اعتدنا على تفسير الصمت بنواحي ايجابية منها التفكير او تجاهل الاساءة او الهدوء هنا نتناول وجه اخر لصمت بقلم احلام الرحال...
لايختلف الشخص الصامت، أحيانا، عن الشخص العنيف كلاميا أو جسديا
يعتقد البعض خطأ أن الصمت كثيرا ما يكون من ذهب. وأنه في حالات الاشتباك والخلافات، فإن من يمضي بصمت يكون شخصا مسالما. ولهذا أقول: ليس كل أنواع العنف هو ما يُمارس فعليا وعمليا ضد أحد. بل هنالك أيضا العنف الصامت، فيه لا يقوم الشخص بالاعتداء جسديا أو كلاميا على الآخر، بل بكل بساطة يصمت ولا يعطي أي رد فعل
قد يتساءل البعض: إذا كان الفرد قد صمتَ ولم يرتكب أي أذى بحق الآخر، إذن لماذا يُسمى هذا عنفا؟
في بعض الحالات، يسلتزم الحدث رد فعل من قبل أحد الطرفين، لكن أحدهم لا يعطي ردا، بل يختار الصمت. بحيث أن اختياره للصمت لم يكن بغرض المسايرة أو التغاضي والنسيان، وليس بهدف الترويّة ثم التحدث عن الموضوع، وإنما بغرض ابتلاع الغضب وعدم التعبير عنه شفهيا أو جسديا مع الآخر. في هذه الحالة، يُوجه العنف نحو الشخص ونحو الآخر الذي ينتظر رده ولا يأخذ منه سوى التجاهل
تقول إحدى الدراسات في علم النفس، والتي شاركتُ في كتابتها، إن الناس في المجتمع العربي غير معتادين على التحدث عن مشاعرهم مع الآخرين إذا ما كانوا في ضائقة، هذه الميزة تتجلى أكثر لدى الرجال العرب أكثر من النساء، إنهم أقل ميلا للتعبير عن مشاعرهم مقارنة بالنساء، ولهذا فهم إما يلجأون للتعبير العنيف جسديا أو كلاميا عن مشاعرهم، أو يقطعون علاقتهم بالآخر نهائيا. وقد تكون هذه القطيعة بعدم الكلام أو بقطع العلاقة أو بالسفر والهجرة للخارج، وقد تتمثل أيضا بقطع علاقة عاطفية والزواج فورا بامرأة أخرى.. وغيرها
ولهذا يكون الصمت عبارة عن الوجه الآخر للعنف. إنه العنف المبطن وليس الظاهر للعيان.
الأمثلة كثيرة في حياتنا اليومية حول العنف صمتا. ومنها ظاهرة المقاطعة في المدارس. بحيث تقرر مجموعة أقران مقاطعة أحد زملائهم. لا يتحدثون إليه ولا يتعاملون معه ولا يقتربون منه. نعم إنهم لا يمسون به جسديا أو كلاميا، ولكنهم يدركون أنهم بابتعادهم عنه يؤذون مشاعره ويسببون له الألم
كثيرا ما قيل في السابق إن الساكت عن الحق شيطان أخرس
وقيل إن أسوأ ما نحياه في فترة الحروب هو ظاهرة اللا مبالاة وتجاهل ما يحدث
نعم.. لأن الصمت في كثير من الأحيان، ليس نقيا كما يتصوره البعض، بل قاسيا وقاتلا، خاصة إذا ما كان قد بُني على أسس شعورية سلبية
وأخيرا أقتبس جملة ما قالتها مختصة نفسية صديقة لي حين شاركتها بالموضوع: إن صمتي عندما يكون الآخر بحاجة إلى صوتي، هو تخلي عنه، تجاهل وإساءة.