كتب / اياد عبد اللطيف سالم…
القسم الأول
الإحالة إلى التقاعد من الحقوق التي أوجبها القانون للموظف ، وهي من حالات إنتهاء الخدمة بعد جهد جهيد في أداء الأعمال والواجبات الوظيفية ، لمدة أو سن أو حالة معينة ومحددة ، قرر القانون في كل منها جوازا أو وجوبا ، إنتهاء خدمة الموظف بالإحالة إلى التقاعد بناء على طلبه التحريري ، أو إحالته الحتمية بنص القانون ، أو إحالته بقرار من اللجنة الطبية الرسمية المختصة ، وتناول إستحقاقاته التقاعدية المنصوص عليها في القوانين النافذة ، وخاصة قانون التقاعد الذي يجب بناء قواعده وأركانه ، على أسس الموازنة المجزية لنتائج الحصيلة النهائية للخدمة ، وضمان الحقوق المستقبلية للموظفين ، بما يؤدي إلى الإفادة من حركة القوى العاملة في دورة الحياة الوظيفية ، من خلال ملء الشواغر الناجمة عن مغادرة بعض الموظفين لمواقع العمل بعد حين .
وعليه نصت المادة (40) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل ، على أن ( على الموظف الذي يطلب الإحالة على التقاعد ، أن يقدم إلى المرجع المختص طلبا تحريريا ، يبين فيه الأسباب القانونية التي إستند إليها في طلب الإحالة ، وإذا كانت الأسباب القانونية متوفرة ، فيجب قبول الطلب خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما ) ، وبذلك النص كانت الإشارة إلى إنتهاء الخدمة بالإحالة إلى التقاعد ، على أساس توفر الأسباب القانونية التي يستند إليها في إتخاذ القرار المطلوب من قبل الموظف أو دائرته ، كما إن تلك الأسباب تدل على تعدد أنواع الإحالة إلى التقاعد وإختلاف إستحقاقاتها ، لغرض البدء بالإجراءات المفصلة لنيلها ، على وفق أحكام قانون التقاعد النافذ .
لقد شهدت الوظيفة في العراق أنواع المتغيرات ، تبعا لظروف مقتضيات ومتطلبات الحالة الإقتصادية والسياسية غير المستقرة ، ومع ذلك صدر قانون التقاعد العسكري رقم (10) في 3/2/1930(1) ، ثم أعقبه قانون التقاعد المدني رقم (12) في 16/2/1930(2) ، لضمان حقوق العسكريين والموظفين المدنيين ، وتوالت القوانين حتى جاء الإحتلال البغيض للعراق الحبيب سنة 2003، الذي تميز بتدميره للبنى التحتية للبلاد ، وإيقاف عجلة العمل والإنتاج في جميع المعامل والمصانع الحكومية والأهلية ، بسبب إنتشار مظاهر الفوضى والإرتباك في إدارة شؤون الدولة ، وشيوع إستخدام كل وسائل وسبل التخريب الإقتصادي والفساد الإداري والمالي والتربوي ، وقتل حركة عناصر العمل وعوامل الإنتاج ، والتخبط الواضح في تغيير التشريعات النافذة ، وإزدياد عدد الموظفين وترهل الهياكل الإدارية التنظيمية لدوائر الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ، مع النقص الحاد في مستوى الكفاءة والخبرة العملية ، بالإضافة إلى عدم وجود الرؤية الواضحة والبديل المناسب والسليم ، لإصلاح شأن الوظيفة العامة ومعالجة مشاكلها المتراكمة ، مما أدى إلى عدم السيطرة على تنظيم شؤون الموظفين ، بما يضمن سلامة الإجراءات وعدالة توزيع الثروات ، على الرغم من زيادة مقادير الرواتب والمخصصات ، التي أصبحت من أهم دوافع الرغبة والإصرار ، على التشبث بالوظيفة والتمسك بها من أجل إمتيازاتها ، وليس في سبيل تطويرها وإصلاح شؤونها ، كونها الوسيلة الرئيسة للعمل المتاح والمتداول بين العاطلين ، ما دامت مواصفات الإستهلاك المادي والمعنوي للمردودات ، تشكل دعامات ركائز وسمات التوجهات الفكرية والعملية ، في بناء الصروح العشوائية والآنية لذوات النفع الخاص .
