام الصادق× قال:

    (لا تدع زيارة قبر الحسين× لخوف، فإنّ من ترك زيارته رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده).

    إذا كان هذا حال من يقصّر في زيارته× فما بالك بحال أولئك الذين يثيرون غبار الشبهات والإعتراضات على زيارته وشعائره القدسية، ثم الويل الويل لمن يحارب تلك الشعائر ويعتدي على زوّار الحسين× ليبتغي من وراء ذلك إطفاء نور الله المتجلّي في المصباح الحسيني الهادي، إلّا أنّ الله أبى إلّا أن يتم نوره، ولو كره المنافقون والكافرون.

    فعلى كل واحد منّا بكلّ ما أتاه الله أن يقوم بإحياء الشعائر الحسينية بطاقاته وأمواله وأقلامه وأقدامه وبكل إمكانياته ليزداد في كل ذلك مثوبة وبركات وتوفيقاً.

    نعم لابّد من الإصلاح وتبديل النقاط السلبية فيها إلى نقاط إيجابية، ولابّد من حسن النية وحسن الفاعل وحسن العمل، فلا تكفي النية الحسنة مع مرجوحية الفعل ومفسدته. فإنّ حسن النية ليست كافية في التفاعل مع قضايا أبي عبد الله الحسين×، بل لابّد من حسن العمل وصلاحه، وإلّا فإنّ أقلّ وأدنى خطأ وأن لم يكن عن عمد فإنّه يعكس الأثر السلبي على الشعائر الحسينية المقدسة.

    فعلينا جميعاً كل بحسب شأنه وكما يملك العالم بعلمه والشاعر بشعره والتاجر بماله، والشاب بطاقاته، والمرأة بحياتها، والخطيب بخطاباته، فكل صنف وطائفة عليها أن تقدّم المزيد في هذا السبيل الإلهي وما هو الأفضل والأكمل والأطهر والأكثر والأعظم خالصاً ومخلصاً إن شاء الله تعالى.

    ولابّد لنا من التقيد بأحكام الله والتورع عن إبداء الرأي إذا لم نكن من أهل النظر والرأي الإجتهادي كمراجع التقليد بل نرجع الأمر إلى أهله أولئك الفقهاء العظام من لهم الحق في الإفتاء والقضاء، ولا نتجاوز عن حدود الله قيد شعرة، فإنّ أحكام الله أعزّ من أوليائه، وهل شهادة الإمام الحسين× إلّا إحياء لدين جدّه المصطفى‘ إن كان دين محمد لم يستقم إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني.

    أليس رسول الله أفضل الخلائق وأنّه العلّة الفائيّة للكون الرحب بتمامه، به بدء الله وبه يختم، وأنّه لعلى خلق عظيم، فكان قاب قوسين أو أدنى من العلّي الأعلى، ولكن عندما يصل الأمر إلى الأحكام الإلهية يقول سبحانه وتعالى:

    ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ ().

    ومن المعلوم أنّ القضية الشرطية صادقة حتى مع عدم صدق المقدم والتالي، فإنّه لا ريب أنّ الرسول الأعظم‘ لا يفعل ذلك، إلّا أنّ الله تعالى أراد أن يبين ويخبر عن أمر مهم جداً، ألا وهو عظمة أحكام الله تعالى وتعظيمها وحرمة الإفتاء من دون علم ومعرفة.

    إنّ إحياء عاشوراء في كل عام يدل على حياة مذهب أهل البيت^ وبقائه، ومن ثمّ من يتفاعل مع قضية الإمام الحسين بأي شكل من الأشكال، فإنّه يؤجر على ذلك ويثاب بجزيل الثواب، كما أنّ من يقف أمام هذا المدّ الحسيني فإنّه يعاقب بعقاب أليم، ويمحى ذكره، وهذه سنة إلهية ولن تجد لسنة الله تحويلاً ولا تبديلاً.

    وإذا كان في يوم عاشوراء عام 61 للهجرة النبوية إلتقى الفريقان والمعسكران: الحسيني واليزيدي فإنّه في كل عام يلتقي الفريقان، فمن كان في خطّ الإمام الحسين× ينال الثواب والرحمة الإلهيّة، ومن كان على نهج يزيد والأمويين فإنّه يحقّ عليه العذاب والعقاب والسخط الإلهي و﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ () ويبقى هذا الإفتراق إلى يوم يبعثون.

