الحلقة الحادية عشر من كتاب واسط بين الماضي والحاضر للمؤلف السيد عبد المنعم تقي الطباطبائي
الكوت في عهد الأحتلال الأنكليزي
دخل الجنرال ( مود ) مدينة الـــــكوت ســــنة 1917 م معيداً السيطرة البريطانية اليها وطارداً الاتراك الى حدود مدينة سلمـــــان باك وبذلك اصبح محيط محافظة واسط تحت السيطرة البريطانية وعين اول حاكـــم سيـــــاسي لمدينة الكوت هو الميجر ( ولسن ) .
( هناك روايات تقول ان الجــــــنرال مود لم يدخل مدينة الكوت بنفسه بل عبر دجلة من شمالها وأتجه صوب بغداد ).
ولما استقر الميجر ولسن فـي مــــنصبه في الكوت اراد ان يــهديء النفوس من الذعر الذي اصابها من الاتراك ويجبر خواطر الذين تضرروا ويكسب رضا الناس فقام بتعمير واصلاح بيوت الفقراء وغيرهـــــم حيث نقل المواد الانشائية ومواد البناء من المعسكر البريطاني الواقع خارج مدينة الكــــــوت لاصلاح تلك البيوت المهدمة وقام كذلك بحملة لاصلاح الشوارع وتنظيف المديـــنة وازالة جميع مخلفات الحرب وكذلك قدم مساعدات مالية لمن فقد ماله وبنـــى سوقــــاً وقـــتية على ضفاف نهر دجلة وصرف مبالغ كبيرة للدعاية وكسب النــاس وبـــمدة وجيزة انجز اعمالاً كبيرة اعاد بها مدينة الكوت الى ما كانت عليــــــه وقد عـــــمل الانكليز على اشاعة روح البذخ والانفاق على ملذات الحياة والاسراف مــــــن قبل شيوخ العشائر والمتنفـذين فاقاموا لهم محلات للدعارة ومحلات الرقص واللهو وساد الفساد والمجون فـــــي المدينة ( يقال ان احد شيوخ العشائر كان يحرق العملة لكي يضيء للراقصة في الليل ) .
في هذا العام فتح في مدينة الكوت مرقص ليلي ياتي براقصاته من بغداد ولاول مرة في سنة 1920 م شاهد الناس السينما الصامتة في مقهى صلاح بابان .
ومن اعمال الميـجر وليسن انه استاجر من الحاج باقر الكاظمي بيتاً ليكون اول مدرسة تفتح في الكوت عــــــلى الطراز الحديث وقد سميت بمدرسة الكوت الرسمية نزولاً عند رغبة الجنرال مود كمـــا قال الميجر وليسن وذلك عند عبور الجنرال مود مدينة الكوت في طريقه الى بغداد سنــة 1917 م كذلك فأن مدرسة الصويرة الابتدائية الرسمية امر الجنرال مود بافتتاحها عـــندما تجاوز مدينة الصويرة . ومما يذكر أن التلاميذ استمروا في الدراسة في دار الــــحاج بـــــاقر الكاظي الى ان تم بناء المدرسة المركزية في سنة 1922 م فأنتقل الـــطلاب اليـــــها وان تلك البناية بقيت قائمة تستقبل ابناء الكوت وقد التحقت انا بها سنة 1943 م كما كان والدي من اوائل تلاميذها الا ان البناية المذكورة قد هدمت في سنــة 1967 م ليعاد بنائها بشكل مغاير لما كانت عليه وهي نفسها اليوم تسمى المدرسة الـمركزية الابتدائية للبنين تقع على ضفاف نهر دجلة مجاورة لبنايــــة مصرف الرافدين فـرع الكوت وهي اول مدرسة انشئت في مدينة الكوت علــــى الطراز الحديث0
يدرس فيها التلاميذ العلوم الحديثة واول مدير لها رجل يسمى شمس الدين والمعلمون الاوائل فيها هم السيد اســــماعيل الخطيب البغدادي والسيد علاء الدين والسيد شوكت افندي والسيد سعيد افندي مــــعلم اللغة الانكليزية ودرويش مصطفى افندي ومما تجدر الاشارة اليه ان المدرسة قاطعـــها ابناء المدينة في باديء الامر لكونها اسست من قبل الانكلــــيز وكان الاهــــلون يفضـــلون ارسال ابنائهم الى الكتاتيب لتعلم القراء والكتابة وقراءت القرءان لذلك لم يتجاوز عدد الطلاب في المدرسة المائة طالباً بينما عددهم في الكتاتيب يفوق ذلك بكثير وربما كان الملالي هم الذين يحرضون الابناء واولياء امورهم على تلك المقاطعة وقد فطن الميجر ويلسن الى تلك الحالة ففاوض الملا درويش والملا سعـيد لغرض تعينهما معلمين في المدرسة المركزية وعين لهما معاشاً وبذلك استقطب الاولاد للألتحــاق بالمدرسة وقد صنفوا بحسب معارفهم الى خمسة صفوف من الصف الاول الى الـــصف الخامس الابتدائي وفي سنة 1921 م فتح الصف السادس الابتدائي لاول مرة وفـي عام 1922 م سافر طلاب الصف السادس الابتدائي الى بغداد لاداء اول امتحان عام للـدراسة الابتدائية(البكالوريا) في العراق للبنين وكان عدد المشاركين من طلاب المدرسة ثمانية هم ( جلال عبد الرحمن – جعفر الحاج عباس الجشعمي – السيد داخل بن علـــــيوي – عبد الستار سعيد – السيد عبد الكريم الحكيم – مجيد القريشي – محرم الطيار – نـــقي عزيز ) وقد رسبوا جميعاً في الامتحان عدا جلال عبد الرحمن . ( ذكر ذلك فــــي كتاب نفح الطيب في ذكرى العلامة سماعيل الخطيب تأليف ولده السيد هاشم الخطيب ) .