وعلى الرغم من كل تلك المعوقات ، صدر قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006- المعدل بالقانون رقم (69) لسنة 2007 (3) ، متضمنا ما لا يتناسب ومتطلبات واقع العمل الوظيفي من الترشيد ، ولا ينسجم وبعض الأحكام والقواعد القانونية المنظمة لشؤون الخدمة العامة ، وما لا يستجيب لمقتضيات التداول الوظيفي ، حين نص تكرارا على أن ( لا يصرف الراتب التقاعدي للمتقاعد ، إلا إذا كان قد أكمل خمسين سنة من العمر ) ، مما يعني تعطيل تنفيذ إحالة الموظف إلى التقاعد لبضع سنين ، بدون سبب موجب يتناسب أو يتلاءم مع مقتضيات الإحالة إلى التقاعد ، على الرغم من توفر شرط الخدمة المطلوبة لإستحقاق الراتب التقاعدي ، كما أبقى القانون على سن الإحالة الحتمية إلى التقاعد ، إلى حين إكمال الموظف الثالثة والستين من العمر ، مع إمكانية التمديد لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات ، بدلا من جعل الإحالة الحتمية عند بلوغ الموظف سن الستين من العمر ، مع إلغاء تمديد خدمة الموظف بعد بلوغه السن المذكورة ، من أجل توفير فرص عمل للعاطلين ، بدلا من البطالة المقنعة التي أودت بحياة الوظيفة وخدمة المواطنين ، والإفادة من خبرة المتخصصين علميا وعمليا ، عن طريق عقود العمل كخبراء ومستشارين ومحاضرين في دورات التدريب . إلى حين صدر قانون الخدمة الموحد رقم (9) لسنة 2014(4) ، (( لغرض تحسين الظروف المعاشية للمتقاعدين ، ولغرض تشجيع العمل في القطاع الخاص من خلال تسهيل إنتقال المنافع بين القطاعين العام والخاص ، وبغية توسيع قاعدة شمول القانون لفئات أكثر، ومن أجل إنصاف شهداء العمليات الإرهابية وذويهم من منتسبي الجيش والشرطة ، ولتقليل الفوارق بين المتقاعدين . شٌرع هذا القانون )) حسب الأسباب الموجبة لتشريعه ، ولكنه كشأن غيره من القوانين التي لم تخلو من الأخطاء الجسيمة حسب رؤيتنا ، والتي لا بد من الإشارة إليها وتقديم النصح بالبديل ، بعد تطبيق دام لأربع سنوات دون تصحيح ، لإنشغال السلطات بما لا نفع فيه للمواطنين ؟!.
إن أغلب مضامين القانون موضوع البحث ، إعادة لأحكام وقواعد قوانين التقاعد السابقة ، بما فيها مقترح حتمية ترك الموظف للخدمة في دوائر الدولة العراقية عند إكماله سن الستين من العمر ، الذي كان مقررا بموجب أحكام قانون التقاعد رقم (12) لسنة 1930 ، ثم أصبح عند إكمال الموظف سن الثالثة والستين بموجب أحكام قانون التقاعد رقم (43) لسنة1940(5) ، إنسجاما مع نتائج التنمية المتصاعدة في جميع المجالات وإستجابة لمتطلباتها الكلية لغاية العام 1991 ، عندما بدأت عمليات قتل حركة الدولة والمجتمع بفعل الحصار الإقتصادي الجائر دوليا حينذاك ، ثم من قبل أنظمة الحكم في دول حصاره ومحاربته عسكريا وإقتصاديا ، ومن ثم أنظمة دول إحتلاله في سنة 2003 على حد سواء ولحد الآن ، حيث بدء إنهيار وتدهور جميع نواحي التنمية الشاملة ، ونكبة إدارتها وسوء تعاملاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وإن إختلفت آليات التنفيذ في التدمير والخراب الوطني ، بإستخدام معايير الحقد والإنتقام المزدوج سياسيا ، وبأدوات العرقية والطائفية والمذهبية المقيتة .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
1- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (832) في10/2/1930.
2- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (839) في 10/3/1930.
3- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4015) في 17/1/2006 . وتعديله بالعدد (4056) في 27/12/2007 .
4- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4314) في10/3/2014.
5- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (1799) في 15/5/1940