    لقد كان حبيب بن مظاهر الأسدي كوفيّاً، كما إنّ شمر بن ذي الجوشن من أهل الكوفة، فكلاهما من مدينة واحدة، إلّا أنّه شتّان ما بين عاقبتيهما ومنتهى حياتهما في يوم عاشوراء، فإنّ حبب ختمت حياته المباركة وهو في صف سيد الشهداء× وقائد في معسكره، وذلك اللعين كان من زمرة أعداء الإمام الحسين ومن قاتليه ومن قوّاد النفاق والكفر.

    وكم من الناس من تفاعل مع الإمام الحسين ومع شعائره ومجالس عزائه فإصابته نسيم الرحمة الإلهية وسعد في عاقبة حياته.

    فهذا زهير بن القين المعروف عنه أنّه كان في البداية عثماني الهوى أي كان يعتقد بأنّ عثمان قتل مظلوماً وإنّ أمير المؤمنين علي× شريك في دمه، وهذا وهب كان نصرانياً في بداية أمره، إلّا أنهما بلغا في عاشوراء المقام المحمود والمنزلة العظيمة حتى صار كل واحد منهما كباقي شهداء كربلاء يقف أمامهم الملايين من زوّار قبورهم الطاهرة ليخاطبهم بقوله (بأبي أنتم وأمّي) فيفدونهم بالآباء والأمهات، وفي الزائرين العلماء الأعلام والفقهاء العظام ومراجع الدين والمؤمنون فضلاً عن عامة الناس.

    إنّ الإمام الحسين× دعى زهيراً فإستجاب له وسعد في دنياه وآخرته، ودعا أيضاً عبيد الله بن الحرّ الجُعفي لنصرته فلم يستجب دعوة إمامه فشقى وخسر الدنيا والآخرة.

    فالإمام الحسين وشعائره وفي عصرنا هذا إنما هو مقياس ومختبر ومحك لمعرفة الحق من الباطل، والنور من الظلام، والخير من الشّر والفضائل من الرذائل. فهناك من أولياء الإمام الحسين وشيعته ومواليه من يفتتن به، وكان الإمام الحسين× في قنوت صلاته يسأل من ربه ( وأعذ أولياءك من الإفتتان بي) ().

    فعاشوراء محطّة إختبار وإمتحان، فقد فاز فيها قوم وربحوا، وسقط آخرون وخسروا، وهذا جارٍ إلى قيام الساعة.

    فهناك من يخدم بكل ما أُوتي من طاقة ويضحي بالنفس والنفيس في إقامة الشعائر الحسينية إلى هي مظهر شعائر الله، فكان في العسكر الحسيني وفي صفّ حبيب وزهير ووهب والحر بن يزيد الرّياحي، وهناك من يثير الشبهات ويصنع المشاكل ويضع العراقيل في طريق وديمومية هذه الشعائر، فيشكك فيها ويستهزء بمن يقيمها، فكان في صف الشمر وحرملة وعمر بن سعد ويزيد بن معاوية، فيسقط في الفتنة، ولا تشمله دعوة الإمام الحسين× في قنوته.

    أو تدري أنّه كان مع الإمام الحسين قبل ليلة العاشر أكثر من ألف نفر من واكبه في مسيره إلى كربلاء، وكان يصلّي خلف إمام زمانه ويقبّل يديه ويسأله عن معالم دينه، إلّا أنّه في يوم عاشوراء سقط وإتخذ الليل جملاً وخرج من خيام الحسين فلم يبق معه إلّا سبعون ونيّف، فأولئك أرادوا دنيا الإمام× ولمّا علموا أنّه يستشهد في غدٍ يوم العاشر من محرم الحرام، فإنّهم خذلوه ونقضوا بيعته وإلتحقوا بدنيا يزيد اللعين، فكانوا عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يدورونه أينما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيانون، فلم يبق إلّا القليل من عباد الله الشكور، وكان أكثرهم ثلاثون ألف ويزيدون لا يفقهون ولا يعلمون كالأنعام بل أضل أولئك هم الغافلون.

    فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولم ينجح في هذا الإمتحان والإختبار إلّا القليل، الأنذر فالأنذر فقد أعاذهم الله من الإفتتان بسيد الشهداء×.

