الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري
أصـدرت مـديـريـة الأشـغـال الـعـمـومـيـة Public Works Department في بـغـداد عـام 1929 خـارطـة بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة لـمـديـنـة بـغـداد طـبـعـت في لـنـدن.


وظـهـرت نـفـس الـخـارطـة تـقـريـبـاً مـع تـغـيـيـرات طـفـيـفـة وبـالألـوان في دلـيـل كـوك Cook الـسّـيـاحي لـسـنـة 1934. ولاشـكّ في أنّ إعـداد الـدلـيـل وطـبـعـه تـطـلـبـا عـدّة أشهـر قـبـل أن يـصـدر في نـهـايـة 1933 ويـكـون بـيـن أيـدي الـمـسـافـريـن في بـدايـة 1934، ولـهـذا سـنـسـمـيـهـا خـارطـة 1933.

ونـلاحـظ أوّل مـا نـلاحـظ قـلّـة إتـسـاع الـمـديـنـة بـيـن 1929 و1933 الّـتي لـم تـمـتـد حـتّى إلى أسـوارهـا الـقـديـمـة (الّـتي رسـمـت تـحـاذيـهـا خـطـوط قـصـيـرة مـتـوازيـة).
ورغـم أنّ الـوالي الـعـثـمـاني مـدحـت بـاشـا كـان قـد أمـر عـام 1869 بـهـدم أجـزاء كـبـيـرة مـن أسـوار بـغـداد الّـتي كـانـت مـا زالـت قـائـمـة والّـتي رآهـا تـحـصـر الـمـديـنـة وتـمـنـعـهـا مـن الـتّـوسـع فـإنّ الـمـديـنـة لـم تـتـوسـع كـثـيـراً، ويـكـفي لـنـرى ذلـك أنّ نـقـارن خـارطـة بـغـداد عـام 1929 بـالـخـارطـة الّـتي كـان رسـمـهـا الـعـثـمـاني نـصـوح الـسّـلاحي الـمـعـروف بـمـطـراقي زاده أو مـطـرقـجي نـصـوحي (تـوفي حـوالي سـنـة 1564) :


أو بـالـخـارطـة الّـتي نـشـرهـا ألان م. مـالـيـه Alain M. MALLETعـام 1683 في كـتـابـه : “وصـف الـكـون Description de l’Univers” :


أو بـالـخـارطـة الـمـفـصّـلـة الّـتي رسـمـهـا الـبـريـطـاني جـيـمـس فـيـلـكـس جـونـس James Felix JONES، والّـتي نـشـرهـا في كـتـابـه : Memoir on Baghdad عـام 1857:

بـغـداد في خـارطَـتي 1929 و 1933:
يـنـحـدر نـهـر دجـلـة في الـخـارطـتـيـن مـن أعـلى يـسـارهـمـا إلى أسـفـل يـمـيـنـهـمـا.
ويـمـكـنـنـا أن نـبـدأ زيـارة جـانـب الـرّصـافـة مـن أسـفـل يـمـيـن خـارطـة 1929 أي مـن الـبـاب الـشـرقي (أو بـاب كـلـوذا) الّـذي كـان مـا يـزال قـائـمـاً (قـبـل أن تـهـدمـه أمـانـة الـعـاصـمـة في عـام 1937)(1) صـاعـديـن إلى أعـلى الـخـارطـة لـنـتـابـع آثـار الأسـوار الـقـديـمـة (الّـتي رسـمـت تـحـاذيـهـا خـطـوط قـصـيـرة مـتـوازيـة) والّـتي يـقـطـعـهـا بـاب الـطـلـسـم الّـذي لـم تـبـق مـنـه في ذلـك الـزّمـن إلّا آثـاره بـعـد أن فـجّـرتـه الـقـوات الـعـثـمانـيـة في 1917 قـبـل انـسـحابـهـا عـنـدمـا تـقـدمـت الـقـوات الـبـريـطانـيـة نـحـو بـغـداد. وكـان الـبـرج قـد اســتـعـمـل لـخـزن بـارود الـمـدافـع الّـتي كـانـت تـحـمي أسـوار بـغـداد، فـتـنـاثـر شــظـايـا وتـسـاقـط أكـوام حـجارة بـعـد انـفـجـار الـبـارود الـمـخـزون، ثـمّ الـبـاب الـوسـطـاني الّـذي كـان خـرابـاً هـو الآخـر، ونـنـزل عـنـدمـا نـصـل إلى يـسـار الـخـارطـة نـحـو بـاب الـمـعـظـم الّـذي كـان قـد هـدم في عـام 1922:



ونـلاحـظ الـسّـكـة الـحـديـديـة الّـتي تـوازي آثـار الأسـوار الـقـديـمـة تـقـريـبـاً ومـحـطـتَي الـقـطـار الـشّـرقـيـة والـشّـمـالـيـة. كـمـا نـلاحـظ أنّ قـبـر الـشّـيـخ عـمـر كـان خـارج الـمـديـنـة الـمـسـكـونـة في الـرّصـافـة.
أمّـا في جـانـب الـكـرخ فـنـلاحـظ أنّ قـبـر الـشّـيـخ مـعـروف وقـبـر زمـرد خـاتـون (الّـذي تـسـمـيـه الـعـامـة : قـبـر زبـيـدة) كـانـا خـارج الـمـديـنـة الـمـسـكـونـة وكـذلـك مـحـطـة الـقـطـار الـغـربـيـة.
وعـلـيـنـا أن لا نـنـسى هـنـا أنّ مـنـطـقـتي الأعـظـمـيـة والـكـاظـمـيـة كـانـتـا مـنـفـصـلـتـيـن عـن بـغـداد، بـيـنـهـمـا وبـيـن الـرّصـافـة والـكـرخ بـسـاتـيـن نـخـيـل شـاسـعـة.
والـرّصـافـة في خـارطـتـيـنـا تـمـتـدّ مـن الـبـاب الـشّـرقي (عـلى ضـفـة دجـلـة) وكـان مـازال قـائـمـاً في تـلـك الـسّـنـوات، ثـمّ الـسّـنـك Sinak ، وفي شـمـالـه بـاب الـشّـيـخ Bab-Ash-Saikh وجـامـع الـشّـيـخ عـبـد الـقـادر الـجـيـلي (الـجـيـلاني)، فـالـسّـيـد سـلـطـان عـلي والـعـبـخـانـةAbakhana ، وشـمـالـهـا سـوق الـغـزلSuq-al-Ghazil فـالـشّـورجـةShorjah وجـامـع مـرجـان والـحـيـدرخـانـة Haidar-Khana وقـمـبـرعـلي Qambar Ali ، فـالـمـيـدان Maidanوالـبـاب الـشّـمـالي (بـاب الـمـعـظـم الّـذي هـدم في 1922، ولـكـنّ الـمـكـان احـتـفـظ بـاسـمـه الـقـديـم) :

ونـنـزل نـحـو دجـلـة إلى الـحـصـن الـعـثـمـاني الّـذي كـان بـيـن بـاب الـمـعـظـم والـنّـهـر ونـجـد فـيـه سـكـن الـمـلـك فـيـصـل الأوّل Residence of H.M.The King. فـعـنـدمـا نـصـب الـبـريـطـانـيـون في 1921 فـيـصـل بـن الـحـسـيـن مـلـكـاً عـلى الـعـراق تـحـت اسـم فـيـصـل الأوّل، لـم يـكـن في بـغـداد سـكـن يـنـاسـب مـقـام الـمـلـك الـجـديـد إلّا الـحـصـن الّـذي كـان يـقـيـم فـيـه الـوالي الـعـثـمـاني.
ولـم يـعـهـد الـمـلـك فـيـصـل الأوّل إلى الـمـعـمـاري الـبـريـطـاني Mason بـتـصـمـيـم قـصـر في الـحـارثـيـة (الّـتي كـانـت خـارج الـمـديـنـة الـمـسـكـونـة) أُسـمي بـقـصـر الـزّهـور إلّا في عـام 1932. ولـكـن فـيـصـل الأول تـوفي سـنـة 1933 قـبـل أن يـكـتـمـل تـشـيـيـد الـقـصـر، وسـكـنـه ابـنـه الّـذي تـوّج تـحـت اسـم غـازي الأوّل بـعـده. وكـان في الـحـصـن الـسّـراي بـبـرج سـاعـتـه الـشّـهـيـرة والـقـشـلـة.
أمّـا الـكـرخ فـلا تـمـتـدّ إلّا مـن الـصّـالـحـيـة Salhyaوعـلاوي الـحـلّـة Alawi-al-Hillah إلى سـوق الـجـديـد Suq-al-Jadidوخـضـر الـيـاس Khidr Elias :



