TODAY - August 23, 2010
أما آن للعراق أن يستريح؟
كلوفيس مقصود
عندما تمتزج الدموع مع الدماء بشكل متواصل أحياناً، وأحياناً بشكل مفاجئ ومتقطع، نجد أن ما أفرزته الانتخابات البرلمانية في العراق منذ خمسة أشهر ونيف دلت على أن الطاقم السياسي المتحكم يكاد يكون في حالة فشل استولده ما يقارب انعدام الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه شعب العراق وتمكينه من استرجاع إسهامه الثقافي والتنموي والعلمي في تعزيز مناعة العراق وبالتالي تعزيز مناعة أمته العربية .
هذه المناعة التي أسهمت الحروب العبثية ضد إيران وغزو الكويت ومن ثم الغزو اللاشرعي لإدارة الرئيس جورج بوش للعراق بذرائع واهية وكاذبة عممتها الدوائر الصهيونية المتمثلة بالمحافظين الجدد والتي أدت سياساتهم إلى الإمعان في تقسيم العراق، وبالتالي تعزيز العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية حيث عمّت النزاعات الدموية وأفسحت المجال لعمليات انتحارية أسهمت في تعميم الالتباس بين شرعية مقاومة الاحتلال وعبثية الإرهاب، بمعنى أن المقاومة مدفوعة بثقافة التحرير وشرعية النقمة على الاحتلال في حين أن توظيف نتائج النقمة كان في خدمة الانتقامات الانتحارية والثأرية، وهذا أفسح المجال للمحافظين الجدد في إدارة بوش تعمّد تعميم دمغ المقاومة بالإرهاب .
لذا فإن التعثر وخاصة التباطؤ المخيف في عجز الطاقم السياسي عن الاتفاق على حكومة وحدة وطنية وبالسرعة المطلوبة للتخفيف عن شعب العراق مآسيه بعد عقود من الإرهاق والعذاب والظلم والإفقار والحروب العبثية ضد إيران وغزو الكويت ومن ثم حرب إدارة بوش ومحافظيه الجدد، كل ذلك يمثل مأساة متجددة تؤدي إلى عطب في المجتمع المدني .
أجل أنه عجز معيب يعيق توفير بوصلة لإخراج مواطني العراق من خلال قيام مرجعية موثوقة تدير التعقيدات المتزايدة بعد انسحاب القوات القتالية الأمريكية تنفيذاً لقرار الرئيس أوباما، مع الإبقاء على 56 ألف جندي لتدريب الجيش والشرطة العراقية، وبالتالي تأسيس قنصليات جديدة وتكثيف حضور الدبلوماسيين الأمريكيين في العديد من المناطق العراقية، لكن ما قد يثير مخاوف المواطنين يكمن في استبدال القوات الأمريكية المنسحبة بطواقم أمنية موكولة لشركات أمنية خاصة مثل بلاكووتر سابقاً والتي أعيد تسميتها ظ، وبالتالي باتت مسؤولة تجاه وزارة الخارجية ما يجعلها كما تدعي الإدارة الأمريكية أكثر انضباطاً والتزاماً بالمهام التي يشرف عليها الطاقم الدبلوماسي، وبالتالي المدني للإدارة الأمريكية، هذا الأمر شرحته الإدارة الجديدة للرئيس أوباما بأنه لن يعود لهذه الشركات الأمنية الخاصة استقلالية التصرف، كما حدث في العراق وعدد من الدول الإفريقية على يد أمثال هؤلاء المرتزقة من تفلت أمني .
كما يترافق مع إنسحاب القوات الأمريكية المحاربة إخراج العراق من مفاعيل الفصل السابع التي فرضها مجلس الأمن ذات الصلة .
أمام هذه المستجدات التي يجب توصيفها بالمصيرية بالنسبة لمستقبل العراق لابد أن نسأل: ألم يحن الوقت بعد لأن تخرج التيارات السياسية المتنافسة أو بالأحرى المتناحرة بعد مضي حوالي نصف عام من ذاتيتها المتقوقعة وانغلاقها على بعضها ما يؤدي إلى الطعن بشرعية استمرارها بحالتها الراهنة كي تواجه - أو بالأحرى كي تجابه التعقيدات المتنامية التي يجب أن تجابه بوعي شامل لتاريخية المرحلة الراهنة كي توفر للشعب الأمن والأمان بعدما تكاثرت عذاباته، واسترخصت الحياة لعقود كثيرة تمهيداً لا لمجرد وحدة وطنية بل إلى لحمة وطنية طال انتظارها كثيراً؟
نقول هذا من موقع الشوق العارم كي نسترجع العراق ودوره وإبداعاته الثقافية والأدبية والفنية والعلمية والتعليمية التي استساغتها أجيال متتالية من العرب في كل أقطارهم ومهاجرهم وأماكن تواجدهم .
إلا يدرك هذا الطاقم السياسي الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة أن عليه فوراً استبدال تعددية مكوناته التي ترسخ العصبيات والتزمت والتفرد لأن ذلك يؤسس لمجتمع يأبى التكامل، وبالتالي يؤدي لمزيد من النزاعات كما نشاهد في الكثير من أقطارنا، وما نشاهده في الصومال والسودان واليمن، وما اختبره العراق ولايزال من مهالك . . أجل لا يعني أن وجود عدد من المكونات المذكورة قد يكون ضاراً بل بالعكس تماماً، وخاصة في مرحلة التمهيد لصناعة مستقبل واعد للعراق، إذ إن رفض التعددية يدفع المجتمع من خلال ترسيخ المواطنة لأن يحتفل بالتنوع العرقي والديني والمذهبي، وهكذا يتم ترسيخ شرعية المواطنة ويصبح التنافس بين برامج تؤكد أمن الإنسان وأمانه، وهكذا يتم اختراق عصبيات التعددية ويتم تأكيد أولوية حق المواطن كأولوية فتستقيم معادلة الحكم التي تجعل كل مواطن عراقي يتمتع برغبة الاستنارة، إضافة إلى تحصينه من مؤثرات الغرائز البدائية التي طالما جعلته إما ضحية للعنف العبثي أو راغباً في البقاء من خلال الانطواء .
لم يعد مقبولاً أن يبقى العراق سجين اللاحسم، لقد حان الوقت لأن يختار السعادة لأنه يستحق الدولة التي يشعر المواطن من خلالها بوجود كرامته من خلال ممارسة حريته وانعتاقه من الخوف والإحباط وميول ونزعات التخويف .
العراق يتوقع من حكامه الجدد تجديد الثقة بطاقاته على العطاء بسخاء حتى يأخذ بكرامة، ويبقى العراق عندئذٍ في طليعة مشروع التنمية، وهو خميرة النهضة العربية، قد يبدو هذا تمنياً أكثر مما هو محتملاً، لكن ما قد يكون مستحيلاً يصبح ممكناً .