تساقطت الأمطار قطرة قطرة، و ما وجد الطفل الصغير من ملجأ إلا بين أحضان أوراق الشجرة العتيقة، إشتعلت نيران ضخمة بين أغصانها ،فإحتمى الصغير بين الثلوج المتراصة .
يأتي الربيع بنسيمه العليل فتذوب الثلوج و تظهر المروج ، فما للطفل من حنان إلا أشعة الشمس الدافئة، فينظر للسماء ويرى طائرات العدو تحوم فوقه ،و الجنود وراءه ، ودبابات أمامه ، تطلق النار فيتلون السهل الأخضر بأحمر غامق ، لونه يوحي بالأسى و الظلم والمعاناة .
أنت!....
أيها الشاب هناك....
أنا أعرفك....
أنت أحد أولادي اللذين لم أنجبهم....
أنت ووالديك وأجدادك أبنائي أيضا....
تسأل أن لك أما واحدة....
أقول لك أنا أمك الثانية....
أنا أرضك التي تربيت عليها....
و شربت من مائها....
و تنفست هواءها....
أنا البيت الذي سكنه كل أصدقائك....
و كل أقاربك....
فإجعل منه مكانا معظما....
لتقطنه أجيال جديدة من بعدك....
و أحرص على العمل من أجل إزدهاري....
بين الأمم....لكن لماذا أراك معهم....
أولائك المدمرين....
الذين لايهتمون بمبادئهم....
حياتهم مبنية على السرقة والجريمة....
لماذا تحارب ضد شعبي؟....
مقابل الحياة و مغريات الدنيا و تشعل الحرب....
أنظر إلى ماسببته ، دمك متحجر و فاقد القلب....
لماذا تهدم مابني بالحب؟....
لماذا تبحث عن الخراب؟....
أعمالك سيئة ولا محل لها من الإعراب....
روحك ممزقة وتبحث عن الإنسحاب....
إذهبوا بعيدا فلا مجال للإقتراب....
من نباتاتي و حيواناتي فهناك الشباب....
الذين سيحموني من أمثالك وأمثال سواد الغراب....
الذين يشتعلون كراهية ولا نعرف الأسباب ....
نعم، حماتي صغار لا يزالون طلاب....
في المدارس لكنهم أسرعوا عند الطلب....
لينجدوني من ويلات الحرب و وهم السراب....ها أنا أراك تغادر ترابي....
حسبتك ستعود لتسقيه من جديد....
وها أنت تعود مدججا بالسلاح تقتل شبابي....
تشردهم، تجوعهم ، تعذبهم بالحديد....
إياك أن تقترب من أرحابي!....
لقد حذرتك فلا تكن عنيد....
نفيتك من على أرضي....
كلامي أوامر فإنصع....
واثقة بالطول و العرض....
أن الناس تنتهي بالإقتناع....
أن لي رب يحميني وجنود أشاوس على أطرافي....
سقيت قبل عهود بالدماء والآلام ....
سنوات كثيرة عرفتها أزقتي وطرقاتي....
منتظرة ذلك اليوم العظيم....
يوم نلت حريتي من زمان....
فكيف تجرؤ أن تدمر ماضي ؟....
لن تحقق مسعاك مهما طالت السنين....
الأطفال يركضون في كل مكان....
تقتلونهم دون رحمة ولا سبب ....
بوجودكم ما شعروا بالأمان....
وما أحسوا بالحنان....
أمواج البحر تتلاطم....
و السفن تتصادم....
والمدافع تلحن أنشودة الموت....
فلماذا تغنيها؟....
لماذا خنت وطنك؟....
لماذا تحارب بلدك ، مكان حمايته؟....
لماذا قتلته؟....
ذلك الطفل البريء الذي أمل في مستقبل مشرق....
لكن أحلامه ماضاعت للأبد....
مادمنا على قيد الحياة متشبتين بأنفسنا....
طاردين الهم عنا....
متفائلين بغدنا!....أصوات الرصاص في كل مكان....
قبح صوتها يؤدي بالأخضر و اليابس....
وقفت فتاة يائسة....
قدماها مرتجفتان....
بردا ، جوعا ،خوفا ، حزنا، ألما....
تحاول المشي....
لكن تقع ....
لا تستسلم وتعود من جديد....
صارخة ....أريد بلدي مستقلا
فسمع صوتها الأبي أرجاء الكون....
ومالبثت رصاصة تشتق صدرها....
قطرات دماها....تسيل في الأرض
أيدي قاتلها.... هي يديك!
أنت يوما ما كنت على سطحي....والآن لا
كم إشتقت لأيام كنت فيها تلعب تحت أشجاري....
في غاباتي....
تحت سمائي....و بماء أنهاري
لكن القذر تغير....
أنت الآن المجرم الذي يحارب مع الأعداء....
ضد وطنه الغالي....
بينما يضحي عليه الملايين ....بالغالي و النفيس
أنت لم تعد مني....
أهملتني وكأني أهون الأشياء عندك....
إنضممت للذين سيخربوني....
وما فكرت أن تساعد من يبنيني....
ما إهتممت بي يوما....
ما بحثت يوما عما يفيدني!...
ما قلت لي يوما كلماتا تعيدني....
إلى ماعهدت أن أكونه دائما في أزماني....
ما خرجت يوما تنبه فيه الآخرين....
ليقوموا و يخدموني....
ماتعلمت وعلمت أبنائي ليطوروني....
ما رفعت رايتي عالية ، وما رآها أحد...
تقول لي آسف سأحاول في الغد....
أقول لك....
"ثقتي بك غادرت للأبد"
منقوول