ترى ما هو الأصعب؟ فقد الآباء ام فقد الأبناء؟ ومن الذي يحزن أكثر، الوالدان على ولدهم أم الأبناء على والديهم؟
أسئلة صعبة جدا تثير في القلب أحزانا خفية قد تدفع الدموع للمقل.. لكنها سنة الله في خلقه.. فالموت كأس وكل الناس شارب منه لا محالة!
كثيرا ما أزور المقبرة عندما أشعر بقسوة في قلبي أو هم يعتريني لشأن من شؤون الحياة.. فاتأمل القبور واحوالها.. واتفكر في احوال من مضوا ولم ياخذوا من الدنيا شيئا..
أجول بين القبور خاشعا مطرقا رأسي.. فكم من شخص احبه قد مد في لحده وواراه التراب.. اختفت ملامح وجوههم الجميلة وخبت تلك الابتسامات التي كانت تبهج قلبي..
كثيرا ما كنت أرى ذلك الرجل الستيني الذي فقد ابنه العشريني عندما اصابته جلطة دماغية.. كنت اراه جالسا بجانب قبره يدعو او يتلو أو ينظف ويزرع الازهار.. كنت احس بغصته الكبيرة واشعر بمدى حبه لولده..
وكنت ارى ذلك الرجل الخمسيني الذي فقد ولده العشريني الذي توفي حديثا دون سبب ! كنت أراه جالسا بجانب القبر.. قد شحب وجهه ونحل جسمه وطال شعره.. زين القبر بالأزهار وداوم على زيارة قبر ولده والمكوث بجانبه لساعات..
فكرت لدقائق.. ترى.. من يحزن أكثر، الأولاد على اهلهم ام الاهل على ابنائهم؟
الأولاد يتوقعون وفاة والديهم أكثر مما يتوقع الوالدين وفاة أبنائهم.. فالاباء يعملون ويجتهدون في الدنيا لأبنائهم.. ليعطوهم الحياة.. ليعطوهم السعادة..
أما الأبناء فيعملون كثيرا لأنفسهم قليلا لوالديهم.. يفكرون كثيرا بانفسهم وأقل بوالديهم..
الأباء يفكرون بموتهم وحياة أبنائهم.. والابناء يفكرون بحياتهم بعد موت آبائهم..
أظن أن حزن الآباء على أبنائهم أكبر!
نسأل الله ان يرزقنا بر والدينا وأن يغفر لهما ويرحمهما كما ربيانا صغارا.. وأن يحسن خاتمتهم وخاتمتنا..