من ذاكرة مدينة الرفاعي( الشاعر الحاج شندي ومعلمو مدرسة الانتصار)
يروي انه كان في منطقة أبو جويري غرب مدينة الرفاعي ( قرية الشيخ حربي المزعل ) وفي مدرسة الانتصار الابتدائية في نهاية الستينات من القرن الماضي مجموعة من معلمي المدرسة يسكنون في تلك القرية لعدم استطاعتهم في ذ لك الزمن الذهاب والعودة من والى مدينتهم الرفاعي بسبب بعد المسافة ووعورة الطريق الترابي وانقطاعه المستمر وخاصة في فصل الشتاء حيث لا يمكنهم العودة الى مدينتهم إلا في نهاية الاسبوع أو تطول المدة لأكثر من ذلك ، وقد تكرم عليهم الشيخ المرحوم حربي المزعل بتسليمهم قصره الموجود قرب المدرسة ليسكنوا فيه ليتقوا برودة الشتاء القارص وحرارة الصيف اللاهب قبل مغادرته العراق مع نجليه متوجهاً الى سوريا في زمن النظام المقبور ليكون احد كبار قادة المعارضة العراقيه في ذلك البلد .
وكان من بين اصدقاء المعلمين المفضلين والاكثر ألفة أحد رجال المنطقة المرحوم الوجيه ( الحاج شندي الركابي ) وهم يترددون على مضيفه ويعاودهم بعد انتهاء الدوام الرسمي في المدرسة , والحاج شندي رجل كريم النفس طيب المعشر وشاعر شعبي ظريف يحب النكته وأحبوا فيه شعره وطرافته فأنساهم همومهم وبعدهم عن البيت والاطفال , وكانت اهم مشكله يعاني منها معلم القريه في ذلك الزمن هو نفاذ المؤونة الغذائيه عند طول المدة وانقطاع الطريق بعد سقوط الامطار الغزيره في فصل الشتاء فكان معلموالمدرسة يتوجهون الى صديقهم الحاج شندي والذي لم يقصر في تلبيتها وكانوا يطلبون منه حاجاتهم بحجة الاقتراض ولكنهم لن يرجعوا ما أقترضوا منه , وذات مرة نفذ طحينهم فأرسل اليهم الحاج شندي كيس فيه كمية من طحين الحنطه وطلب منهم ان يرجعوا فقط الكيس ( الكونيه ) لانهم يحتاجونها لمواشيهم ولكنهم لم يرجعوها متعمدين , ومرة اخرى نفذ سمنهم فأرسل أليهم ( طاسه ) كبيرة من الدهن الحر وطلب منهم ارجاع الطاسه فقط ولم يرجعوها أيضاً بقصد المزاح معه وينتظرون ردة فعله , مما أثار حفيظته وأراد هو ان يمازحهم ايضاً فذهب الى بيت احد المعلمين في المنطقه الاستاذ مبارك صالح الرهك وهو اكبر المعلمين سناً واكثرهم خدمة وله رأي مسموع ونافذ عندهم شاكياً له ما يجري له مع المعلمين في تلك المدرسه وموجهاً انذاراً شديد اللهجه لهم ولمديرهم المرحوم نوري صادق قائلاً
أنذار .. انذار .. امن الحجي اجاك أنذار
أمبارك ما تصل نوري ماخذ طاستي وماخذ الكونيه
الماخذ طاستي ما ظنتي يرتاح
أخلي اطروشها أمخبه والصايح يتبعه انياح
وأوصل للرفاعي ومكتب الفلاح
وأكلهم شوفو أفعال المعلميه
وذات يوم اراد المرحوم الحاج شندي الذهاب الى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج فذهب ليسلم على المعلمين ويودعهم طالباً منهم ( ان يبرونه الذمه ) فودعوه وتمنوا له حج مبرور وعودةً ميمونةً سالماً غانماً ومعه ( الصوغه ) , وعند عودته من الحج اخبرهم بأنه اكثر لهم من الدعاء في بيت الله الحرام وعند مقام النبي الاعظم (ص ) وجلب مسبحه من النوع الجيد لكل منهم اشتراها لهم من المدينة المنوره ولكن هذه الصوغه لم تروق للمعلم المرحوم سليم عليوي والذي كان يطمح بمسبحه من نوع ( البازهر) غالية الثمن فكان يستخف بتلك الصوغه ويشيع بين جلساء الديوان بأن الحاج شندي خذله ولم يفي بوعده وأخذ يردد بعض التعليقات والارجوزات بقصد اثارة الحاج شندي للتلاطف معه منها (حجي شندي بازهر راح أموت أمن القهر ) وبعد أن أفرع كل ما في قلبه انتبه اليه الحاج شندي ورد عليه بقصيدة لاذعه
ذكرتك بالمدينه وجبت سبحه اوياي
جا ليش اتهزه يا جليل الراي
كل يوم بالديوان لنك شارلي اطلابه
لوني جاتل اعليوي أفصل وادفع ارضابه
ناخي الحسين وناخي امصابه
يمولسلي سليم ويستجيب ادعاي
وبعد انتهاء عشاء وليمة الحج وشرب الشاي والقهوه همس الحاج شندي في أذن صاحبه وصديقه المعلم سليم بأنه جلب له من الديار المقدسه صوغة أخرى ترضيه على أن لا يخبر المعلمين في ذلك حتى لا تفتح عليه باب جديدة يصعب اغلاقها
وختاماً رحم الله الحاج شندي وجميع الراحلين من الناس الطيبين
ورحم الله زماناً جميلاً ماضياً كله طيبةً ومودةً ومحبه .
( راغب رزيج العقابي _ قضاء الرفاعي _ذي قار )
رد مع اقتباس