    وعلينا بالدّعاء والعمل الصالح وأن نحافظ على أنفسنا ونقي أهلنا، ونحافظ على إخواننا من أهل الإيمان من السقوط في هذا الإمتحان، وندع إثارة الفتن والمشاكل والبلابل والشبهات، ونرجع في كل صغيرة وكبيرة إلى ذوي الإختصاص فنرجع إلى الفقهاء العظام لنأخذ الفتوى منهم في كل مفردة من مفردات الشعائر الحسينية، ولا يفتي من عند أنفسنا، فإنّه من افتى بغير ما أنل الله فإنّه يتبوء مقعده من النار، فلابّد من التورّع من إبداء الرأي في أحكام الله والإلتزام بالرجوع إلى من له حق الإفتاء وبيان الأحكام الإلهيّة، وهذا ما يشهد به العقل السليم والفطرة الموحدة والوجدان الواعي، والقرآن الكريم والعرفان القويم، وهل بعد الحق إلّا الضلال.

    وعلى كل واحد منّا أن يدعو للمخلصين في إقامة عزاء سيد الشهداء× أن يوفقهم الله ويلهمهم القوة والصبر وزيادة التحمل في هذا السبيل، فنقتدي في ذلك بمولانا الإمام الصادق× في دعائه لزوار قبر الإمام الحسين× (فإرحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وإرحم تلك الصرخة التي كانت لنا) ().

    هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم، طوبى لأولئك الذين لا يعرفون ليلهم من نهارهم في خدمة قضية سيد الشهداء× وإقامة الشعائر الحسينينة من تعاز ومنابر ورثاء وخدمات وإطعام وإرشاد وتثقيف.

    عظّم الله أجورنا وأُجورهم بمصابنا بسيدنا ومولانا سيد الشهداء الإمام الحسين وأحسن الله لنا العزاء وجعلنا وإياهم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المنصور المهدي الموعود من آل محمد #.

    إخوتي في الإيمان في العقيدة الحقّة من المفروض علينا أن نُمهّد لدولة إمام زماننا× الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، فنقوم بالواجب بالمستوى المطلوب، ونزداد علماً ومعرفة في الله سبحانه وفي الإسلام الحنيف، ولا سيما في أيّام محرم الحرام وصفر المظفّر، علينا أن نزداد معرفةً وعلماً وقراةً جديدةً بالإمام الحسين× وبثورته الخالدة، ويكون الإيمان منّا مستكملاً، بالعمل الصالح خالصاً وتامّاً على ضوء العلم واليقين.

    أو تدري أن اليقين في الثقافة الإسلامية وفي مدرسة أهل البيت^ ينقسم إلى ثلاث مراتب، وتعدّ أمهات المراتب في اليقين وهي: علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.

    واليقين بمعنى العلم الذي لاشك ولا ريب ولا شبهة فيه، فلم يتزلزل فإنّه كالجبل الراسخ لا تحركّه ولا تزعزعه عواصف الإثارات والشبهات والإشكالات والفتن والقيل والقال وإختلاف الأحوال وتضارب الأقوال.

    وأضرب لك مثالاً في معرفة المراتب الثلاث:

    فمن يرى دخاناً من وراء جدران فيقول: (خلف الجدران نار، وأعلم بذلك علم اليقين، وإذا إقترب من النار حتى أحسّ بحرارتها، فإنّه يقول بكونها ناراً أيضاً إلّا إنّه يعلم بها بعين اليقين إذ رآها وأحسّ بها من قرب، وإذا دخل في النار وإحترق بها فإنّه يقول بالنار أيضاً إلّا أنّه بحق اليقين وثبوته.

    فكل واحد من هؤلاء الثلاثة يقول: النار النار، إلّا إنّه ما بين رتبة وأخرى ما بين السماء والأرض من الفاصل وحينئذٍ من كان يعتقد بالإمام الحسين× وبشعائره وبعاشوراء فإنّه يصيح تارة (لبيك يا حسين) إلّا إنّه بمرتبة علم اليقين فإنّه كمن رأى الدخان من وراء الجدران وآخر يقول (لبيك يا حسين) إلّا أنّ÷ ـ أي جماله وجلاله وأحس به بكل وجوده فهو من عين اليقين، وأمّا الثالث فيقول (لبيك يا حسين) لبيك يا داعي الله إلّا أنّه يعيش ذلك من داخله وصميمه ومن أعماق وجوده، وكأنه يحترق بالهيب عشق الإمام الحسين وحبّه متلبساً بحق اليقين.