في السنة الثانــــية سافر الى بغــداد لاداء الامتحان العام البكالوريا ايضاً الطلاب ( تقي عبد الهادي – نقي عزيز – حسن عجيل – محمد احمدي – السيد تقي سعيد الطباطبائي – جعفر الحاج عــــباس الجشعـــــمي – عبد الستار سعيد – محرم الطيار ) وقد رافقهم المعلم حسين افنــــدي وكان سفرهم من الكوت الى بغداد بالباخرة وقد تاخرت باخرتهم لعطل اصابها فــــــي مدينة سلمان باك وفاتهم ثلاثة ايام من الامتحان ادوه دفعة واحدة عند وصولـــــهم بغــــداد ( حدثني والدي قال وصلنا الشريعة المقابلة لمدرسة المأمون الابتدائية للبنيــــن وقد كـــــان ينـــــتظرنا عـند شريعة النهر مسئول قادنا الى المدرسة المأمونية حيث مركز الامتحان لــنؤدي امتحــــان يوم الوصول والايام الفائتة ولذلك لم ينجح منا احد وكان المكملون منــهم عبد الستار سعيد وحسن عجيل ومحرم الطيار اما انا فقد اوصاني والدي ان اشــــتري العـمامة واترك الدراسة مهما كانت النتيجة )وكان مدير المدرسة وقتئذ الســـــيدأ براهيم جمـــــعة والمعلمون هم السيد أسماعيل الخطيب وحسين افندي والشيــــخ حمزة قفطان وعلاء الدين افندي وعبد القادر افندي البغدادي وملا درويش . في سنـة 1920 م نقل الحاكــــم العسكري السيـــاسي ( الميجر ولسن) وحل محله المستر ( جفرز )
في سنة 1920 م اتفق السيد حمودي الســعدي وتوفيق جعفر على جلب ماكنة كهرباء وبذلك دخل النور مدينة الكوت الا انه كان مـتقطع وتتعطل الكهرباء لمدة طويلة قد تبلغ اشهراً ولم يستغني اهالي الكوت عن استعـــمال الفوانيس والالات النفطية والاويزات .
وفي العام نفسه ابتاع نعيم خمو وكـــــيل شركة لنج دار السيد ياسين الصباغ الطالقاني بمبلغ ثلاثة الاف روبية وصيرها كنيسـة للمسيحيين حيث سكن الكوت في هذه الاوقات جماعة منهم ومن الجدير بالذكر ان هذه الكنيسة المسيحية والتوراة اليهودية قد لحقها الهدم في عهد متصرف الكوت السيد عباس عبداللطيف البلداوي عندما باشر في تعمير وتوسيع مدينة الكوت في سـنة 1949 م وموقعها اليوم هم الساحة الحسينية في وسط الكوت واليوم هي ساحة لوقوف السيارات .
في السابع مــــن أيلول سنـــــة 1921 م سافر وفد من اهالي الكوت على ظهر الباخرة زبيدة الـى بغداد لتــــهنة الملك فيصل الاول بمناسبة مبايعته وتنصيبه ملكاً على العراق ومن اعــضاء ذلك الوفد الشيخ محمد الحبيب امير ربيعة والحاج الحسن الشبوط وعدد من رؤساء العشائر .
في 22/ شـــــباط / 1922 م باشر السيد احمد حالت متصرفاً للواء الكوت ( علماً ان السيد احمد حالت قد شغل منصب قائمقام قضاء الكوت في العهد العثماني وله مصاهرة مع امير ربيعة الشيخ محمد الحبيب واخيه علي الحبيب الامير ) .
أن اول متـــــصرف للكوت فـي بداية الحكم الوطني هو السيد عبد العزيز القصاب حيث كان يشغل منصب قائمقام قضـــاء بدرة وأصبح متصرفاً للواء الكوت وباشر مهامه في 10 / كانون الثاني ســــــنة 1922 م ومكث قليلاً في الكوت ونقل منها وقد ذكر السيد عبد العزيز القصاب في كتـــــابه ( من ذكرياتي ) قال :- تلقيت كتاباً من متصرفية لواء بغداد في 9/شــــباط / سنـــــة 1921 م برقم 472 يتضمن منحي حق تطبيق القوانين والانظمة العثمانـــــية الخاصة بادارة القضاء وعلى اثر ذلك سافرت بالقطار الى الكوت بتاريخ 16/2/1921 م فاستقـــــبلني الحـــاكم الانكليزي ( المستر بري ) القائم بادارة القضاء وقدم لي موظفي القضاء وقال ان الـــــقضاء مربوط بحاكم لواء الكوت بصورة مؤقتة وان هذا الترتيب على وشك الالغاء .
ويمكن القول ان هذا النظام الاداري قد الغي بعـد مدة فأصبح السيد عبد العزيز القصاب أول متصرف للواء الكوت في 10/1/1922