بين السعادة الحقيقية والسعادة الزائفة:
كثير من الشباب في هذه الأيام يحلمون بالسعادة، فمنهم من يرى السعادة في أن يمتلك الأموال الكثيرة فيعيش حياة الترف والنعيم، ومنهم من يرى أن السعادة في أن يتزوج امرأة حسناء جميلة فيعيش معها أحلى حياة، ومنهم من يرى أن السعادة تتحقق عندما يكون المرء في موضع الجاه والسلطان، ولذا يجب أن نوضح لك أخي الشاب حقيقة السعادة، وأين تجد تلك السعادة؟
1. هل السعادة في المال؟!
هل تعرف كرستينا أوناسيس؟ ابنة الملياردير اليوناني أوناسيس، والتي ورثت عن أبيها المليارات من الدولارات، ولكنها عاشت حياة وصفتها بالشقاء، حين سئلت: (هل أنت أغنى امرأة في العالم؟)، فقالت: (نعم، أنا أغنى امرأة في العالم، ولكني أشقى امرأة في العالم أيضًا)، فبعد وفاة أبيها، تزوجت أمها من رجل آخر وعاشت حياة مأساوية انتهت بطلاقها، ومات أخوها في حادث طائرة، وتزوجت هي أربع مرات من أربع دول مختلفة وثقافات متباينة، من اليونان، فرنسا، روسيا، أمريكا، وهي تبحث في ذلك عن السعادة رغم ما تملك، حتى انتهت حياتها حين وُجدت ميتة في شقة بالأرجنتين، وحيدة شريدة، وهي لم تبلغ بعد السابعة والثلاثين من عمرها، فهل أغنى عنها مالها شيئًا؟) [السعادة بين الوهم والحقيقة، د.ناصر العمر، ص(5-6)].
فأصحبت حياتها كما يقول الشاعر:
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
2. هل السعادة في الجاه والسلطان؟!
هل تعرف المعتمد بن عباد؟ هذا الذي تربى في قصور الأندلس الإسلامية في ظل الترف والنعمة، وورث الجاه والمجد أبًا عن جد، حسب أن الجاه والصيت سيمنحانه السعادة، فعاش سنين يتمرغ فيهما، ولكن تدور الأيام عليه من بعد هذا العيش الرغيد والسلطان العتيد، ليطرد من سلطانه، وينفى في صحراء الأندلس، يعيش في منزل متواضع لم يألفه، يخدم نفسه بنفسه، بعد أن كان قصره يعج بمئات الخدم، ظل في هذه الحالة حتى مات وحيدًا شريدًا غريبًا، حتى لما صلى عليه الناس لم يعرفوه، فأخذوا يدعون إلى الصلاة قائلين : (الصلاة على الغريب! الصلاة على الغريب!) [الوافي بالوفيات، الصفدي، (1/373)].
هل النجاح يؤدي إلى السعادة؟
قبل أن نُعمِّم ونقول: إن أي نجاح يؤدي إلى السعادة، علينا أن نضع حدودًا وضوابط؛ فليس أي نجاح يؤدي للسعادة، إلا بشرطين وهما:
1. النية الصالحة:
وذلك بأن تنوي بنجاحك هذا وجه الله تعالى، لا مجرد حظوظ النفس الدنيوية، فهذا وحده يجلب لك السعادة من وراء نجاحك، ويجعل له قيمة دائمة، تمتد لتشمل النجاح في الآخرة، إذ يكتب الله لك بكل ساعة تقضيها في عملك أجرًا ومثوبة من عنده سبحانه.
2. التوازن:
يجب أن تعيش حياتك باتزان وصدق، تمامًا كسلمان الفارسي رضي الله عنه حيث يقول: (إن لنفسك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولضيفك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه)، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صدق سلمان) [رواه البخاري] فكما لا يقوم البناء على ركن واحد، فكذلك بناء الحياة السعيدة الناجحة، لا يقوم إلا على أركان أربعة، وهي:
الأركان الأربعة للحياة المتوازنة:
1. الإيمان الصافي: وهو الأساس المتين، والركن الركين، وحجر الزاوية في بناء السعادة الحقيقية، وفي تحقيق النجاح المتكامل، الذي لا يكون إلا بتوفيق الله ومعونته لعبده.
2. الشخصية: وهو الجانب الذي يشمل تحديدك لغاياتك وقيمك وأهدافك في الحياة، وتطويرك وارتقائك بنفسك وتنميتك الذاتية.
3. العلاقات الاجتماعية: وهو الذي ينظم علاقتك بالآخرين، بداية من دائرة أسرتك من زوجتك وأولادك ووالديك، وانتهاء بدائرة المجتمع.
4. الوضع المادي: وهو الجانب الذي يعتني بوضعك المادي، وطرق كسب المال.
وحتى نخرج من جملة هذا الكلام بشيء عملي، فعليك أن تبدأ طريق السعادة بإخلاص النية، فإن النية الصالحة شرطٌ أساسي لقبول الأعمال ونيل الأجور من الله تعالى يقول تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
بقلم : محمد صابر الحسين
من كتابي : السعادة والشباب
رابط الكتاب : http://1335111.site123.me/