  3. #3
    من أهل الدار
    وإليك هذه القصة نموذجاً وشاهاً على ما أقول:

    الشعائر الحسينية في كربلاء المقدسة (ركضة الطوريج) وهو عزاء شعبي يشترك فيه الجميع وبالملايين ينطلق من منطقة (طويريج) التابعة لقضاء الهندية، صوب الحرم الشريف كل عام ظهر العاشر من محرم الحرام في جموع غفيرة هائلة تفوق الأعجاب والدهشة وهي تهرول وتلطم على رؤوسها وتنادي (يا حسين يا حسين).

    ويعرف هذا العزاء الرهيب والفريد من نوعه بـ (ركضة طويريج) لأنّ المشاركين فيه من الكثرة والعموم بنحو لا يسعهم المسير بهدوء وقراءة الرّدات (أبيات من الشعر) ولذلك يهرولون ويضربون على الرؤوس بأيديهم ويصرخون (يا حسين) أو (أبد والله ما ننسى حسينا).

    والمظهر الغريب في هذا العزاء إنّك ترى قد شارك فيه جميع الأطياف ففيه الرئيس والمرؤوس والحوزوي والجامعي، والعالم والكاسب والتاجر، والغني والفقير حتى كبار العلماء كمراجع التقليد في حالة واحدة من التأثر والإنطلق والهرولة والمشاركة والبكاء والصّراخ الحسيني.

    وفي إحدى السنوات الماضية وبينما الجموع الحاشدة منطلقة في العزاء وإذا به يرون مرجع التقليد في زمانه آية الله الكبرى السيد مهدي بحر العلوم+، قد ألقى عمامته وردائه وإحتفى وهو يضرب على رأسه الشريف وينادي ( يا حسين يا حسين).

    بعد أن تمّ العزاء سألوه عن سبب ذلك؟

    فقال: كيف لا أصنع ذلك وأدخل مع المواكب الحسينية وقد رأيت سيدي ومولاي صاحب الزمان الحجة المنتظر# يركض حافياً في العزاء؟!

    كما قال×: (لأندبنك صباحاً ومساءً ولأبكينّك بدل الدموع دماً).

    وفي كل زمان ومكان وفي كل الأجيال لابّد أن يكون الوعي الحسيني والثقافة الحسينية هي الحاكمة على الفرد والمجتمع وأن يكون كل واحد منّا في أي دور من أدوار حياته، وفي أيّ موقع كان أن يكون ملبيّاً دعوة الحسين وندائه (هل من ناصر ينصرني) فتكون من أنصار الحسين كما كانوا، كما نكون مدداً لأنصار الإمام القائم×.

    إنّ الإمام الصادق× يقف على ثرى الطّف ليسلّم على شهداء كربلاء أنصار الحسين فيقول: السلام عليكم يا أنصار الله ويا أنصار رسول الله.. يا أنصار أمير المؤمنين يا أنصار فاطمة الزهراء يا أنصار أبي محمد الحسن.. يا أنصار أبي عبد الله... بأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم والله فوزاً عظيماً فيا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً.

    يا ترى بالله عليك من هؤلاء الذين يسلّم عليه الإمام المعصوم الناطق الصادق× ويفيهم بأبيه وأُمّه، ويتمنى أن يكون معهم؟ وكيف نالوا هذه المرتبة العظيمة والمقام الشامخ؟ فما فضلهم وما قدرهم، وكيف نكون منهم ومعهم حياتنا حياتهم ومماتنا مماتهم؟!

    إنّ الله محّص أنصار الحسين× وإختبرهم في مواطن، فإنّه قد تبع الإمام جماعات من الناس إلّا أنّه في (زبالة) أخبرهم أنّه مقبل على الموت والشهادة، فتفرقوا عنه فأخذوا يميناً وشمالاً وكذلك إختبرهم في ليلة محرم وخاطبهم (إتخذوا هذا الليل جملاً) (). فتفرقوا عنه كما أخبرتنا السيدة سكينة بنت الحسين سلام الله عليها بذلك، فلم يبق معه إلّا القليل الأندر الأندر وفي العسكر اليزيدي ثلاثون ألفاً، فبقى رجال الثورة الحسينية الحقيقيون وحدهم (72 نفر) بعد أن إنجلى الموقف وتبين المصير بكل وضوح، فبقى معه الرجال الأشاوس النادرون الذي عرفهم التاريخ بإسم (أنصار الحسين).