ونـلاحـظ جـسـريـن يـربـطـان الـرّصـافـة بـالـكـرخ عـبـر نـهـر دجـلـة : جـسـر مـود الّـذي شـيّـد في 1918 في مـنـطـقـة سـيّـد سـلـطان عـلي، وفي شـمـالـه جـسـر الـقـطـعـة أي جـسـر الـقـوارب الـعـائـم الـقـديـم.
ونـلاحـظ أنّ أهـم جـزء مـن الـمـديـنـة كـان حـول نـهـر دجـلـة وفـيـه أهـم مـعـالـمـهـا:
ونـجـد مـن بـيـن هـذه الـمـعـالـم إلى جـانـب سـكـن الـمـلـك في داخـل الـحـصـن الـعـثـمـاني، دار الـمـنـدوب الـسّـامي الـبـريـطـاني الـقـديـمـة Old British Residency عـلى ضـفـة دجـلـة في الـرّصـافـة، والـدّار الـجـديـدة British Residency في الـشّـواكـة، في جـانـب الـكـرخ، ومـجـلـس الـنّـواب Houses of Parliament في جـانـب الـكـرخ (خـضـر الـيـاس)، والـقـنـصـلـيـة الأمـريـكـيـة .American Consul في الـبـاب الـشـرقي، والـقـنـصـلـيـة الألـمـانـيـة German Consul قـرب جـسـر مـود. ولـكـنـنـا لا نـجـد الـقـنـصـلـيـة الـفـرنـسـيـة الّـتي كـان جـيـمـس فـيـلـكـس جـونـس قـد وضـعـهـا قـرب الـسّـراي عـلى خـارطـتـه عـام 1857.
كـمـا نـجـد الـمـتـحـف الـعـراقيMuseum الّـذي شـيّـد في 1923في شـارع الـجـسـر، في جـانـب الـرّصـافـة (وكـانـت الـمـس جـيـرتـرود بـيـل قـد قـد بـدأتـه في قـاعـة صـغـيـرة في بـنـايـة الـقـشـلـة، ثـكـنـة الـجـنـود)، وعـدّة مـصـارف (الـبـنـك الـعـثـمـاني والـبـنـك الـفـارسي والـ Eastern Bank )، ومـسـتـشـفـيـات ومـدارس. ونـجـد في خـارطـة 1929 فـنـدقـيـن يـطـلان عـلى الـنّـهـر : Grand Hotel و Imperial Hotel ، أمّـا Maude Hotel فـقـد كـان في شـارع مـود في الـصّـالـحـيـة .


أمّـا في خـارطـة 1933 فـنـجـد Tigris Palace Hotel وClaridge’s Hotel و Maude Hotel الّـذي انـتـقـل إلى ضـفـة دجـلـة في الـرّصـافـة قـرب الـفـنـدقـيـن الآخـريـن.
خ ب 2 001 (2)
ونـلاحـظ عـلى خـارطـة عـام 1929 مـحـلّات حـسـو إخـوانHasso في شـارع الـرّشـيـد The New Street عـلى يـسـار مـدخـل جـسـر مـود ومـقـابـل وكـالـة تـومـاس كـوك وأولاده الـسّـيـاحـيـة Thom. Cook & sons، والـنّـادي الـبـريـطـاني ومـكـتـبـتـه. The British Club & Bookshop كـمـا نـلاحـظ في شـارع الـنّـهـر River Street اسـمـاً كـتـب Orosdiback، وهـو طـبـعـاً مـحـلاّت أوروزدي بـاك الـشـهـيـرة.


ويـظـهـر تـمـثـال الـجـنـرال مـود في الـخـارطـتـيـن، أمـام بـاب الـ British Residency في جـانـب الـكـرخ. ونـحـن نـعـرف أنّـه نـصـب في هـذا الـمـكـان في 1922 وبـقي فـيـه إلى أن أسـقـطـتـه الـجـمـوع الـثّـائـرة في 14 تـمّـوز 1958.
ويـظـهـر في خـارطـة 1933 تـمـثـال الـمـلـك فـيـصـل الأوّل، وهـو تـمـثـال صـخـري نـفـذّه الـنّـحّـات الإيـطالي بـيـتـرو كـانـونـيـكـا Pietro CANONICA ، وأزيـح الـسّـتـار عـنـه في شـارع مـود في الـصـالـحـيـة في ذلـك الـعـام، مـمـا يـدلّ عـلى دقّـة مـعـلـومـات رسـامي الـخـارطـة
ولـكـن الـذّي يـثـيـر الإنـتـبـاه هـو أنّ هـذه الـخـارطـة لـم تـذكـر الـتـمـثـال الـبـرونـزي الّـذي نـحـتـه بـيـتـرو كـانـونـيـكـا أيـضـاً لـمـحـسـن الـسّــعـدون، ونـصـب في ذلـك الـعـام، إمّـا لأنّـه قـد نـصـب بـعـد تـمـثـال الـمـلـك فـيـصـل الأوّل أي بـعـد رسـم الـخـارطـة أو لأنّ رسـامـيـهـا اعـتـبـروا أنّـه لا يـهـمّ الـسّـائـح الإنـكـلـيـزي الّـذي يـزور بـغـداد.
وأنهي هـذا الـمـقـال الـقـصـيـر بـخـارطـة نـشـرت عـام 1944، نـرى فـيـهـا تـوسـع مـديـنـة بـغـداد، فـقـد امـتـدّ جـانـب الـرّصـافـة شـمـالاً نـحـو الأعـظـمـيـة وجـنـوبـاً إلى الـكـرّادة، بـيـنـمـا امـتـدّ جـانـب الـكـرخ جـنـوبـاً إلى الـحـارثـيـة وإلى كـرّادة مـريـم :

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1) هـدم الـبـاب الـشّـرقي في 1937 رغـم احـتـجـاج مـديـريـة الآثـار الـعـامـة، وشـيّـدت في مـكانـه ساحـة واسعـة (أصبـحـت سـاحـة الـتّـحـريـر بـعـد ذلـك).