بقلم /احلام الرحال
شاهدت مؤخرا فيلم “الكلمات”، وقد أعجبني كثيرا لمضمون قصته، حبكتها، أداء الممثلين، وما يعجّ به الفيلم من أوصاف جميلة لتفاصيل حياة الأدباء
هذه الحياة المشحونة بالتوتر والقلق والتركيز بالكتابة، حتى اصطباغ أصابعهم بحبر الكتابة، والتفكير في رواياتهم والتنازل عن بعض متع الحياة من أجل نص كتبوه وكأن النص صار ابنا لهم، وخسارته تعادل خسارة ولد
من اختبر عملية الخلق الأدبية أو الفنية وحتى الفكرية، سيفهم مشاعر كاتب يدرك بعدما أنجز روايته، أنها ضاعت منه في القطار. كان مشهدا فاتنا قاتلا حين عاد الرجل إلى محطة القطار تاركا زوجته خلفه، يبحث بين الناس عن حقيبته التي تحوي الرواية. راح يركض متوترا بين الجموع، يمسك الناس بغضب سائلا عن روايته، دون أن يجد لها أثرا. ثم بعد سنين طويلة يُدرك أن كاتبا آخر وجدها فطبعها ونشرها على اسمه
يروي الفيلم قصة كاتب شاب يحاول أن يضع قدميه على طريق الإبداع الأدبي، دون أن يجد دعما واهتماما من دور النشر. يجد بالصدفة رواية مجهولة داخل حقيبة مركونة في دكان للأغراض العتيقة، لا يعرف كاتبها، يجن جنونه لروعة الرواية، فيقوم بطباعتها على اسمه ويذيع صيته من بعدها ليصبح أحد أهم كتاب البلاد المعاصرين. ومن حينها يبدأ الناس بالاهتمام بكتاباته. ثم يروي الفيلم ما آلت إليه الظروف بعدما عرف الكاتب الأصلي بشأن روياته المفقودة، التي نسبها شخص آخر إليه، وكيف اضطر الأخير إلى الاعتراف بفعلته وإرجاع الحق إلى صاحبه، مواجهة سمعته، خساراته الشديدة، والقرار بالبدء من جديد في عالم الأدب، تحت اسم وهوية جديدين
لا تتوقف السرقة الأدبية، الفكرية أو الفنية، على سلب إنجاز معين قام به أحدهم فحسب، وإنما على تقمص تجارب وحياة شخص آخر، لا تمتُّ إليه بصلة. كما جاء على لسان الكاتب الأصلي: “أنت لم تسرق روايتي فقط. أنت سرقتَ جزءا من حياتي، معاناتي، ذكرياتي.. أنا الذي وقفتُ عند سرير ابنتي الميتة وكتبت الرواية، أنا، ولست أنت”
نعم، هذا هو العمل الفني، إنها عملية خلق داخلي لحياتنا. إنها عملية إعادة تكوين وتدوير لمجريات حياتنا، لأحزاننا، لذكرياتنا الأليمة، إنها عملية معاناة مستمرة ومفاهيم يعاد تشكيلها والتعبير عنها في الكلمات
كما قال الكاتب العربي السوري محمد الماغوط: أنا لا أكتب، بل أنزف.
ولهذا، لا يمكن التعويض عن السرقة الأدبية أو الفنية بمبالغ مالية أبدا، ولا أي وسيلة اعتذار أو توسل ستشفع لما مضى. لأن سرقة الروح لا يعوّل عليها، ولا يمكن سداد دينها بأي طريقة
وما هو الأخطر حسب رأيي من السرقة الأدبية ذاتها، هو أن كلا الطرفين خاسران: الكاتب الأصلي وقد سُرق جزء منه، والثاني يُدرك رغم الأضواء حوله، أنها أضواء مزيفة، وأن فرحه مزيف أكثر منها، وأنه لا يستحق أي تصفيق ناله من أحد، بل ما يستحقه حقا هو كلمة حقيقية أو جملة يكتبها على بياض الورق، تعكس شيئا من روحه هو، لا من روح الآخرين....