    ولو قرأت مشاهد كربلاء وليلة عاشوراء وما قاله الأصحاب والأنصار في مقام التضحيّة والفداء لرأيت العجب العجاب، ومن ثم قال الإمام الحسين×: (إني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبّر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً) ()، وهذا يدل على أنّ أنصار الحسين كانوا أعلى مرتبة من الشرف والسّمو والعلّو والرفعة بنحو لم يسبقهم إليها سابق ولا يلحق بهم لاحق. كما أخبر بذلك أمير المؤمنين علي× حين وصل إلى كربلاء في مسيره إلى صفين فقال: ها هنا مناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم، ولا يلحقهم من بعدهم ().

    إنّهم نالوا شرف الشهادة في سبيل الله وسجلوا أروع البطولات والتضحيات في حالة من الهزيمة للأمة أمام قوى الطغيان ومن كراهيتهم للموت في سبيل الله حبّاً بدنياهم وأولادهم ونسأؤهم وبيوتهم.

    لقد كشف ليلة عاشوراء الغطاء لهم حتى رأوا منازلهم من الجنة، فكان الرّجل منهم يَقدِم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وغلى مكانة في الجنة، لقد كشف الله لهم الغطاء ومهد لهم الوطاء وأجزل لهم العطاء.

    إنّ أنصار الحسين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فنصروه على قلّتهم، وأرخصوا له دمائهم الغالية، وإستقبلوا الموت بكل رحابة صدر، وإستقبلوا الرماح بأجسادهم والسيوف بوجوههم والنبال بنحورهم، وبذلوا مهجهم دون الحسين× وهم يقولون لا عذر لنا عند رسول الله إن قُتل الحسين× ومنا عين تطرف، لا دام لا يكون ذلك أبداً حتى نقتل دونه...

    فوصفهم أحد أعدائهم قائلاً: (أتدرون من تقاتلون؟!! إنّما تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين) ().

    وقيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذريّة رسول الله‘؟ فقال: إنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها، كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقى أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال.. ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة أو الإستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنّا فاعلين لا أمّ لك) ().

    أجل وهكذا أنصار الإمام المهدي× الذي يأخذ بثأر سيد الشهداء وينتقم من الظالمين، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

    عن الإمام الصادق×: لما كان من أمر الحسين× ما كان ضجّت الملائكة غلى الله بالبكاء، وقالت: يُفعل هذا باحلسين صفيّك وإبن نبيّك؟ فأقام الله لهم ظلّ القائم× وقال: بهذا إنتقم لهذا ().

    وأنصاره يملكون الصفات والخصائص التي يملكها أنصار الإمام الحسين× (يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوق بالنّهار) (). (كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله أشد من الجمر).

    وشعارهم (يالثارات الحسين) ().

    وما تجديد عاشوراء وإقامة المآتم في محرم وصفر، إلّا إستعداداً ليوم الظهور، فإنّ سيد الشهداء حلقة وصل بين خاتم الأنبياء محمد وخاتم الأوصياء سمّي النبي المصطفى‘.

    ثم أي سرّ في الحسين وفي يوم عاشوراء يجمع حوله كبار أمم الأرض على مرّ الأجيال وطوال الأحقاب على إختلاف أديانهم ومذاهبهم ومدارسهم الفكريّة والعقديّة، حتى يجعل الشاعر المرهف يعزف على أوتار بطولته الفذة لينشد الملحمة الحسينية التي هي رشحة من رشحات الحبّ الإنساني.

    إنّ الإمام الحسين× هو المحور وأنّ شخصيته المحورية تمثل الإنسان الكامل المؤيد للعدل وللّرافض للظم المتعالي على مراتب الدنيا وحطامها، والنفوس الأبيّة والسامية تحبّ هذا النموذج البشري وتقتدى بهداه وتتأسى بسيرته الرفيعة.

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال